حجم النص
بقلم :مصطفى هيل الانباري
سُنَّت مَن قبلنا ومَن بعدنا ان الحاكم انعكاس لارادة واختيار الشعب هكذا يوجزها لنا الامام علي عليه السلام. ولكن بين كل ما يطرأ على الساحة من مواقف اختبار وامتحان للمجتمع في مدى عنايته وتفكّره في شؤنه وتحمله المسؤولية تجاه نفسه والاخرين، نجد ان النتيجية مخيبة للامال فحكامنا كما نحن ،شئنا ام ابينا ، والسبب يتضح لنا ونستطيع قراءته بمفردة حطمت كل الافكار البناءة لفكرة مجتمع مؤسساتي ومفادها (المصلحة الخاصة)!! كيف؟ ولماذا؟! سنجيب في حدود تجربة مدينتنا.
اذا ما سألت أي شخص واستطلعت رأيه من ستنتخب في الانتخابات القادمة لمجالس المحافظات فانك نادرا ما تجد شخصا يقول سانتخب الاكفأ والأنّزه والأصلح رغم عدم معرفته الشخصية لي، بل تجد الغالبية تقول اننا سننتخب من هو اقرب الينا (ونستطيع ان نطرق بابه متى احتجنا له، ولايغلق بابه بوجهنا كما فعل من قبله رغم وعودهم بفتح الابواب وابقائها مشرعة لهم...) ولو سالت لماذا ؟ لكان الجواب (بان لا احد يخدمك اذا لم تعرفه حق معرفة وسابق معرفة وان المجهول الذي تعطيه صوتك لن يعرفك وسينشغل عنك باموره ومشاغله ومشاكله واهله والاقربين الامر الذي يحتم ان تجد من تربطك به رابطة لعله لم يخذلك وان كانت التجربة السابقة مرة على هذا المستوى فمعضم من تنتخبه على هذا الاساس يتقاعس عن عهوده ومواثيقه ما أن يعتلي الكرسي ويشتد ساعده وتتزاحم مصالحه،ورغم ذلك يبقى هذا اضعف الايمان لعل وعسى ان يدرك مآربنا).
هذه اجابات قد تجدها على لسان الكثيرين ورغم بساطتها الا ان تحليلها يكشف عن صورة قاتمة وازمة عميقة تجذرت في المجتمع وتحولت الى ظاهرة يصعب معها التصحيح للمسار ومن ثم فان ما يحصل يمثل انحرافة كبيرة في طريق مسار البناء المؤسساتي للمحافظة ومن ثم للبلد ،من قبل المواطن المصلحي ومن قبل المسؤول المصلحي. ولكن كيف يمكن لنا ان نفهم جذور هذه الازمة؟
علينا قبل كل شيء ان نفرق بين المواطن صاحب الرؤية البعيدة وبين المواطن صاحب الرؤية الضيقة وسنركز الحديث عن الثاني لانه يشكل نسبة كبيرة .ان وصول مستوى تفكير المواطن الى المرحلة التي يبحث فيها عمن يخدم مصلحته الخاصة نتج عن فكرة تجذرت في العقل الجمعي لهذه الغالبية مفادها ان الذين تسلموا المهام فيما مضى لاتعنيهم سوى مصلحتهم قبل كل شيء ولايهتمون سوى بخلق المشاكل ويفتقرون الى تحقيق العدالة في التعامل على المستوى العام بل انهم منجرين الى تلبية متطلبات ما يبقيهم في مناصبهم لدورة جديدة وبذلك يلجأون الى تقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة ،فانك تتلمس ان مناطقهم وثقلهم الانتخابي فوق كل اعتبارات اخرى وان المصلحة العامة هي متأخرة دوما عندهم، وهذا التاخير ترك انطباعا سيئا لدى الغالبية التي كانت تؤمن بداية الامر بالمصلحة العامة وما ان خرج الامر من قبل المسؤولين عن هذا الخط حتى تزايد لديهم الاحباط . والمشكلة الاخرى ان هذا الامر تكرس في الانتخابات الثانية وافرز مأساة اكبر من سابقتها لان التي سبقتها شكلت نقطة انحراف في طريقة التفكير التي مازالت في حينها هشة وتبحث عن المسار المهيء مسبقا لان الغالبية معروف عنها انها لاتتعب نفسها في التفكير بل دائما ما تبحث عن الخيار الجاهز والافكار الجاهزة والبسيطة انها جزء من العقلية الاستهلاكية التي تنتشر هذه الايام. وبدأت الامور تاخذ منحى اخر حينما اخذت بعض الجماعات تكرس الابتعاد عن المسار السليم وتؤطر لمرحلة من الفروسية الخاوية والبطولات المزيفة لتكون نقطة جذب للاخرين ،وفاتهم ان من تبعهم هم المصلحيون فقط رغم كثرتهم الا انهم متحولوا الاتجاه وهمهم مصلحتهم وقد يمتطون الفارس نفسه لتحقيقها والوصول اليها.
الغالبية المتفرجة على سير الاحداث بدأ يتركز عندها تفاقم مبدأ المنفعة والمصلحة وعدم جدوائية شعارات المصلحة العامة وكربلاء والمشاريع والمواطن والمواطنة والاجتماعات المتكررة والمداولات الخاصة لا بل ان المشاكل التي حصلت عززت فكرة ان لامصلحة عامة يجتمع عليها المتخاصمون سوى مصالحهم فهم يجتمعون لاجلها ويختصمون لتعرضها للضرر رغم تنوعها بين صلاحيات ومحاصصة للدوائر وصولا لعامل الخدمة .
كل هذا ونحن نريد من المواطن ان ينتخب على اساس المصلحة العامة التي لم يبق لها مكان بين الافكار التي تشبع بها فكره ،اضافة الى ذلك التاخير الذي تشهده كربلاء في تنفيذ المشاريع وعدم جدوى مشاريع اخرى كلفت مليارات -بحسب مسؤولين- وعدم الاهتمام بشوارع الاحياء حتى ان العمر الزمني للمشاريع لم يصل الى متوسط المدة التي استُغرقت في تنفيذها والوقت يمر والمحافظات الاخرى تبنى وتتطور ونحن نشهد تراجعا في الجوهر .
المشكلة الكبرى.. ان تكرر الامر مرة اخرى لاربع سنوات عجاف قادمة ،وان انتخب المواطن بناء على المصلحة الخاصة، سيكون ما نبنيه هو مصالحنا على حساب مدينة كربلاء وهذا على المستوى القريب اما البعيد فننا سنبني ترسانة من الافكار المتجذرة التي لامحيص عن التخلي عنها.
عندما لانفكر الا بمصلحتنا فان ما سنأتي به هو مسؤولين مصلحيين. عندما لانفكر الا بما امام دارنا فقط وشارع حينا ومنطقتنا، سوف لن نأتي بمسؤول يقوى على ان يخطط لابعد من تلك المساحات .
باختصار كيفما نفكر يولى علينا
على أي اساس نختار سيكون اساسا للمسؤول يتحرك وفقه
"كيفما تكونوا يولى عليكم"
صدق امير المؤمنين عليه السلام
أقرأ ايضاً
- ابو فراس الحمداني للخاسرين بالانتخابات: عليكم مواكبة تطور المجتمع الجنوبي
- يامن بيدكم السلطة عليكم ان تنتبهوا
- إنبذوا الخطاب الطائفي ولا تكونوا سببا لعودة الإرهاب مجدداً