(الفزعة ) مفردة شعبية دارجة يتعاطاها بكثرة العراقيون الذين يعيشون في المناطق المزدحمة بالسكان أو ما يسمى بالمناطق (الشعبية) وربما يستسيغ بعض مناطق العراق مفردة (الهبّة) بديلا عن المفردة الأولى لكن الأمر في الحالتين يبقى في سياقه
المفهومي الذي يشتمل على الإسراع في عرض مقدار الخدمة التي يقدمها الأفراد في حالات معينة كيما تسجل عند البعض مأثرة يمكن له أن يجترها في حالات الضيق ليزايد بها على غيره . تتصاعد وتيرتها ومقدار البذل فيها على أهمية المفزوع إليه ونوع الحادث الذي يستوجبها فان كان الأمر جللا أو بالغ الخطورة فان السباقين يحسب لهم أنهم قد أفادوا بالوصول مبكرا قبل إن تنجلي الغبرة كما يعبر ومن ثم يتبعهم من هم اقل اندفاعا ويأتي الدور بعد ذلك على من ينتظر عن ماذا تسفر الأمور ليقدم خدمته وهؤلاء في الغالب الذين ترتفع أصواتهم فيما بعد وتغطي على الآخرين ممن لهم المبادرة وأصحاب الفعل الحقيقي. لا تخضع لتنظيم ولا لاملاءات معينة فربما تجد الابن والأب والأخ الكبير والأخ الصغير والمرأة وابنتها كل قد عبر عن فعله في سياق تلك الممارسة على انفراد مع أنهم يقطنون بيتاً واحداً والمفروض أنهم قد وحدوا فعلهم بإزاء ذلك الحدث ليظهروا أمام أعين الراصدين على أنهم متفقون، لذلك يقال أن الفزعة تتجاوز المألوف من السياقات والممارسات الحياتية للافراد ومن هنا يمكن تأويل ما يجري فيها عبر أمرين إنها فعل عاطفي يحصل في زمن تكون فيه عاطفة الفازع على اشد مراحل اتقادها لذلك لا يمكن أن تتكرر بذات الهمة في الأوقات الأخرى. إنها فعل مقصود يرمي إلى اظهار مدى فاعلية الشخص وأهميته في الأوقات الحرجة التي تتطلب الاستجابة السريعة. وفي كلتا الحالتين تبقى هذه الممارسة من مختصات النسق الاجتماعي للمناطق التي ذكرناها ولا تصلح أن تكون ممارسة (دوليه أو حكومية) أو بمعنى آخر لا يمكن لرجل الدولة أو لرجل الحكومة أن تكون أفعاله ومقدار استجابته للحوادث الطارئة أياً كانت هذه الحوادث (مفرحة ،محزنة) مرهونة بروحية الفزعة تخمد هنا وتتقد هناك وتهب في مكان ولا نرى منها أثرا في مكان آخر وهذا التوصيف المؤلم هو عين ما نراه في السلوك العملي لمن هم في مقدمة الحكم إذ بات المواطن في حيرة من أمره إزاء اختصاص كل جهة من تلك الجهات والتبس الأمر عليه إلى الحد الذي بدأ ينعت ذلك اليوم الذي صوت فيه لصالح الدستور باليوم الأسود فلا يدري بيد من تدار الأمور ومن يجير الأفعال لصالحه دون سواه، فالتكريم للشخصيات المعدودة التي تحقق انجازا (فزعة) لا سيما اذا كان هذا الانجاز له بعد جماهيري يمكن أن يزيد من رصيد الفازع ولم لا إن كانت (بدعة المنافع الاجتماعية) هي الطريق المؤدي لتلك الممارسة وذلك ما تجلى مع الفريق العراقي الحاصل على الكأس القاري مثلا. وان حدث مكروه للمواطن في الداخل أو الخارج لا يحتاج إلى منطق الفزعة بل يحتاج إلى فعل يستل من روح الدستور ويؤطر بأداء قانوني ليس فيه منة الفزعة إنما فيه التزام وطني تفرضه روح المواطنة ورعاية الدولة لأبنائها من دون اللجوء إلى شخصنه الفعل وتجييرة ،وإذا حصل بعض الضعف في الأداء لمفصل من مفاصل الحكومة فهذا لا يجيز القفز على ثوابتها الدستورية واللهاث الكلي وراء الفعل المحكوم بنزق اللحظة. وربما اقترب من السؤال الأكثر وضوحا لأطرحه على من هم في اعلى الهرم. من ينظم عمل من؟ من يشرع؟ ومن ينفذ؟ هل هناك جهة تنفيذية واحدة أم جهات تنفيذية؟ أم إن الفزعة هي الحل الأمثل لقيادة البلد؟ وان كانت الإجابة التنظيرية حاضرة على ألسن الكل وواضحة في دائرة المتن الدستوري فما جدوى إن أجير الأشياء؟ بل ما جدوى الفزعة الحكومية؟ هل يظن البعض أن هذه طريقة ناجعة يمكن أن تزيد من رصيد هذا السياسي أو ذاك؟ أما يمكن لهذه الأفعال إن تحرق أوراق الكل باعتبارهم غير مستأمنين ولا مكترثين بما عاهدوا أنفسهم والآخرين على الوصول بالمواطن إلى مايريد من خير ورفاه وامن واحترام كامل بلا استغفال؟ لا ادعي الحكمة ولا الكهانة غير اني ادعي وبكل فخر (المواطنة) التي ترى وتحكم وتتربص وتقيم ما تؤول إليه الأمور كما هو الحال مع غيري من أبناء هذا الوطن الذين يرون أن المستقبل السياسي لمن يمارس عملية الفزعة لا يجدي نفعا وسيطيح به وسيذهب إن آجلا أو عاجلا خاسرا رصيده الذي كان في يوم ما رصيدا يتمنى أي سياسي إن يطال نصفه ولن تنطلي عليه ادعاءات البعض في سلوكه الاحترافي. أتمنى إن لا ارسم صورة قاتمة لجيل من الساسة كانوا إلى وقت قريب محط أنظار العراقيين جميعا من دون إن يقوموا بدور الفازع الشهم إذ كان يكفي المواطن العراقي صدق النوايا والعمل الحقيقي الذي يأتي في سياقاته المنطقية والمبررة ولا يكترث احد لحجم الدور الذي كان يلعبه السياسي الفلاني أو لمن ينتمي أو يفتش عن مخرج ليقدمه عن سلوك أي منهم ،سوى أنهم محمولون على محمل الجدية والوطنية المحضة بلا لهاث وراء خبر صحفي قد يتصـــدر الصحف الخاصة أو محطـات التلفاز الفضائية الخاصة جدا. كان يكفي الساسة ممن هم في مقدمة الحكم اقل ما يمكن من الاعمال المثمرة التي يتلمس المواطن جديتها ولا يحتاجون فيها إلى إيفاد المستشار الفلاني ليحضر جنازة (الشاعر، الفنان، المثقف) تعبيرا عن اهتمامهم مع أنهم يعلمون أن هذا شأن من هو في الواجهة التنفيذية وإذا ما قام به فهو قطعا سيكون ذا مردود ايجابي للمشهد العام للحكم ولا يحسب وفق الأجندة الخاصة وكان يكفيهم أيضا أن يرتضوا بفضيلة العمل المثمر ما دام ذاك العمل يجلب الخير للعراق ولا يتسلقوا على أكتاف صانعيه بغية استثماره شخصيا وان تطلب حضورهم لمؤتمرات (الصحوة) التي طالما شككوا بجدواها ووصموها بالمليشيات الجديدة التي ينبغي التخلص منها وراهنوا بكل قواهم وقوتهم لإفشالها. ألم اقل إن هذا منطق الفزعة؟ والسبب في ذلك إن المفزوع إليه بدأ يفرض وجوده على الأرض وتتبين أهميته يوما بعد آخر. وان الذي يتحين الفرص للتجيير لا يتوانى من تغيير وجهته أما يشبه هذا العمل التوصيف الأول الذي سردناه في المقدمة من فزعة البيت الواحد من دون انتظام ولا (رأس كايمه) كما يقول المثل البغدادي؟ وكان يكفيهم احترام الإنسان بما هو إنسان من دون المتاجرة بحقوقه وإظهاره كالمتسول الذي يطلب الصدقة من الآخرين ونشر الغسيل أمام أعين الفضائيات التي لم تخرج صورة العراقي إلا نهابا أو شاهرا سلاحه من اجل قتل أخيه العراقي ليس ما تقدم هو العمل (الدولتي) ولا يمكن أن يزيد من رصيد السياسي ومدى قبوله بين المواطنين، إن كل ما يقدم الآن يندرج تحت العنوان الشخصي وليس العنوان الحكومي، ويقترب من منطق الفزعة أكثر من منطق الدولة. إذ صار الأمر هو الأصل في تعامل السياسي حتى يثبت العكس، لكني احسب أن على السياسي إذا أراد إن يزيد من رصيد قبول عمله في شتى المجالات هو أن يكون رجل دولة لا رجل فزعة.