حجم النص
بقلم:عبدالزهرة الطالقاني لم تعد زهراء بائعة البخور بحاجة الى نقود بعد ذلك اليوم المأساوي.. وهي لم تعد تبحث عن من يشتري منها الأعواد التي تبعث بالرائحة الطيبة في أجواء المنزل وسرادق العزاء.. ربما لاول مرة تخلت عن تلك الأماني.. فهي لم تعد تحلم بأمنية اكبر من يحتضنها ويحملها احد بهدوء الى قبرها. زهراء بائعة البخور في مدينة الصدر كانت إحدى ضحايا العملية الإجرامية التي استهدفت عزاء في مدينة الصدر ليلة الواحد والعشرين من أيلول عام 2013 ، الجريمة البشعة أسفرت عن استشهاد 72 مواطناً من المعزين وجرح 240 آخرين.. هذه الجريمة لم تكن وحدها في هذه المنطقة الفقيرة. بل ان الإرهاب استهدفها مئات المرات.. حتى صار الموت يزورها كل يوم.. ولا يكاد يغيب عنها. زهراء رقدت بهدوء تام وسكينة في الطب العدلي وجسدها الغض الملفوف بعباءتها ينتظر من يأخذه الى القبر.. فهذه الطفلة التي حرمت من الهناء في الحياة الدنيا لأنها فقدت والديها.. وهي تبيع البخور لتعيل اخوتها الصغار.. عاجلها الموت على بوابة خيمة العزاء في مدينة الصدر.. شيع الناس جثامين شهدائهم في مواكب جنائزية مهيبة وحمل الأهل والعشيرة تلك الأجساد الى مثواها الأخير.. وجسد زهراء ينتظر.. لم يشيعه أحد.. ولم يلتفت أحد الى أنها الآن لم تعد بحاجة الى أي شي...سوى انها بحاجة الى قبر. انها رقية العصر.. هكذا الأطفال في بلادي يقتلهم الإرهاب، بفقد أعلنت وزارة حقوق الإنسان حينها في تقرير لها ان (1000) طفل قتلوا نتيجة العمليات الإرهابية في عام 2012 فقط.. أطفال العراق مثل كل العراقيين يدفعون الثمن غاليا كونهم عراقيين. كم من الأطفال مثل زهراء يتمها الإرهاب، وقتلها الإرهاب، وحرمها الإرهاب من التعليم والعيش برفاه.. ثم حرمها الحياة.. منظمات الطفولة والناشطون يجهلون أحيانا ما يتعرض له أطفال العراق من إبادة، وعنف، وحرمان، نتيجة هذا الأخطبوط من الجريمة المنظمة على ايدي داعش والقاعدة ومموليها. طفلة العراق.. وبائعة البخور تقطعت أشلاؤها قرب خيمة العزاء.. حيث أن الإرهابيين أعلنوا انتصارهم في واحدة من اكثر الغزوات وحشية ودماراً.. ما زالت الطفولة في العراق تتحمل مزيدا من المآسي، وفقدان الأب وألام، وفقدان المعيل والممول وفقدان الراعي والمربي.. ومازالت مؤسساتنا عاجزة عن احتضان هؤلاء. كانت زهراء تسير خلف الجنائز المحمولة على الاكف.. وتصرخ دون ان يسمعها أحد.. خذوني معكم.. ألم اكن واحدة منكم..؟ ألم أقطع كما قطعتم..؟ ألم أمت كما متم..؟ لماذا لا تحملوني..؟ لماذا لا تضعوني في تابوت كما وضعتم هؤلاء االشهداء..؟ لا تتركوني وحيدة هنا في هذه الغرفة الباردة.. فقد تركني أهلي من قبل، واليوم تتركوني انتم..!! سأدفع لكم ثمن التابوت، فقد جمعت مبلغاً تستطيعون أخذه الآن. لكن لا أستطيع ان ادفع ثمن القبر.. خذوا بخوري وامنحوني قبرا..!! فما عاد لي شي في هذه الدنيا.. وما عادت لي أحلام.. حتى تلك الأحلام التي كنت أراها حين أغفو على الرصيف عندما تهدأ الشوارع ولا يشتري مني احد عيدان البخور، حتى تلك الأحلام تبددت وتلاشت.. فلم أقوى على مساعدة اخوتي..ولم اشتري لهم رغيفا منذ يومين.. لقد حاولت كثيرا.. لكني ممددة في هذا الصندوق البارد لا أستطيع الحراك.. احتاج الآن الى دفئ، علني أجده في التابوت، أو في القبر الذي بات حلمي الوحيد.. انا العراقية زهراء بائعة البخور..ألا تعرفوني..؟ تصدقوا علي بشيئ من المال حتى أجد سكينتي وبيتي الجديد.. وخذوا اخوتي إذا شئتم ليكونوا في خدمتكم ولا تنسوا ان تطعموهم..لاني لم استطع إطعامهم منذ يومين..بعد ان تطايرت "صينية" أعواد البخور من يدي، وتطايرت يدايّ وأجزاء من جسدي.. صعب علي ان اجمع كل هذا.. لذلك سوف لن أعود.. فأنا لم اعد قادرة على حمل الصينية وبيع البخور..وغير قادرة على إعالة اخوتي..خذوني معكم أيها المشيعون فما عدت قادرة على الركض خلفكم..أنا الان بحاجة الى قبر.