بقلم: القاضي عبد اليمه جعفر
يشغل موضوع الطلاق وما يترتب عليه من آثار مساحة واسعة عند البحث في العلوم الإنسانية لاسيما الدراسة في علوم الشريعة الإسلامية والاجتماع والقانون، فهنالك صلة مباشرة أو غير مباشرة بين ما يترتب عليه من آثار وبين ارتكاب الجريمة من جانب، ومن جانب آخر فهو ابغض الحلال عند الله تعالى اذ تبرز أهميته في اطار ما ينجم عنه من مشاكل اجتماعية نتيجة جهل الكثيرين بأحكامه والاستخفاف والتمادي بإيقاعه حتى بلغت نسبة حالات إيقاع الطلاق أرقاما مرعبة تهدد كيان المجتمع واستقراره، فالجريمة بعدها ظاهرة اجتماعية ترتبط ارتباطا مباشرا بالوسط الأسري المفكك الذي يعد من الأسباب الاجتماعية الدافعة لارتكاب الجريمة، فليس هناك من شك في أن وجود الأسرة في حد ذاته يعد من الأسباب المهمة للتنشئة الاجتماعية حيث تبدأ علاقة الأسرة مع الأبناء منذ ميلادهم وهي المسؤولة عن تأسيس أنماط سلوك وعادات وتصورات دائمة وتقرير النماذج السلوكية للفرد، وهنالك علاقة وثيقة بين معدل الجريمة في المجتمع وطبيعة الأسر التي يتكون منها ذلك المجتمع، فكلما كانت الاسر قادرة على القيام بوظيفتها الاساسية في التنشئة الاجتماعية كلما كان معدل الجريمة اقل، وتشير الدراسات الاجتماعية بهذا الصدد الى ان هنالك علاقة طردية بين ارتفاع معدلات الطلاق وزيادة نسبة جرائم الاحداث وكشفت هذه الدراسات الى ان الطلاق يؤدي الى نوع من عدم الاستقرار مما ينعكس سلبا على نفسية الاطفال وبالتالي جنوحهم وانحرافهم نحو الجريمة فضلا عن تأثيره على سلوك الطرفين المطلقين فيندفعان نتيجة لذلك الى سلوك طريق الجريمة التي تتخذ أشكالا متعددة اهمها السرقة والتعاطي والزنا والقتل.
إضافة إلى ذلك فإن هنالك صلة غير مباشرة بين الطلاق وارتكاب الجريمة لما يترتب عليه من آثار مدمرة على الأسرة والمجتمع فقد كشفت دراسات علم النفس والاجتماع عن وجود اتجاهين: الأول يذهب أصحابه الى ضرورة عزل الأبناء عن الأسر التي يسودها النزاع وينتهي بها الأمر الى الطلاق، والثاني يميل الى القول بأن الأسرة المضطربة خير لنشأة الطفل من عدمها، فمهما كانت المشاكل بين الوالدين فانه من الأفضل بكثير أن تبقى الأسرة لأن الاطفال بحاجة الى رعاية لا يمكن لأي منظمة او جمعية او مؤسسة أن تعوض حنان الأم وعطف الاب خصوصا في السنوات الاولى من حياتهم. وعلى اي حال فان الاضطراب والتفكك الاسري يفضي الى عواقب وخيمة تعود على كافة افراد الاسرة فالتفكك وتصدع العلاقة بين الوالدين ومشكلاتهم النفسية وما يرافق ذلك من عدم احترام بين الطرفين واللامبالاة والعداوة وما يترتب عليها من مشاعر تعاسة وآلم وقلق يعوق النمو الانفعالي والاجتماعي لدى الافراد ويضعف من ثقتهم بعائلتهم، ويجعلهم عاجزين عن تبادل مشاعر الود مع الآخرين ويفقدهم الانتماء مما يدفعهم الى اشكال مختلفة من الانحراف والسلوك العدواني والمرض النفسي والانتحار وغيرها من المخاطر الاجتماعية، وما نريد ان ننوه اليه في هذا المجال هو انه اذا كان الطلاق قد اجيز شرعا كضرورة اجتماعية بعد ان استنفدت كل السبل التي يمكن من خلالها البقاء على العلاقة الزوجية، فيجب ان تقدر هذه الضرورة بقدرها ولا يلجأ إليها إلا اضطرارا، كما أن التعويض المادي المترتب على التعسف في اللجوء الى الطلاق وإيقاعه دون مبرر نتيجة لعدم المبالاة بالواجب القانوني الملقى على عاتق طرفي العلاقة الزوجية المتمثل بالمحافظة على كيان الاسرة وعدم تعريض افرادها للخطر فأنه غير كاف للردع والحد من ظاهرة ايقاع الطلاق غير المبرر التي أضحت تهدد استقرار المجتمع بعد ان بلغت اعدادها مراتب عالية دون اي مبرر سواء نتيجة لمزاجات متقلبة واشباعا لرغبات بأعذار واهية، الامر الذي يتطلب ايجاد جزاء مناسب زاجر رادع لكل من يستهين بهذا الواجب القانوني سواء كان ذلك من جانب الزوج او الزوجة او الغير، وفي ظل عدم وجود نص قانوني يجرم تقصير الزوجين المفضي الى ايقاع الطلاق او التفريق ندعو الى تفعيل الفصل الخامس من الباب الثامن من قانون العقوبات الخاص بالجرائم المتعلقة بالبنوة ورعاية القاصرين وتعريض الصغار والعجزة للخطر وهجر العائلة من خلال التوسع في تفسير نصوصه سيما نص المادة ( 383/1 ) منه من خلال اشعار محكمة الاحوال الشخصية لمحكمة التحقيق المختصة باتخاذ الاجراءات القانونية بحق من يثبت تقصيره من طرفي الرابطة الزوجية وعدم مبالاته المفضي الى ايقاع الطلاق نتيجة لعدم اكتراثه بصيانة الاسرة والمحافظة على عدم تعريض أفرادها لاسيما الأطفال منهم للخطر.
أقرأ ايضاً
- الطلاق.. ظاهرة وأسباب - الجزء الثاني
- الطلاق.. ظاهرة وأسباب - الجزء الأول
- منع وقوع الطلاق خارج المحكمة