تتوالى الأزمات المائية على العراق يوما بعد يوم، فبعد حد كل من تركيا وإيران من تدفق المياه النابعة من أراضيهما نحو العراق جاء إقليم كردستان العراق بصفعة جديدة لبغداد بإعلان عزمه بناء 4 سدود جديدة.
ووقعت وزارة الزراعة ومصادر المياه في حكومة إقليم كردستان مذكرة تفاهم مع شركة "باور شاينا" (Power China) الصينية لبناء 4 سدود جديدة دون علم الحكومة الاتحادية في بغداد، حسب ما نشر في جريدة الصباح الرسمية العراقية.
وعانى العراق على مدى السنوات الماضية من أزمة متصاعدة في توفير المياه، مما أجبر وزارة الزراعة الاتحادية على خفض الحصص المائية، وسط تخوف من الجفاف.
ويسجل العراق تراجعا كبيرا في مناسيب نهري دجلة والفرات، خاصة في المحافظات الجنوبية، مما دفع منظمات حقوقية ونقابات إلى التحذير من آثار كبيرة على القطاع الزراعي واحتمال توقف بعض محطات مياه الشرب في تلك المحافظات.
وفي هذا الصدد، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية (الاتحادية) علي راضي إن "حكومة كردستان اتفقت مع شركة باور شاينا على إنشاء 4 سدود جديدة، ورغم أن 3 من هذه السدود موجودة ضمن الدراسة الإستراتيجية للوزارة الاتحادية في العام 2035 فإن إنشاء هذه السدود -وفقا للدراسة- كان لأغراض توليد الطاقة الكهربائية حصرا وليس لتخزين المياه".
واعتبر راضي -في حديثه للجزيرة نت- أن بناء هذه السدود وبالطريقة التي أعلن عنها ستكون له آثار سلبية كبيرة على المياه في العراق، خصوصا تغذية الأنهر، وتحديدا نهر دجلة.
وأضاف أن حكومة إقليم كردستان مطالبة بالتراجع عن بناء هذه السدود أو تشييدها وفق خطة وزارة الموارد الاتحادية كونها هي المسؤولة عن إدارة ملف المياه في البلاد.
ولفت راضي إلى أن العراق يعاني من أزمة مياه كبيرة نتيجة التغيرات المناخية، إذ يدخل ضمن أكبر 5 بلدان متضررة، مطالبا بأن تكون إدارة ملف المياه في العراق تحت إشراف الحكومة الاتحادية في بغداد.
وبشأن فتح حوار مع أربيل حول موضوع المياه، أوضح راضي أن الوزارة تواصلت مع حكومة الإقليم بهذا الشأن، لكن الأمر لم يسفر عن شيء.
وعلى الرغم من خطورة الملف وتأثيره الكبير على نهري دجلة والفرات والأنهر المتفرعة الأخرى فإن الحكومة الاتحادية والسلطة التشريعية لم تصدرا أي تعليق رسمي حول سعي كردستان لإنشاء السدود الأربعة.
بدورها، حذرت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في العراق هينيس بلاسخارت في 22 مارس/آذار الماضي من التحديات التي تواجه العراق جراء النقص الحاصل في المياه، داعية في الوقت ذاته الدول المجاورة له إلى الانخراط في مناقشات هادفة حول تقاسم المياه وإدارة الموارد.
في المقابل، قال مدير عام السدود في إقليم كردستان رحمان خاني للجزيرة نت إن حكومة الإقليم ممثلة بوزارتي الموارد والزراعة لديها تنسيق تام مع حكومة بغداد.
وأضاف أن السدود في إقليم كردستان موجودة ضمن خطة بغداد الخاصة بالمياه والتي تمتد إلى العام 2035، مؤكدا على أن إنشاء أي سد في الإقليم سيكون من خلال التنسيق مع الجانب الاتحادي.
وكشف خاني عن وجود "لجنة مشتركة مع بغداد تعنى بإنشاء السدود في الإقليم".
ويملك العراق 19 سدا، معظمها مشيد على نهري دجلة والفرات وروافدهما في عموم أنحاء البلاد.
ويعتمد العراق على المياه بشكل رئيسي على نهري دجلة والفرات وروافدهما والتي تنبع جميعها من تركيا وإيران، ويلتقي النهران قرب مدينة البصرة (جنوبي العراق) ليشكلا شط العرب.
ويعتمد العراق بنسبة 30% على المياه الطبيعية القادمة من إقليم كردستان، وذلك حسب الخبير في الشؤون المائية تحسين الموسوي.
وفي حديث للجزيرة نت بين الموسوي أن البيئة التكوينية في إقليم كردستان تساعد على بناء العديد من السدود.
وأضاف أن الدول التي تشارك العراق بملف المياه سيطرت بشكل كامل على نهري دجلة والفرات والأنهر الفرعية الأخرى بعد عام 2003 من خلال التحكم بحجم المياه المتدفقة نحو العراق لذلك أصبح يعتمد بشكل كبير على كردستان.
وقال الخبير العراقي إن "العراق مقبل على جفاف حقيقي، والأزمة الزراعية باتت تلوح بالأفق بعد تقليل المحاصيل هذا الموسم بحدود 80%".
ويرى الموسوي أن الحكومة الجديدة ستكون أمامها تحديات كبيرة بشأن ملف المياه وكيفية إدارة الأزمة، خصوصا أن السدود الجديدة في الإقليم ستتسبب بتوسع الأزمة المائية في العراق.
وفي العام 2014 وقع العراق وتركيا مذكرة تفاهم في مجال المياه تتضمن 12 مادة، أبرزها تأكيد أهمية التعاون في مجال إدارة الموارد المائية لنهري دجلة والفرات، وتحديد حصة كل دولة من مياه النهرين.
إلى ذلك، أوضح الخبير القانوني محمد مجيد الساعدي أن "دستور العراق لعام 2005 وفي الباب الرابع من اختصاصات السلطة الاتحادية المادة 110/ ثامنا منح السلطة اختصاصاتها، ومن ضمنها تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق وضمان مناسيب وتدفق المياه إليه وتوزيعها العادل داخل العراق وفقا للقوانين والأعراف الدولية".
وقال الساعدي للجزيرة نت إن "النص الدستوري واضح وصريح ولا يحتاج إلى تفسير من حيث الاختصاص الحصري للسلطة الاتحادية وفي بابها الرابع من الدستور، أي أن الإقليم لا يستطيع مطلقا أن ينشئ سدودا أو يتحكم بمناسيب المياه إلا بموافقة وتخطيط من السلطة الاتحادية".
وأشار الخبير القانوني إلى أن "هذا النص يلغي أي نص قانوني يسمح باستثناءات للإقليم من الإنشاء أو التجاوز على صلاحيات السلطة الاتحادية".
وعلى مستوى التأثير الاقتصادي، قال الباحث في الشؤون الاقتصادية دريد الشاكر العنزي إن هناك أضرارا كبيرة ستحدث على مصبات المياه ومجاريها جراء بناء السدود في إقليم كردستان العراق.
وفي حديث للجزيرة نت أوضح العنزي أن "هذا الملف سيولد أزمة اقتصادية بين بغداد وأربيل، كون بناء السدود دون موافقة الحكومة الاتحادية سيجبرها على اتخاذ طرق قانونية للرد".
وختم حديثه بأن "الأضرار التي ستنتج عن هذه الأزمة ستكون انعكاساتها على المواطن بالدرجة الأساس".
وفي وقت سابق من العام الجاري، حذر معهد بروكينغز الأميركي للأبحاث من أزمة تغير مناخي في منطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن العراق يقع ضمن تلك الأماكن الأكثر عرضة في العالم للأزمة.
المصدر : الجزيرة
أقرأ ايضاً
- المشهداني يؤكد أهمية الدور الروسي في دعم العراق على الصعيدين الإقليمي والدولي
- بغداد .. احكام بالإعدام بحق 3 تجار مخدرات بينهم امرأة اجنبية
- الى العراقيين كافة.. تعليمات التعداد السًكاني