عاد إلى الواجهة مجددا مشروع خط نفط البصرة - العقبة، ليعيد الجدل حول جدواه الاقتصادية ودوافعه السياسية، وفيما رأى خبير في الطاقة أن الجدوى الاقتصادية للمشروع ضعيفة مقارنة بكلفته الباهظة في مقابل إهمال خطوط تصديرية أفضل، أكد باحث استراتيجي أن المشروع مهم خصوصا بعد التوقعات بنضوب النفط من الحقول الشمالية، في وقت يعتقد مراقب سياسي أن الاتجاه لهذا المشروع لا يخلو من “الاصطفافات الإقليمية”.
ويقول خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، إن “مشروع أنبوب البصرة – العقبة تعترضه ملاحظات كثيرة حول الجدوى الاقتصادية، فكل المعطيات تشير إلى انه لا جدوى اقتصادية ولا فائدة ملموسة للعراق من هذا المشروع الذي سيكلف قرابة الـ28 مليون دولار، لكلفة الأنبوب والمحطات في طريقه”.
ويضيف شيرواني، أن “هذه الكلف كلها ستنتقل بعد سنوات إلى الأردن، كما أن النفط الذي ينقل عبر هذا الأنبوب سيباع جزء منه أقل بمقدار 17 دولارا من سعره الرسمي إلى عمان، كما أن الأخيرة ستستوفي أجورا جراء مرور الأنبوب وكذلك مصر، وإذا ما فاض عن حاجة البلدين وصدر عبر قناة السويس سيتم استيفاء أجور أخرى أيضا”.
ويرى أن “تنويع المنافذ التصديرية للعراق أمر جيد، لكن هذا المشروع سيواجه انتقادات واعتراضات كثيرة لأن الجدوى الاقتصادية ضعيفة، وهو يظهر كنوع من الدعم الاقتصادي والسياسي للأردن ومصر تحديدا”.
ويعتقد خبير الطاقة أن “التركيز على المنفذ الشمالي المعطل والمتمثل بخط كركوك جيهان المكتمل من ناحية البنى التحتية، أجدى من خط العقبة”، لافتا إلى أن “خط جيهان كان ينقل 400 ألف برميل يوميا وبالإمكان زيادة التصدير، ولا توجد مصاريف إضافية إذ يحتاج فقط إلى معالجة بعض الإشكالات القانونية والمالية مع الشركات النفطية العاملة في إقليم كردستان وعمل بعض الإصلاحات في منظومات الربط، وهذا الخط هو الأمثل لإيصال النفط العراقي إلى الأسواق الأوربية وحتى الأمريكية وبكلف أقل بكثير من خط العقبة”.
وتحدث برلمانيون مؤخرا عن تخصيص مبالغ مالية في موازنة عام 2024 لتنفيذ مشروع أنبوب البصرة - العقبة لتصدير النفط العراقي الأمر الذي أثار جدلا كبيرا في البلاد عن جدواه الاقتصادية وأهدافه، خصوصا مع حديث البعض عن تكلفته لمليارات الدولارات ودخول أطراف سياسية على الخط ووصفه بأنبوب التطبيع مع إسرائيل.
غير أن الحكومة قالت إن المشروع يصل إلى مدينة حديثة فقط وأن هذا المشروع يمثل العمود الفقري لكامل منظومة التصدير الشمالية ويمنح العراق منافذ تصدير جديدة، بالإضافة إلى توفير آلاف فرص العمل، فضلا عن كونه مشروعا مكملا لمشروع طريق التنمية.
لكن من جهته، يشير رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، إلى أن “مشروع مد أنبوب للنفط من البصرة باتجاه إلى الأردن نحو العقبة واحد من المشاريع الاستراتيجية المهمة خصوصا بعد تفكك الأنبوب الذي كان ينقل النفط قبل حرب الكويت 1991 عبر السعودية والبحر الأحمر وأيضا كان هناك خط بين حقول كركوك نحو بانياس وغيرها من الموانئ وسوريا وهذا معطل منذ الحرب العراقية والإيرانية”.
ويضيف فيصل، أن “هناك نقطة مهمة أشار إليها الخبراء وهو أنه في السنوات القريبة ستتعرض حقول كركوك للنضوب وفق تقديرهم، بمعنى أن العراق سيحتاج إلى موانئ جديدة ورفع معدل الصادرات من حقول الجنوب الواعدة والغنية”.
ويتابع أن “مد هذا الأنبوب سيوفر فرصة استراتيجية جديدة للتصدير نحو العقبة باتجاه القاهرة، وعبر الموانئ المصرية ممكن أن ينقل إلى السوق الأوربية المهمة جدا”.
ويشير رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن “هناك تقديرات لقيمة وكلفة هذا الأنبوب حسب طبيعة العروض، تواجه اعتراضات عديدة، لكن هذا الأنبوب سيوفر فرصة لإنشاء سكك حديد بجانبه كما جرى الاتفاق بين بغداد وعمّان وممكن أن ترتبط مع السكك السريعة ضمن إطار مشروع التنمية الذي يمتد من الفاو حتى تركيا والدول الأوربية”.
كما يتحدث فيصل، عن أن “هناك مدنا صناعية ترافق هذه العملية ممكن أن توفر فرصا لتشغيل الأيدي العاملة والاستثمار عبر حركة هذا الأنبوب”، معتقدا أن “مسألة الجدوى الاقتصادية متوفرة جدا وبإمكان العراق أن يذهب إلى الخيار الأقل كلفة والأكثر جودة في بناء هذا المشروع وبما فيه مصلة للعراق لتصدير نفطه إلى الأسواق العالمية”.
يذكر أن وزارة النفط، سلطت الضوء على تاريخ مفاوضات مشروع إنشاء أنبوب “البصرة – العقبة” النفطي، قبل نحو عامين، مستعرضة كافة المراحل التي مر بها المشروع، منذ عام 1980 ولغاية الآن، وأكدت أن آخر المحطات، هي أن المشروع ما زال قيد النقاش الفني والتجاري، رغم وصول المفاوضات الى مراحل متطورة، بهدف أن يضيف المشروع قيمة اقتصادية للعراق والأردن، شريطة تخفيض كلف التنفيذ إلى ما دون الـ9 مليارات دولار.
وبحسب القمة الثلاثية بين العراق ومصر والأردن، التي احتضنت بغداد إحدى جولاتها في حزيران 2021، فإنه سيتم مد أنبوب نفط البصرة - العقبة في الأردن، وصولا الى الموانئ المصرية، حيث سيتم استخراج المشتقات النفطية فيها وإعادتها للعراق، لاسيما وأن وزير البترول المصري طارق الملا، زار بغداد، وذلك بعد أيام من توقف إمداد شركة أرامكو السعودية لمصر بنحو 700 ألف طن من المواد البترولية، في إطار اتفاقٍ طويل الأجل بين الرياض والقاهرة، التي تشهد العلاقات بينهما توترا منذ عامين على خلفية قضايا ثنائية وإقليمية.
إلى ذلك، يؤكد المحلل السياسي المقرب من الحكومة علي البيدر، أن “من الجيد أن ينوع العراق مراكز التصدير ولا يبقى على منفذ واحد وأن يذهب إلى خيارات بديلة ليستطيع أن يبقى في موقف آمن حسابيا وعمليا، لكن عندما يطرح هكذا مشروع عملاق سيكون خاضعا بالتأكيد لاصطفافات إقليمية ودولية كبرى”.
ويضيف البيدر أن “على العراق أن يفكر بعقلية أكثر نضجا وينظر لمصلحته قبل أي اعتبارات أخرى”، لافتا إلى أن “فكرة هذا المشروع ليست وليدة اللحظة، إنما فكرة قديمة، ربما تحتوي على جدوى اقتصادية ومن هذا المنطلق يمكن للعراق أن يحقق نوعا من الإيجابية مع محيطه العربي فالدول أسيرة مصلحتها، لذا يهمها أن يكون العراق مستقرا إذا كانت مصلحتها وراء ذلك”.
يذكر أن الاتفاق على إنشاء الأنبوب بين العراق والأردن تحول الى واقع في عام 2019، خلال ترؤس عادل عبدالمهدي للحكومة، وبلغت الطاقة التصميمية للمشروع مليون برميل يومياً، بهدف نقل النفط الخام العراقي عبر الأراضي الأردنية إلى مرافئ التصدير على ساحل البحر الأحمر في العقبة.
وفي ذلك العام أيضا، وقع العراق مذكرة تفاهم مع الأردن، مجددا بها تصدير النفط للأردن بسعر تفضيلي بعد توقف 5 سنوات جراء الحرب على داعش، وتقضي المذكرة بتصدير العراق 10 آلاف برميل نفط يوميا للأردن.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)
- بينهم عروس تستعد ليوم زفافها :قصف وحشي في بعلبك يخلف (19) شهيدا منهم (14) طفلا وأمرأة
- سعر النفط بموازنة 2025.. طبيعي أم يؤدي لأزمة؟