القاضي عماد عبد الله
يوجد للجريمة -بصفة عامة- معنيان، أحدهما قانوني والآخر غير قانوني (أخلاقي أو اجتماعي) وفقا لمعناها القانوني، بأنها الفعل الذي يجرمه القانون ويقرر له جزاءً جنائيا. أما المعنى غير القانوني للجريمة، فلقد تباينت آراء الفقهاء بشأنه: فمنهم من يؤسسه على الأخلاق ومنهم من يرده إلى القيم الاجتماعية.
لقد اتفقت اغلب التشريعات على أن الجريمة هي سلوك إجرامي بارتكاب فعل جرمه القانون، أو الامتناع عن فعل أمر به القانون، ولتجسيد هذا السلوك ينبغي أن يكون هناك إرادة وسلوك إنساني (فعل) سلبي أو إيجابي أي عمل أو امتناع عن فعل، وأن تتجه الإرادة للقيام بعمل جرمه القانون، أي أن يتزامن هذا الفعل أو الامتناع عن الفعل بوجود نص قانوني يجرم هذا الفعل، وان تكون الأسباب كافية لإحداث النتيجة الجرمية.
والمجرم قانونا هو الشخص الذي ارتكب فعلا يكـوَّن جريمة وصدر ضده حكما باتا بإدانته. وإسناد صفة المجرم لشخص على هذا النحو تترتب عليها آثار قانونية خطيرة تمسه في أهم حقوقه (مثل الحق في حياته أو في سلامة جسمه أو في ماله أو في شرفه واعتباره، فليست الجريمة ظاهرة مادية خالصة، بل هي عمل إنسان يسأل عنها ويتحمل العقاب من أجلها. وبغير العلاقة بين شخصية الجاني وماديات الجريمة يستحيل تحديد شخص تقوم مسؤوليته عنها، إذ لا تنسب الإرادة لغير الإنسان.
ويتعين أن تكون الإرادة مميزة مدركة وحرة مختارة حتى تعد عنصراً في الجريمة، وتسمى الأسباب التي تجردها من القيمة القانونية موانع المسؤولية الجنائية مثل: صغر السن والجنون والسكر غير الإرادي والإكراه وحالة الضرورة.
وللإرادة الجنائية صورتان: القصد الجنائي والخطأ غير العمدي، ويعني القصد الجنائي تجاه الإرادة إلى إحداث الفعل ونتيجته، ويفترض الخطأ غير العمدي تجاه الإرادة إلى إحداث الفعل دون النتيجة وأن وجود أكثر من فاعل في صورة الاشتراك الجرمي لا يعني بالضرورة ان يتساوى المساهمون في الفعل المشترك، ومن الممكن أن يتساووا في أفعالهم، وقد يحدث التباين في درجة الفعل، حيث يكون بينهم من له دور ثانوي والآخر رئيسي. غير أنهم جميعا يتمتعون بالإدراك والعقل ويتحملون مسؤولية أفعالهم ونتائجها.
إن من أهم مقتضيات العدالة حماية المجتمع من الجريمة والمجرم، ولابد من وجود وسائل رادعة تقوم الدولة بتطبيقها تتجسد في العقوبة على الجاني، وتشكل العقوبة الوسيلة التاريخية التي التزم بها الإنسان لمعاقبة الجناة على أفعالهم المخالفة للقانون ولا عقوبة الا بموجب نص قانوني كما تقتصر عملية فرض العقوبة على الجهات القضائية المختصة، بالنظر للاختصاص الوظيفي والقدرة على التطبيقات العملية في موازنة الأفعال وتقدير العقوبة المفروضة على الفاعل، بينما يتم تنفيذ العقوبة من قبل السلطات التنفيذية المختصة.