حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي في حضرة قمر بني هاشم وأمامنا العباس (ع)هو حامل لواء الحسين (ع) والذاب عن أخيه في كل محنه والذي صورت بطولاته في ملاحم خالدة يعجز القلم عن وصفها أو الإحاطة بها في هذه الواقعة ولكن سوف نتطرق إلى الجانب الإنساني في هذه الشخصية الفذة والتي خلدت اسمه في واقعة الطف كأحد الأبطال الذين يشار لهم بالبنان والخلود وكشخصية حفرت أسمها بعمق في التاريخ الإنساني ولعبت دوراً أساسياً في ملحمة الطف وفي النهضة الحسينية وكواحد من أعظم بناة الإنسانية في واقعة كربلاء بعد أخيه الحسين(ع). وأنا أقف أمام بابك ياسيدي ومولاي ياسبع الگنطرة وفي باب المسماة باب ساقي عطاشى كربلاء ومن شارع العلقمي أتأمل تلك الملاحم الإنسانية التي سطرتها في واقعة الطف والتي يعجز القلم عن وصفها ويقف عاجزاً عن الاسترسال والكتابة عن هذه الشخصية الفذة فيتملكني الرهبة عن دخول حضرتك الشريفة والتي بها يدخل عالم الوفاء والتضحية والإيثار والمواساة والتي قدمتها هذه الشخصية العظيمة بكل تجرد وعند دخولي الصحن المبارك تجول في مخيلتي تلك الصورة الإنسانية التي قدمتها ومنذ طفولتك لترتبط بأنك السقاء وهو يتأسى بحده عبد المطلب والذي كشف عن بئر زمزم وبنبينا الأكرم محمد(ص) في استسقاء قافلة أبو طالب في رحلته إلى الشام واستسقاء الرسول الأعظم في المدينة وهو يتأسى بجده أبو طالب(رض) عندما تذكر نبينا الأكرم عمه أبو طالب فقال الأمام علي شعراً عن لسان النبي إذ يقول: وأبيض يستسقى الغـمام بوجهـه***ثـمال اليتـامى عصـمـة لـلأرامـل وكذلك بأبيه أمير المؤمنين(ع) الذي استسقى المسلمين يوم بدر وفي الحديبية ولهذا هو سليل هذه السلالة الكريمة من الأجداد والإباء الكرام وأتذكر سقايتك لأخيك أبي عبد الله الحسين عن شعوره بالعطش وكان جالساً مع أبيه أمير المؤمنين وأخيه الحسن(عليهما السلام) فأقبل العبّاس عليهالسلام بالماء نحو الإمام الحسين عليهالسلام والماء يتصبّب من القدح على كتفيه، فوقع عليه نظر أبيه الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ورآه قد حمل قدح الماء على رأسه والماء يتصبّب من القدح على كتفيه، تذكّر وقعة كربلاء فرقّ له، وقال وهو يخاطبه ودموعه تتقاطر على وجنتيه: ((ولدي عبّاس، أنت ساقي عطاشى كربلاء))؛ فسمّي من ذلك (السّقاء). فها أنت تعلم البشرية كلها بعظمة السقاية وأهميتها والتي تتضح صورتها يوماً بعد يوم في وقتنا الحاضر فيتملكني شعور بالزهو الفخر لمن واليت من أمام نافذ البصيرة وقد وصفك الأمام الصادق(ع) وأتذكر ماقاله بحقك عندما قال { كان عمّي العبّاس بن علي(عليه السلام) نافذ البصيرة،صُلب الاِيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً..}فكنت بحق ما شهد به أبن أخيك الأمام المعصوم وتجول بي الأفكار بعيداً ولأدخل ليلة التاسوعاء وأنت تذود عن حرم وذراري رسول الله(ص) وتحمل لواء الحسين ثم يأتي إليك الأقزام والمجرمون اللعناء من جيش أبن زياد ويعرضون الأمان لك ولأخوتك. وأتذكر ماقاله السيد عبد الرزاق المقرم في وصف هذا الأمام العظيم فيقول " كيف يتنازل أبو الفضل للدنية وهو ينظر بعين غير أعين الناس، ويسمع بأُذنه الواعية غير ما يسمعونه، يشاهد نصب عينه الرضوان الأكبر مع " خلف النّبي المرسل "، ويسمع هتاف الملكوت من شتى جوانبه بالبشرى له بذلك كُلِّه عند استمراره مع أخيه الإمام. نعم، وجد " عباس المعرفة " نفسه المكهربة بعالم الغيب، المجذوبة بجاذب مركز القدّاسة إلى التضحية دون حجّة الوقت لا محالة، فرفض ذلك الأمان الخائب إلى أمان الرسول الأعظم" نعم أن نفس العباس نفس عظيمة ونفس سامية لم ترتقي إليها النفوس الإنسانية الأخرى لتصل إلى منزلة الأنبياء والأئمة ليكتسب العصمة، فليس لأحد حق إن يقول ذلك في المأموم المعصوم مثل العباس عليه السلام، وليس لأحد إن ينكر فضل الله تعالى في هذا النموذج، فقد أمكن وكان كما العباس عليه السلام ولذا فهو بعين الله وعين الرسول وعين المعصوم ولهذا من الله على هذا الأمام البطل بعظيم المنزلة والفضيلة والكرامات وليكون هو باب الحوائج إلى الله لأدخل من بابك الطاهرة وأتذكر الدعاء المأثور لكل زائر والذي يقول (ياكاشف الكرب عن وجه أخيك الحسين اكشف كربي بحق وجه أخيك الحسين)فكنت الباب الذي منه يزور أخيك الحسين وكانت أحرف اسمك الكريم تعني الكثير والذي سماك بهذا أبيك أمير المؤمنين(ع) والذي يعني(أســـــدٌ تهابـــــهُ الأُســـــود) فكنت أسد تخافك كل ألأبطال وتذكرت قول الشاعر فيك إذ يقول: عَـبَسَت وُجوهُ القَومِ خَوفَ المَوتِ والـ ***عـبّـاسُ فـيـهـم ضـاحِكٌ مُتَبَسِّمُ فالعين في اسمك هو أنت عين الحسين، والباء هو باب الحسين، والألف هو أيثار الحسين، والسين هو سلوة الحسين. وقد كنت تستحق كل تلك الأسماء التي وصفت ولقبت بها فكنت بطل العلقمي وحامي المشرعة ولكن بتصوري المتواضع كانت عندك أحب الألقاب هي كفيل زينب وكنت فعلاً الأسد الهصور التي تدافع عن حمل الضعينة وأتذكر كيف كنت تمشي خلفها وبيدك السعفة ليلاً عندما كانت تريد العقيلة زينب(ع)زيارة قبر أمها لتمسح أثر خطواتها وأمامها أبيها وأخويها الحسنين(عليهم السلام) ولكن بعد سقوطك من جوادك وقطع كفيك والتي لم تتوقى هذا السقوط وهل سيكون على وجهك أم جسدك وقربة الماء أمامك قد ثقبت وسال منها والتي وعدت سكينة بجلب الماء إليها فأي منظر مأساوي أتذكر وتجول بي الخواطر لتغرورق عيوني بالدم بدل الدموع وأنت لايمين ولايسار واللعناء والمجرمون من جيش الكفر والطاغوت يحيطونك من كل جانب وقد احتوشوك كاحتواء الضباع للفريسة ولكن حتى في نظراتك إليهم يهابونك ويخافون التقرب إليك فأنت عباس الكرامة والبطولة والشجاعة ويعرفون من هو العباس. والسهام قد غرزت في كل جسمك وسهم الحقد قد غرز في عينيك الكريمة وجبهتك الكريمة تنزف دماً وقد فلقت هامتك وهويت إلى الأرض وهو يؤدّي تحيّته ووداعه الأخير إلى أخيه قائلاً:{عليك منّي السلام أبا عبد الله...}. وحمل الأثير محنته إلى أخيه فمزّقت قلبه ومزّقت أحشاءه وانطلق نحو نهر العلقمي حيث هوى إلى جنبه أبو الفضل واقتحم جيوش الأعداء فوقف على جثمان أخيه فألقى بنفسه عليه وجعل يضمخه بدموع عينيه وهو يلفظ شظايا قلبه الذي مزّقته الكوارث قائلاً:{الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمت بي عدوي}. وتتسارع الأحداث في مخيلتي وأسرع إلى شباكك الشريف وتحت قبتك الطاهرة لكي أقبل هذا الشباك والذي يعني أنه أصافحك وأقبل يدك الشريفة وجبهتك الكريمة ولكن يدور بي الخيال لتخرج لي يدين مقطوعة الكفين مضخمة بالدماء وجبهة مفلوقة تسيل منها الدماء والتي لم تنقطع ولحد الآن فتغرورق عيوني بالدموع ويلامس جميع جسدي الشباك من لأقف مذهولاً من عظم هذه الفاجعة وكذلك أقف مبهوراً وفخوراً بأمامي حامل اللواء والعميد وحامي الضعينة سيدي ومولاي أبي الفضل العباس ولتزهو كل القيم التي حملتها من البطولة والشجاعة وكرمك الذي تضرب به الأمثال وكذلك الوفاء والتضحية والإيثار والمواساة والتي قدمتها لأخيك وأمامك الحسين في ملحمة الطف والذي تعتبر الشخص الثاني والسند الأساسي في إصلاح أمة نبينا الأكرم والذي حمل لواء أخيه الحسين(ع) ولم يتوان عن نصرة أخيه فهو السقاء و كفيل زينب، قمر العشيرة وباب الحوائج الذي لم يخيب أحداً حين يدعوه ويقول (يا كاشف الكرب عن وجه أخيه الحسين أكشف كربي بحق وجه أخيك الحسين) وهذا ضريحه الذي يعانق الثريا والذي يبين مكانته العالية والسامية وحين دفنه علي السجاد(ع) سلم وترحم عليه وقال له نعم العم الصابر المجاهد في نصرة أخيه وهو الفحل ابن الفحول والذي شارك في كل معارك أبيه أمير المؤمنين. وليبقى هذا القمر الزاهر قمر بني هاشم خالد في سفر التاريخ ليتألق ويشع بكل الأنوار الآلهية ولتكتب كل حياته وتضحياته وملاحمه بأحرف من نور وليكون دليل ومنهج لكل الأحرار والثوار وعلى مدى الزمان وتكون سيرته العطرة سيرة يتأسى كل الشرفاء في العالم ليمثل أحد الصروح المهمة والعلامة المميزة في التاريخ الإنساني المجيد.