- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الجنائيَّة الدوليَّة وتحديات مواجهة جرائم الكيان الصهيوني
بقلم: د. مجاشع التميمي
في سياق العدوان الصهيوني على غزة ولبنان، يُعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق، من التطورات القانونية البارزة التي قد تؤثر بشكل كبير في سير الأحداث، رغم أن هذا القرار يثير العديد من التساؤلات حول مدى التزام الدول بتنفيذ المذكرات، لا سيما في ظل المواقف الدبلوماسية المعقدة التي تشهدها الساحة الدولية.
فبموجب ميثاق روما، الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية، يلتزم 125 دولة من أعضاء المحكمة بتنفيذ أوامر الاعتقال ضد الأفراد المطلوبين إذا تواجدوا على أراضيها، الأمر الذي يعني أن الدول الأعضاء ملزمة قانونا بالتعاون مع المحكمة في تنفيذ مذكرات الاعتقال، إذا دخل المتهمان إلى أي من هذه الدول.
ورغم أن الكيان الإسرائيلي ليس من الدول الموقعة على الميثاق، الا أن هذا القرار يبقى ساريا على الدول التي تعتبر جزءا من المحكمة الجنائية الدولية، لكن ثمة ما يزيد الموقف تعقيدا، اذا ما علمنا أن العديد من الدول الأعضاء في المحكمة هم حلفاء للكيان الصهيوني، ما قد يؤدي إلى تباين في كيفية تطبيق هذه القرارات.
كما أن من بين التحديات التي قد تواجه المحكمة، قدرتها على تنفيذ مذكرات الاعتقال، فالمحكمة لا تمتلك قوة عسكرية أو شرطة خاصة بها لتنفيذ الأوامر، وهي تعتمد بشكل كامل على تعاون الدول الأعضاء لتنفيذ قراراتها.. في الماضي، شهدت المحكمة العديد من الحالات التي لم يتم فيها تنفيذ أوامر القبض بسبب عدم تعاون بعض الدول، مما يفتح المجال أمام التساؤلات حول قدرة المحكمة على إحداث تأثير حقيقي في قضايا مثل هذه.
من بين الحالات السابقة، تم إصدار 56 أمر اعتقال ضد قادة متهمين بارتكاب جرائم حرب، وتم تنفيذ 21 أمرا منها، بينما ما زال 27 شخصا آخرين فارين. هذه الإحصائيات تبرز التحديات التي قد تواجه المحكمة، وتؤكد أن العديد من القادة المطلوبين استطاعوا الهروب من العدالة بفضل عدم التعاون من بعض الدول.
إن إصدار مذكرات الاعتقال يأتي في وقت حساس للغاية، حيث يشهد العالم صراعات عنيفة، أبرزها ما يدور في غزة ولبنان، إضافة الى التوترات السياسية والدبلوماسية التي تسود مساحات شاسعة من الأرض. في هذا السياق، قد تجد بعض الدول الأعضاء في المحكمة نفسها أمام ضغوط دبلوماسية كبيرة من أجل عدم تنفيذ مذكرات الاعتقال، خاصة من قبل حلفاء الكيان في الغرب، وقد يسعى البعض إلى الضغط على الدول لتجنب التعاون مع المحكمة، وهو ما قد يؤدي إلى خلافات حادة بين الدول الأعضاء.
الكيان الصهيوني ربما يتخذ هو الآخر مواقف دبلوماسية قوية ضد المحكمة الجنائية الدولية، مشككة في صلاحياتها وقرارها، خصوصا في ظل غيابها عن ميثاق روما. ورغم أن هذا الكيان لا يخضع رسميا للسلطة القضائية للمحكمة، إلا أن عدم توقيعها على الميثاق لا يعني بالضرورة أن قرارات المحكمة لا تُلزم الدول الأعضاء، فالتزامات تلك الدول في تنفيذ مذكرات الاعتقال تظل قائمة وفقا للقانون الدولي، ما يعزز موقف المحكمة في مواجهة محاولات عرقلة تنفيذ قراراتها.
في جميع الأحوال، فان هذه الخطوة قد تكون لها آثار بعيدة المدى على قادة آخرين في مناطق صراعات أخرى، مما يبعث برسالة قوية مفادها بأن الجرائم المرتكبة في سياق الحروب والنزاعات لا يمكن أن تظل دون محاسبة، بغض النظر عن القوة السياسية أو الدبلوماسية، كما ان المرحلة المقبلة ستكون اختبارا حقيقيا للمجتمع الدولي في مدى التزامه بمبادئ القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان، خاصة في ضوء التوترات المستمرة في غزة ولبنان.
أقرأ ايضاً
- الأخطاء الطبية.. جرائم صامتة تفتك بالفقراء
- مواجهة الخطر قبل وصوله
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟