حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي التل الزينبي من المعلوم أنه يوجد تل قرب الأمام الحسين وقريب من باب القبلة يسمى بالتل الزينبي وفيه وحسب الروايات المؤكدة أن زينب الحوراء كانت تراقب أحداث المعركة من خلال الصعود إلى هذا التل وبالخصوص عند خروج أخوها الأمام الحسين(ع) إلى أرض المعركة بعد أن بقى وحيداً في أرض المعركة ولا يوجد أي ناصر أو معين وبعد استشهاد حزام ظهره الأمام العباس(ع) ومن هنا كان تسمية هذا التل الزينبي وأتقدم بخطوات مرتجفة لدخول هذا المقام الطاهر لسيدتي ومولاتي بطلة كربلاء زينب الحوراء(ع) وأدخل المكان المقدس وفي البداية أقرأ زيارة السيدة زينب وتتملكني هواجس عدة ورهبة في التبرك بهذا المقام المبارك والذي أصبح مكاناً خالداً يؤمه الزائرين من مختلف بقاع العالم وسر خلوده هو وقوف جبل الصبر زينب(ع) لعدة ساعات على هذا التل وليكتسب هذا التل هذه القدسية وليصبح خالداً وعلى مدى التاريخ لأن فيها قد بصمت عقيلة الطالبيين هذا المكان وتشرفت هذه التربة الطاهرة وهذا التل بوقوف الحوراء زينب(ع) ولتجيب عل كل أسئلتي التي تدور في ذهني عن سر الخلود الحسيني في ملحمة الطف الخالدة ومنها سر الخلود الزينبي وما قامت به من بطولات ومهام ساهمت في ديمومة النهضة الحسينية واستمرار أهدافها بعد الاستشهاد الخالد لأبي الأحرار الحسين(ع) فكانت عقيلة الطالبين (ع)قد جسدت عزة للإسلام وحملت كل رسالته كما كان الأمام الحسين(ع) قد جسد عزة للإسلام في ملحمة الطف وما قامت به من دور مشرق في إكمال نهضته وإيضاح تضحيته، وإشاعة مبادئه وأهدافه والخطب التي خطبتها كانت تمثل ناقوس الخطر لسقوط الدولة الأموية الظالمة والإسراع في سقوطها فكانت بحق فخر الطالبيات وتجول بي المخلية وفي أرض معركة الطف ولما رأى الحسين (ع) مصارع فتيانه وأحبته، ونظر إلى اثنين وسبعين من أصحابه، وثمانية عشر من أهل بيته صرعى على وجه الأرض، عزم على لقاء القوم بمهجته، فجعل ينادي: هل من راحم يرحم آل الرسول؟ هل من ناصر ينصر ذرية الطاهرة البتول؟ ثم التفت إلى الخيام فنادى: يا سكينة يا فاطمة يا زينب، يا أم كلثوم عليكن مني السلام فهذا آخر الاجتماع، وقد قرب منكن الافتجاع. فعلت أصواتهن بالبكاء وصحن: الوداع الوداع، الفراق الفراق، وقد أحطنه من كل جانب، هذه تقبل رأسه، وتلك تقبل وجهه، وأخرى تقبل يديه ورجليه وتنادي إلى أين يا حمانا؟ إلى أين يا رجانا؟.. ليدور بي الخيال إلى موقف يدمي قلب كل مؤمن وهو لما أراد الحسين (ع) أن يتقدم إلى القتال نظر يمينا وشمالا ونادى: ألا هل من يقدم لي جوادي؟ فسمعت زينب (ع) نداء الحسين (ع)، فخرجت إليه وهي آخذة بعنان الجواد وتقول: أي أخت تقدم لأخيها جواد المنية؟ إلى أن وصلت إلى الحسين (ع) قالت له: أخي حسين، لمن تنادي وقد قرَّحت فؤادي؟ فساعد الله قلبك يا سيدتي ومولاتي وأنت تسوقين أخيك وأحب الخلق عندك إلى المنية وتسوقين جواده فيصبرها الحسين ثم ركب جواده على مصابها الجلل والذي تنهدُ منه الجبال، وتقدم نحو القوم. وإذا بصوت الحوراء زينب يملأ سمعه: أخي حسين قف لي هنيئة، أنزل من على ظهر جوادك. نزل الحسين، قالت: أبا عبد الله اكشف لي عن صدرك، وعن نحرك، فكشف الحسين لها عن صدره، وعن نحره، فشمته في نحره وقبلته في صدره، ثم حولت وجهها نحو المدينة وصاحت: اُماه يا فاطمة قد استرجعت الأمانة. فلا أجد غير الحزن والأسى يعتصر قلبي لتذرف دموعي وبدون أي أرادة على هذا الموقف الحزين وهي تلاقي مصارع أهلها وكفيلها وأخيها بهذا الصبر لتستحق وبكل فخر أنها جبل الصبر ولتختم على ماقاله أبيها أمير المؤمنين(ع) في أن {الصبر رأس الأيمان} ولتكون أحدى المؤمنات في بناء الإسلام وتصحيح مسار الرسالة المحمدية وعندما أصعد درجات هذا السلم الذي يؤدي إلى مقامها الشريف كأني أمتطي صهوة المجد والكبرياء والشموخ والبطولة بكل معانيها السامية وإلى السماء وتتثاقل رجلاي عن الدخول إلى مقام العزة والشموخ والعنفوان لأشتم كل معاني الصبر والبطولة في هذا التل البسيط في شكله والعالي القيم والمفاهيم والتي تتألق كل يوم وتزداد ألقاً وبهاءً. وأقف في وسط المقام الطاهر لتجول مخيلتي وأنت تقفين على هذا التل، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب: يا ابن أمي يا حسين، حبيبي يا حسين، إن كنت حيا فأدرنا، فهذه الخيل قد هجمت علينا، وإن كنت ميتا فأمرنا وأمرك إلى الله. فلما سمع الحسين صوت أخته، قام ووقع على وجهه ثم قام ووقع على وجهه ثانية، ثم قام ثالثة ووقع على وجهه وهو لايقوى على ذلك الأمر الجلل. ثم تدور المخيلة لهذا الحادث وهو انه عندما زينب لما علمت بالوقعة خرت مغشيا عليها، فلما أفاقت من غشيتها، وركضت نحو المعركة وهي تارة تعثر بأذيالها، وتارة تسقط على وجهها من عظم دهشتها حتى انتهت إلى معركة، فجعلت تنظر يمينا وشمالا، فرأت أخاها الحسين (ع) على وجه الأرض يقبض يمينا ويمد شمالا، والدم يسيل من جراحاته كالميزاب، فطرحت نفسها على جسده الشريف، وجعلت تقول: أأنت الحسين أخي؟ أأنت ابن أمي؟ أأنت نور بصري؟ أأنت مهجة قلبي؟ أأنت حمانا؟ أأنت رجانا؟ أأنت كهفنا؟ أأنت عمادنا؟ أأنت ابن محمد المصطفى؟ أأنت ابن علي المرتضى؟ أأنت ابن فاطمة الزهراء؟ ثم تقولين للمجرم عمر بن سعد: يا عمر ابن سعد أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟ فصرف وجهه عنها ودموعه تسيل على لحيته فأي صبر وشجاعة كنت تملكين وفي هذا الموقف الذي يشيب له شعر الطفل الرضيع. ثم تقفين وأنت ترين كيف يجثم الشقي أبن الشقي شمر اللعين على صدر الحسين الشريف ويحتز رأسه فيجلس على صدر الحسين (ع) ويقبض على لحيته وقال أقتلك ولا أبالي فضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة واحتز رأسه الشريف. لتصيحين أي وا إماماه وا سيداه وا حسيناه. ثم لتنزلين من التل حيث تذكر الأخبار ان مولاتنا زينب الكبرى (ع) حضرت عند أخيها الحسين (ع) أثناء ذبحه بسيف الشمر وفي تظلم الزهراء (ع) فبينما هي ـ أي زينب (ع) ـ في تلك الحال ـ أي عند أخيها الحسين (ع) ـ وإذا بسوط يلتوي على كتفها وقائل يقول لها تنحي وإلا ألحقك به فالتفتت إليه فإذا هو شمر فاعتنقت أخاها وقالت والله لا أتنحى عنه وإن ذبحته فاذبحني قبله. لتجري من عيوني الدم بدل الدموع مدراراً فأي صبر حملتيه يا سيدتي وبطلة كربلاء وأسرع إلى تقبيل شباك مقامها الشريف ليجول بي الخيال وعند ذبح الإمام الحسين(ع) لتخرجي بعد مصرع الحسين (ع)و تندبيه بصوت حزين وقلب كئيب: يا محمداه، صلى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، مسلوب العمامة الرداء، وبناتك سبايا إلى الله المشتكى، وإلى محمد المصطفى، وإلى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء، وإلى حمزة سيد الشهداء يا محمداه هذا حسين بالعراء، تسفي عليه الصباء. فلا أقوى على الوقوف وأنا أتذكر تلك المشاهد المروعة في واقعة الطف من مجرمين ليسوا من طبقة البشر ولا حتى الحيوانات لأتذكر قول الأمام الحسين(ع) وهو {... كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملئن مني أكرشة جوفاً واجربة سغباً، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت...}. لأقف بعدها أودي صلاة الزيارة لمقام هذه السيدة الجليلة وأصلي واجلس فترة في هذا المكان الطاهر وتجول مخيلتي لأتذكر كيف كان وداعك الأخير لأخيك الحسين بعد نحره وفي اليوم الحادي عشر من محرم ولسيدتي زينب (ع) موقف بعد ما انتهى القتال حيث كانت السيدة العظيمة تشاهد المجزرة وفي عينها لوهة حارقة ويخيم على آل الرسول الحزن والجزع هذا رأس الحسين على رمح طويل وهو صريع بالميدان فهنا تبدأ مهمة عقيلة الهاشميين لترفع راية الرسالة بعد أخيها الشهيد وتعيد للإسلام واقعه , حيث شقت صفوف الجيش الأموي وانفرج لها سماطين وقد جللها الأسى والمصاب حتى وقفت على جسد أخيها الحسين وجلست عنده ومسحت عنه الدماء الجامدة عليه وأزالت عنه بقايا السيوف وركام الرماح والنبال , ثم رفعت يديها , ورمقت السماء بناظريها , ونطقت وملا شفتيها الإيمان , وقالت:{ اللهم تقبل منا هذا القربان , ففي سبيل دينك ضحى بنفسه , وأهل بيته وأصحابه }. فبهذا القول تجسد البطلة مفهوم الفداء من اجل العقيدة في أذهان الحفنة الطائشة التي حاربت سيد شباب أهل الجنة حفيد الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله)أخيها الحسين (عليه السلام). ومن هنا عرفت أنها فعلاً بطلة كربلاء وعقيلة الطالبيين ولتصبح هي المكملة لرسالة أخيها الحسين في تصحيح مسار ديننا الحنيف وأتذكر بطولتها في الافتداء بنفسها مرتين بعد أن أراد اللعناء من الشمر وأبن مرجانه قتل الأمام علي زين العابدين ولكنها افتدت بنفسها من أجل الإبقاء على حياة الأمام والذي أوصاها به أخيها الحسين ليبقى نسل رسول الله(ص) ولا ينقطع وليبقى الإسلام المحمدي ببطولات فخر المخدرات سيدتي ومولاتي الحوراء زينب(ع) ولأخرج من مقامها وقد جللني الزهو والفخر لأني أنتمي لمذهب هؤلاء الأبطال من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف ومن ضمنها الحوراء زينب ولأقف منحنياً مودعها وفي داخلي تجول العبَرات والعبِرات لمدرسة عاشوراء والمدرسة الزينبية والتي فيها تجسد انتصار المظلوم على الظالم والدم على السيف.. فأليك يا سيدتي ومولاتي أهدي كلماتي هذه المتواضعة والخجولة والتي لا تحيط ببحر جودك العظيم عسى أن تكون لي شفيعاً لي عندما تقوم الإشهاد ويوم الورد المورود. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.