- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الديمقراطية العراقية المعاصرة
حكم الاغلبية .. حكم الشعب لنفسه . . هكذا تعرف الديمقراطية واسمحوا لي ان اشارككم بتعريف خاص فحواه ان \" الديمقراطية \" هي وسيلة اضفاء صفة الشرعية على بعض الخيارات المطروحة من خلال اتفاق اكبر عدد من المستفتين عليها ..
لذلك فان الديمقراطية من الممارسات الحساسة جدا كونها تُحملُ المستفتي مسؤولية اختيار الافضل و ليس اسقاطه \" اي المستفتي \" فرضا بأن ينتخب .. لهذا السبب ترك حق المشاركة اختياريا للافراد .. بمعنى انه لا يوجد في اي نظام ديمقراطي في العالم دافعا معنويا او ماديا يجبر الفرد الغير راغب بالمشاركة بأن يشارك ..
و لهذا الكلام مدلولات خطيرة فلو رجعنا الى تعريف الافتتاح \" حكم الاغلبية \" و طرحنا سؤالا مشروعا الا و هو .. اي اغلبية التي تحكم ؟ .. هل هي اغلبية الشعب ؟ .. ام اغلبية المشاركين فعلا في التصويت ؟ .. احياننا بعض الافراد الذين يقعون فعلا ضمن الفئة السياسية المقصود بها مجموعة الافراد الذين يحق لهم التصويت و الاستفتاء ضمن المنظومة الاجتماعية تراهم احيانا يمتنعون عن التصويت و هذا الامتناع لايعني بالمطلق رفضا للممارسة الديمقراطية ..!؟ بل ربما يكون الامتناع نابع من وعي كامل بالمسؤولية تجاه المجتمع و الوطن ..؟!
عندما تكون الخيارات المطروحة للناخبين غير واضحة او غير معروفة اصلا لذلك فأن التصويت في بيئة مشوشة من الممكن ان يتيح الفرصة للخيارات السيئة للوصول الى السلطة و هذه كارثة و مشكلة عويصة بطبيعة الحال ..لكن اذا انسحب الافراد الذين ليس لهم رؤية واضحة تجاه الخيارات المطروحة .. و افسحوا المجال لمجموعة الناخبين العارفين بحقيقة تلك الخيارات فمن المؤكد بأن الخيارات الافضل سوف تكون لها حظوظ اكبر في الوصول الى السلطة ..
و مما تقدم يمكننا القول بأن النظام الديمقراطي كنظام حكم لا يمكن ان يأتي أكُلهُ ما لم يطبق في بيئة اجتماعية و سياسية ملائمة من حيث الوعي و الادراك و الايمان بأهمية الممارسة الديمقراطية و افرازاتها .. بحيث يكون كل فرد في تلك المنظومة على قدر المسؤولية حينها فقط سيعرف متى يشارك و متى يمتنع و متى يزاحم الاخرين برئيه و متى يترك الخيارات للاخرين .... هذا النوع من السلوك الفردي و الجمعي من الممكن ان يتبلور في اي مجتمع تتولد فيه الثقة المتبادلة بين افراده فتكون القناعة الطاغية هي ان الجميع يسعون الى تحقيق مصلحة الكل .. هكذا تزدهر المجتمعات بالثقة المتبادلة لا بالنزاعات الطائفية و استنزاف قدراتها ..
على عكس ما تقدم تماما تجد الدول التي تمارس الاليات الديمقراطية لكنها لا تطبقها في واقع الحال .. مثل هذه الدول و الانظمة غالبا ما تحاول ان تقحم صورتها في برواز الدول المتحضرة عن طريق قيامها بحشد اكبر عدد من الناخبين بشتى السبل المشروعة و غير المشروعة لأضفاء الشرعية لأستمرارها على رأس السلطة .. ان الانظمة التي تمارس هذا النوع من السلوك تجدها تعاني من ازمة الشرعية في داخلها فهي تحاول ان تقنع نفسها بأنها شرعية قبل ان تقنع الخرين ..!! كما ان هذه الانظمة غالبا ما تجدها تعيب على الدول الديمقراطية انخفاض معدلات المشاركة في بعض انتخاباتها في حين ان ارتفاع و انخفاض مشاركت الناخبين على الخط البياني دليل حيوية المنظومة الاجتماعية و وعيها السياسي ..
العراق مثلا اُستُعربت فيه الديمقراطية الغربية منذُ عام 2003م و التي قامت على انقاض انهيارنظام دكتاتوري فاشستي .. ما حصل هو ان شعب لم يعرف غير الكبت و التنكيل و الترهيب و الاذلال منذُ عام 1968م حتى وصلت ذروة هذه الممارسات خلال الفترة الممتدة بين 1979-2003م تعرض خلالها الشعب العراقي الى عملية اعادت صياغة مكثفة و واسعة النطاق سواء بالعسكرة التي اكتسحت حتى المدارس و المنازل او بالفاقة الاقتصادية خلال الحصار الذي اعقب اجتياح دولة الكويت .. ثم بمهازل الاستفتاءات حول اختيار شخص القائد الظرورة و التي تصل نسب موافقت المستفتين على شخصه الكريم 99.9% بل ان الكارثة ان الالاف من بطاقات الالاستفتاء كانت موقعة بالدم ..!!
بعد الانقلاب الامريكي على سلطة البعث عام 2003م من خلال احتلالها البلاد بالقوة العسكرية الغاشمة منتهكة كل الأعراف و المواثيق الدولية بحق الشعوب في تقرير مصيرها .. مرحلة سوداء احيل العراق بمجمله الى مكب للنفايات الانسانية و ساحة للصراع و تصفية الحسابات الدولية و اخذ الثأر و لم يكن للشعب المستكين اي علاقة في ذلك .. فقد غذيت الطائفية حد الذبح على الهوية وانتهكت المقدسات حتى لم يعد شئ في العراق فوق الصراع فكل شئ مستهدف .. و بعد ان افرغت كل دوائر الدولة بكل مستوياتها حتى المدارس من مدرائها و موظفيها بدعوى انتمائهم للبعث و كذلك حلت وزارة الدفاع ..!؟ فكانت السنة الاولى من الاحتلال سوداء بفوضى عارمة لا وجود لاي شكل من اشكال السلطة او النظام .. فتمرد الشعب على ذاته و اتيحت الفرصة للبعض ان يحرقو الالاف الوثائق و ان يزوروا الاف اخرى و التي حولت بعض عتات المجرمين الى مجاهدين و ثوار و قد اعتلى فيما بعد بعض من هؤلاء مستويات متقدمة في الدولة ..!
و بعد ان جذرت الولايات المتحدة الطائفية في العراق من خلال تأسيسها لمجلس الحكم و من ثم الجمعية الوطنية و التي اعقبها انبثاق الدستور الذي حول كل تلك التراهات التي جاء بها الاحتلال الى ثوابت وطنية بعد ان فصل على مقاسات القادمين مع الاحتلال ..
المشكلة في المجتمع العراقي انه يخضع الى محركات مختلفة لا يستطيع الخروج عن طاعتها و لذلك تجد ان السلوك الجمعي للمجتمع مرهون بمتغيرات عديدة و متناقظة .. فبعض الشرائح تخضع الى وهم الخوف من وصول شرائح معينة للسلطة فتتحرك ككتلة مجتمعية واحدة بتجاه الضد من مصلحة الاخرى متجهة بعيدا عن المصلحة العامة و الخيارات الوطنية ..! لذلك تكون الخيارات طائفية في الأغلب الأعم .. في حين ان الملايين في الضفة الاخرى تخضع الى توجهات مؤسسات راديكالية سياسية او دينية .. و هكذا ترى شرائح اخرى متحركة بذات المعايير التي تحرك الكتل الاخرى على ان تكون حركتها مناقضة لمصالح الجميع مما يولد فقدان الثقة المطلق بين افراد الشعب الواحد و هذا ما يخالف تماما ما اوردناه في حديثنا المقتضب عن الشعوب الواعية ديمقراطيا ووطنيا .. فيكون نتاجات خيارات المجتمع العراقي في ديمقراطيته المعاصرة ضياع للوقت و استنزاف للقدرات و فقدان للثوابت الوطنية في حين تخلق هذه السلبيات بيئة مناسبة للانتهازيين لأستثمار الدم العراقي اقتصاديا بأبشع صورة ممكن ان يكون عليه تجار الحروب ..
و على اساس ما تقدم يمكن القول بأن الديمقراطية او ما تسمى حاليا في العراق بنظام الديمقراطي هو نظام غير ملائم للعراق بشكله الحالي كون الشعب غير مؤهل لخوض انتخابات بشكل حقيقي و انما ما يقوم به اغلبية الناخبون هو اصطفاف طائفي خلف صناديق الاقتراع و هذه الظاهرة سوف لن يستطيع العراقيون الخروج منها بعد ان اصبحت التوافقية في تشكيل الحكومة عرفا سياسيا خصوصا و ان معايير اختيار الحكومة العراقية وعلى مدى دورتين 2005-2010م تمت و تتم بنفس الطريقة .. فالتوافقية ليست شكلا من اشكال الديمقراطية بقدر كونها و سيلة من وسائل اجهاض المشروع الديمقراطي في العراق ..
فالديمقرطية لاتعني ابدا اصطفافا او تجذيرا طائفيا . وانما تعني بجوهرها احترام الثوابت الوطنية و المصلحة العامة ونكران الذات لصالح الجماعة .. اذاً فهي نظام تنصهر فيه الشرائح والطوائف و المصالح و الاديان و التوجهات في بودقة التعايش السلمي المبني على اساس الوحدة الوطنية ارضا وسماءا وشعبا .. ان هذا التصور هو روح الديمقراطية و جوهرها .. فهل يستطيع العراقيون التوجه نحو صناديقهم مجردين من خلفياتهم الطائفية و محركاتها العنصرية ..؟ متسلحين بأيمان ديدنه المصلحة العليا للوطن .. اي اننا نذهب لنختار من اجل التواصل مع كل ابناء الشعب واضعين نصب اعيننا مصلحة الكل تكمن في مصلحة الفرد و العكس صحيح .. لا ان تكون خياراتنا سهاما موجهة لأبناء جلدتنا فنقتل بعضنا بعض بخياراتنا المشؤمة .. حينها فقط سوف لن تجد الشياطين للعيش بيننا من سبيل ..
امنياتٌ اعشقها لا مانعا للامنيات .. ان ندعوا الشعب العراقي ان يخرج من قوقعة البغظ الطائفي الى فضاء الشعب و الوطن الواحد .. لكي نبني وطن تهدم و نجمع شمل شعب تشتت ..
أقرأ ايضاً
- اهمية ربط خطوط سكك الحديد العراقية مع دول المنطقة
- العراقيون يفقدون الثقة في الديمقراطية
- أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب