- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
في ذكرى وفاة الصديقة الزهراء(عليها السلام)
حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي تمر على الموالين والعالم الإسلامي والبشري ذكرى أليمة ومحزنة أدمت فؤاد كل مسلم وكل إنسان شريف يؤمن بقيم الإنسانية والتي أقرحت عيوننا وأدمت قلوبنا والتي فيها نذرف الدموع بدل الدم إلا وهي ذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام) والتي هي من علمت العالم كيف تكون المرأة ذات معاني عظيمة وسامية وأعطت للمرأة قيمتها السامية والعظيمة والتي كانت تستحق وبفخر ما أطلق عليها أبيها نبينا الأكرم محمد(ص) بأنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وكانت تمثل المرأة التي خلقها الله سبحانه لتكون نموذج لنساء العالم أجمع والتي هي حوراء إنسية امتازت عن كل النساء في رفعتها منزلتها والتي كانت كل أمورها وشئونها بيد الله سبحانه لأنها الله جل وعلا قد أختصها برحمته الواسعة والتي كانت تمثل الوعاء المهم لعترة النبي محمد(ص) وكذلك لحجج الله في الأرض وهم سفن النجاة والذين هم خير البرية وبقية الله في أرضه والذي منها قائم آل محمد الذي بظهوره يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملأت ظلماً وجوراً. ولهذا كان الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) يخبر فاطمة بمنزلتها فيقول لها: ((يا فاطمة ان الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك)).(1) وكذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: ((يا فاطمة أبشري فلك عند الله مقامٌ محمودٌ تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتُشفعين)).(2) ويظهر أيضاً مقامها عند الباري عز وجل من خلال الحديث الطويل الذي يروى عن أهل بيت العصمة عن الله تعالى حيث يقول الباري عز وجل: ((يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار)).(3) ومن المقامات المهمة الأخرى لها عليها السلام هو علة الايجاد أي أنها كانت علة الموجودات التي خلقها الباري عز وجل وكما ورد في الحديث الذي يقول فيه الباري عز وجل: ((يا أحمد! لولاك لم خلقت الأفلاك، ولولا علي لم خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما)).(4) أي أنها العلة والوعاء الذي حمل السلالة الطاهرة للسلالة المحمدية الطاهرة(سلام الله عليهم أجمعين). وقد تناول الكثير من الكتاب سيرة سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(عليها السلام)وبكثير من الغموض واللبس بحيث وصل حد أن بعض الكتاب أن جعلها امرأة عادية حالها كحال بقية النساء بل وجعل أن بعض النساء من المسلمات أفضل منها ووصل الأمر بالتحريف ليدعي أنها كانت أمراه عبوس(حاشا لله) وحتى زواجها كان على الكبر في محاولة لطمس الحقائق وتزويرها وهذا ماعهدناه في تاريخنا الإسلامي في كونه تاريخ يكتب ويؤطر وحسب أهواء الحكام والسلاطين وبما يتماشى مع مصالحهم والذي يصب بالتالي في تمجيد الذين هم من جالسين على العروش وتلميع صورتهم وهذا ما شاهدناه ولمسناه في الجهود والمحاولات المنصبة وبلا حدود وعلى مدى التاريخ في طمس الهوية الحقيقية لأهل بيت النبوة(سلام الله عليهم أجمعين) والذي جرى من كل الحاقدين على هذا البيت السماوي الذي أنزل فيه رسالته بواسطة أشرف خلق الله نبينا الأكرم محمد(ص) وتحطيم كل الأوثان في المجتمع الجاهلي والذي كان مجتمع متخلف قائم على كل صور التخلف وظلم الإنسان لأخيه الإنسان وعدم المساواة ليبني مجتمع قائم على العدل والمساواة برسالة إنسانية هي رسالة الدين الإسلامي الحنيف ليصبح البيت المحمدي هم ((أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، وخزّان العلم،ومنتهى الحلم، وأصول الكرم، وقادة الأمم، وأولياء النعم، وعناصر الأبرار، ودعائم الأخيار، وساسة العباد، وأركان البلاد، وأبواب الأيمان، وأمناء الرحمن، وسلالة النبيين، وصفوة المرسلين، وعترة خير رب العالمين)).(5) ولتخرج من هذا البيت الطاهر والشريف إلى الدنيا ثمرة يانعة وامتداد لبيت النبوة هي فاطمة الزهراء(عليها السلام) من بيت شريف وسامي لا يدانيه أي بيت في العالمين ولتصبح هي الامتداد الحقيقي لرسالة النبوة والتي يخرج منها النسلة الطاهرة لسلالة النبي الأعظم محمد(ص). وقد عاشت في حجر النبوة وهي من أعلى الحجور قيمة وعظمة لتخرج هذه السيدة العظيمة السامية المعاني وبأعلى قيمها ولتكون إحدى المرتكزات الرئيسية في امتداد الرسالة المحمدية ولتكون البلسم الشافي لنبينا محمد(ص) بعد أن قاسى الأمرين من الظلم والتعذيب والجحود من قبل الكفار في قريش والأعراب كافة ولتصبح هي أم أبيها وكما ذكر ذلك في حديثه الشريف نبي الرحمة(ص). ونتيجة لذلك امتدت الأقلام المأجورة للتقليل من هذه المرأة العظيمة والتصغير منها في محاولة لحجب وطمس هويتها العظيمة في ذكر سيرتها بشيء من التزوير والتدليس الكثير ولكن وبرغم كل محاولاتهم من وعاظ السلاطين والكتاب من عبيد الدرهم والدينار لم يفلحوا لأنها محفوظة من السماء وهي التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ونسوا قول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.(6) فهذا البيت النبوي هو مسدد من الله وتوفيقه وبركاته ولهذا كتبت عن هذه المدرسة المتواضعة عن سيرة سيدة نساء العالمين والجنة الطاهرة المطهرة سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(عليها السلام) والتي الكثير من الكتاب ومن المذاهب ينكرونها ويقولون غير ذلك في جملة من الكتابات والأقاويل والتي لاتستند إلى أي مصادر موثقة أو رواة ثقاة بل كلها عبارة عن تحاليل وكلام لا يستند إلى أي تحليل منطقي وعقلي وعلمي في ذلك وقد قيل في المقولة المشهورة والتي تقول ((حدث العاقل بما يعقل فان صدق بما لا يليق فلا عقل له)). وعن بلاغتها فيتفق كل الكتاب والمؤرخون على بلاغة الزهراء (ع) روحي لها الفداء وعلى أنها كانت أشبه الناس بأبيها،وفي ذلك قال عائشة: (ما رأيت أحداً من خلق الله أشبه حديثاً وكلاماً برسول الله(ص)من فاطمة).(7) و كانت إذا دخلت عليه رحب بها و قام إليها فأخذ بيدها فقبلها و أجلسها في مجلسه (8) قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه وقال الذهبي في التلخيص: بل صحيح قال شعيب الأرنؤوط: في تعليته على صحيح ابن حبان إسناده صحيح. ولها من الفضائل والمنزلة مالا يعد ولايحصى وفي حياتها القصيرة والتي لم تتجاوز الثمانية عشر ربيعاً والتي تركت بصمتها الواضحة في التاريخ الإسلامي وبوضوح ولتكون لها عدة أسماء للدلالة على جلال قدرها حيث يقول الإمام الصادق وكذلك الإمام الحسين(عليه السلام): (لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة، والصدِّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدَّثة، والزهراء).(9) والتي وصفها نبينا الأكرم محمد(ص) والذي لا ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى إذ قال عنها(بأنها أم أبيها) وقد ذكر ذلك أبو الفَرَج الأصفهاني عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: « إنّ فاطمة تُكنّى بأمِّ أبيها ».(10) فهي أنت التي كانت تزهر السماوات والأرض عندما كانت تصلي في محرابها وكانت تتورم قدماها من كثرة الصلاة والعبادة فعن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فاطمة لِمَ سمّيت الزهراء؟ فقال: «لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض».(11) وهي التي تزهر ثلاث مرات لأمير المؤمنين وعن أبان بن تغلب قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) يا بن رسول الله لِمَ سمّيت الزهراء (عليها السلام) زهراء؟ فقال: «لأنها تزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) في النهار ثلاث مرات بالنور، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة (عليها السلام)، فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة، فإذا نصف النهار وترتبت للصلاة زهر وجهها (عليها السلام) بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة (عليها السلام) فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها صلوات الله عليها، فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمرّ وجه فاطمة (عليها السلام) فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكر لله عزّوجلّ فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ويسألونه عن ذلك، فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبّح الله وتمجّده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة (عليها السلام)، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين (عليه السلام) فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمّة منّا أهل البيت إمام بعد إمام».(12) فيا سيدتي ومولاتي الجليلة وفي ذكرى استشهاد نستعبر كل العب لهذا المصاب والذي اهتز العرش لما قاسيت وظلمت من بعد أبيك من قبل أمته وأنت بنت نبيهم وقد غصبوا حقهم وكسروا ضلعك واسقطوا جنينك المحسن وغصب حق أبن عمك في الخلافة فأي مصيبة تلك التي قد تزلزل لها العرش وقد جاءت المصائب تتسارع إليك بعد وفاة أبيك وتنكر الكثير لفضل أبيك وفضلك على العالمين وانهم يقومون بهذا الفعل الشنيع. وهي التي أقبلت تعثر في أذيالها وهي لا تبصر من عبرتها ومن تواتر دمعتها وجاءت من بعد ذلك على قبره وشمت ترابه ودام نحيبها وبكائها إلى أن أغمي عليها وأنشدت هذه الأبيات التالية بعد أن أخذت حفنة من ترابه وشمته: ماذا على المشتم تربةُ أحمد****أن لا يشتم مدى الزمان غواليا قل للمغيب تحت أطباق الثرى****أن كنت تسمع صرختي وندائيا صبت عليَّ مصائب لو أنها****صبت على الأيام صرن لياليا قد كنت ذات حمىً بظل محمدٍ****لا أخشى من ضيمِ وكان حمىً ليا فاليوم أخضع للذليل وأَتقي****ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا فإذا بكت قمريةٌ في ليليها****شجناً على غصنِ بكيت صباحيا فلأجعلنَّ الحزن بعدكَ مؤنسي****ولأجعلنَّ الدمع فيك وشاحيا.(14) وصدقت بضعة نبينا المختار(ص) فيما أنشدته من الشعر وتتوالى الأحداث متسارعة وفيها من العجب والعجاب والذي سوف نرويه لكم. حيث جاءت(الردة)والتي شملت غالبية المسلمين وبصرف الخلافة عن صاحبها الشرعي والذي أكد الرسول(ص)على خلافته ووصايته له وولايته..ذلك هو علي بن أبي طالب وغصب حقها في فدك واسقاط جنينها وكسر ضلعها. فلعن الله من جهل حقك، ولعن الله من ظلمك، ولعن الله من عصرك وراء الباب وأسقط محسنك ولعن الله ظالميك من الأولين والآخرين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر: 1 ـ كنز الفوائد : 1/150. 2ـ الأسرار الفاطمية محمد فاضل المسعودي. ص 98 3 ـ سفينة البحار: 2 /375. 4 ـ راجع: (كشف اللآلي) للعرندس على ما نقله السيد مير جهاني في (الجنة العاصمة)، والعلامة المرندي في (ملتقى البحرين): ص14، و(مستدرك سفينة البحار): ج3 ص334، ونقله (عوالم العلوم): ص26 عن (مجمع النورين)، و(من فقه الزهراء (عليها السلام): ج1 ص19. الأسرار الفاطمية محمد فاضل المسعودي. ص233 – 252. 5 ـ من الزيارة الجامعة في كتاب مفاتيح الجنان. 6 ـ [الصف: 8] 7 ـ أخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 167 8 ـ صحيح ابن حبان / 15 / 403، الاستيعاب / 4: 1896،نظم درر السمطين / 180،متاع الأسماع / 5: 354، سبل الهدى والرشاد / 11: 46. سير أعلام النبلاء / 2: 127، تاريخ الإسلام / 3: 46،ذخائر العقبى / 1: 41،مرقاة المفاتيح / 11: 291، إمتاع الأسماع / 5: 354،موارد الظمآن / 1: 549،الجمع بين الصحيحين / 4: 123. مسند أحمد بن حنبل / مسند بن راهويه / 5: 8، سنن البيهقي / 7: 101، سنن النسائي / 5: 96، سنن الترمذي / 5: 700، سنن أبي داوود / 4: 523، المعجم الأوسط / 9: 292،الأدب المفرد / 1: 242، الآحاد والمثاني / 5: 147، جامع الأصول / 11: 6677. 9 ـ كتاب أمهات المعصومين. للعلامة السيد محمد الشيرازي. مركز الجواد للتحقيق والنشربيروت ـ لبنان. الفصل الرابع والخامس الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام) والدة الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام). 10 ـ في (مقاتل الطالبيّين:57 وفي (كشف الغمّة 88:2) للأربلّي: إنّ النبيّ كان يحبّها ويُكنّيها بـ « أمّ أبيها ». 11 ـ معاني الأخبار: ص65 باب معاني أسماء محمّد وعلي وفاطمة (عليهم السلام) ح15. علي بن عبد الله السمهودي: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ج1/331. 12 ـ علل الشرائع: ج1 ص180 ب143 ح2. كتاب أمهات المعصومين. للعلامة السيد محمد الشيرازي. مركز الجواد للتحقيق والنشربيروت ـ لبنان. الفصل الرابع والخامس الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام) والدة الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام). باب لماذا سميت بالزهراء. 14 ـ الدر المنثور ص360. السيرة النبويّة 3: 364 - 365، بهامش السيرة الحلبية طبعة مصر.
أقرأ ايضاً
- فلسفة الموت عند الإمام الحسين (عليه السلام)
- حكومتنا وذكرى الامام علي عليه السلام
- نهج الإصلاح في حياة الامام الكاظم ( عليه السلام)