- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الطلاق.. ظاهرة وأسباب - الجزء الثاني
بقلم: القاضي وائل ثابت الطائي
عطفا على ما ذكرناه في الحلقة الأولى في بيان أسباب انتشار ظاهرة الطلاق نُكمّل ما بدأناه في الحلقة السابقة ونستعرض الأسباب الأخرى، وكالآتي:
تدخل الأهل في الحياة الزوجية
من أسباب الطلاق الرئيسية والأكثر انتشاراً والأوسع وقوعاً في الحياة العملية هو تدخل الأهل في حياة الزوجين، وهذا التدخل ينتج في الغالب نتيجة تغير شكل الأسرة بعد انضمام زوجات الأولاد إليها فأصبحت وفق هذه الصورة أسرة ممتدة ويقصد بها (الأسرة التي يعيش فيها أكثر من جيل واحد مع بعض، بان يتزوج الأبناء ويسكنون مع زوجاتهم في بيوت أهلهم فترة من الزمن تطول أو تقصر حسب طبيعة ظروفهم).
إن هذه الحالة من العيش المشترك ضمن العائلة الكبيرة تكون مرتعا خصبا لحصول المشاكل والخلافات بين الزوجة وعمتها (زوجة الأب) أو بينها وبين زوجة شقيق زوجها أو بينها وبين أخواته وهكذا تنقلب حياة هذه الأسرة من حياة مستقرة إلى حياة مليئة بالمشاكل والخلافات مما ينعكس سلباً على العلاقة الزوجية فيؤدي الحال إلى خلافات بين الزوجين ورغبة الزوجة في السكن في بيت مستقل ويرافق هذه الرغبة عدم قدرة الزوج على تهيئة هذا المسكن فيؤدي الحال إلى الطلاق.
الزواج الثاني مع إهمال الزوجة الأولى (تعدد الزوجات)
إن تعدد الزوجات من الأحكام المباحة في الشريعة الإسلامية، فلقد أباحت الشريعة الإسلامية تعدد الزوجات بنص الآية القرآنية (... فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فأن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا)، سورة النساء الآية (3)، وكذلك في القوانين الوضعية ومنها قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي أجاز للرجل المتزوج أن يقدم على الزواج من امرأة ثانية وفق شروط معينة وضوابط محددة.
أن هذه الإباحة تتطلب التطبيق السليم لها، فاختيار الزواج الثاني ينبغي أن يكون على أسباب واقعية ومحترمة من قبيل إن الزوجة الأولى لا تستطيع الإنجاب أو أنها مصابة بمرض مزمن أو عاهة لا يمكن بوجوده أن تؤدي واجباتها ونحو ذلك من الأسباب الأخرى، كما إن هذه الرخصة لا بد أن تقترن بتحقيق العدالة فالزوج عليه أن يتحمل مسؤوليته في حسن التعامل بين الزوجات ولا يهمل واحدة على حساب الأخرى فيتركها وشأنها مما يولد حالة من الضجر وعدم القدرة على الاستمرار في الحياة الزوجية بالنسبة للزوجة الأولى فتنشأ الخلافات ومن هنا يحصل الطلاق.
العنف ضد الزوجة
إن العنف سلوك مشوب بالقسوة والعدوان والإكراه وهو سلوك بعيد عن التحضر والتمدن والعنف بكل تطبيقاته الجسدية أو النفسية يرتب آثار سيئة على الحياة الزوجية لهذا اعتبر العنف الأسري من أهم الأسباب المؤدية إلى الطلاق، فالزوج الذي يتعامل مع زوجته بالضرب والإيذاء والسب والشتم وغيرها فأنه يعمل على هدم العلاقة الزوجية وإيصالها إلى مرحلة الانفصال، فتصرفه هذا يتسبب في فقدان الزوجة لثقتها ومكانتها وقدرتها على التفاهم والاستمرار معه في الحياة الزوجية بعد إن فقدت الألفة والمودة والمحبة وبكل تأكيد أن هذا العمل سيؤدي إلى الطلاق.
أن العنف ضد المرأة وخصوصاً الزوجة يشكل علامة فارقة ودلالة واضحة على سوء أخلاق الرجل لهذا أوصت الدراسات والبحوث ومن قبلها الأحاديث الشريفة على ضرورة اختيار الزوج الصالح الذي يكرم المرأة ويحافظ عليها ولا يعمل على أهانتها وقد وردت عدة أحاديث شريفة في هذا المضمون ترشد أهل المرأة عن كيفية اختيار القرين الملائم لها ومن ذلك ما جاء بالحديث عن الرسول(ص) (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه).
الفارق العمري بين الزوجين
إن وجود التوافق في العمر بين الزوجين يؤدي إلى نجاح الزواج، ذلك لان هذا التوافق يحقق الألفة والتفاهم الروحي والفكري والعاطفي ويبعد الخلافات نتيجةً كون الزوجين يمثلان جيل واحد، أما إذا كان هناك فارق في العمر وبنسبة كبيرة فان هذا يؤدي إلى خلق مشاكل وخلافات بين الزوجين وذلك لان وجهات النظر واختلاف الآراء تكون غير متقاربة وقد يؤدي هذا الفارق العمري إلى عدم تلبية الحاجات المشتركة للطرفين.
اختلاف المستوى الثقافي والاجتماعي للزوجين
هذا السبب فيه موردين، المورد الأول هو الاختلاف في المستوى الثقافي والتعليمي بين الزوج وزوجته وذلك عندما يكون احدهما حاصل على تأهيل علمي وقضى مراحل دراسية في حين إن الآخر لا يمتلك ذلك مما يجعل حالة التفاهم والتعايش متعثرة إلى حد ما فتتولد الخلافات من جراء ذلك، أما المورد الثاني وهو الاختلاف في المستوى الاجتماعي وهذا يحصل عندما يكون احد الزوجيين من عائلة لها مكانتها الاجتماعية لأمور اعتبارية أو لأسباب مادية أو غيرها في حين إن الزوج الآخر في مستوى دون ذلك هذا الاختلاف في بعض الأحيان قد يكون سبباً في انقطاع الصلة بين الزوجين وفقدان التفاهم مما يتعذر معه العيش سويةً فيكون سبباً للطلاق، وفي ذلك يقول احد الباحثين في تقرير له عن هذا السبب :(تبدل حال احد الزوجين غنى أو فقر أو بالصعود والنزول الاجتماعي بوظيفة أو نحوها يوجب كثرة الطلاق، حيث أن المرأة إذا استغنت تترفع عن الرجل الفقير ويتأنف الرجل إذا استغنى على أن تكون قرينته امرأة فقيرة،... وذلك يوجب الاقتراب من الطلاق.
إن هذا الاختلاف قد يؤدي إلى عدم التعايش بين الزوجين والسبب في ذلك ان الحياة الزوجية تبنى على المعاشة بجوانبها المختلفة ولا تقف عند حدود إشباع الغريزة لذلك لا بد من وجود توافق في المستوى الثقافي والاجتماعي للزوجين بما يؤمن استمرار حياتهم الزوجية ويمكن كل واحد منهما يتحمل مسؤوليته في سبيل الاستمرار في هذه الحياة المشتركة وفي حالة تعذر ذلك قد يلجا احد طرفي العلاقة إلى الطلاق عندما يجد حلاً سريعاً للخلاص من بيئة لا يستطيع الاستمرار فيها.
أسباب الطلاق الأخرى
إن الأسباب التي ذكرناها في الفقرات السابقة هي الأسباب التي ظهرت لنا في عينة البحث، ولكن في الحقيقة توجد هناك عدة أسباب أخرى من قبيل عدم الالتزام من قبل الزوجة بطاعة زوجها والخروج الدائم من البيت أو الطلبات التي تنهك إمكانياته المادية وسهر الزوج خارج البيت وغيرها من الأسباب الأخرى، ولكن من الأسباب التي على درجة من الأهمية والتي برزت في الفترة الأخيرة ما يلي:
مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى
شكلت مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات طفرة علمية وتطور مذهل في مجال الاتصال بين الأفراد داخل المجتمع، وعلى قدر الايجابيات التي جاءت بها هذه الوسائل الحديثة إلا أنها في الوقت ذاته أفرزت عدة سلبيات كان لها الأثر في أحداث المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من خلال الاستخدام السيئ غير المدروس في ضل فقدان الرقابة من قبل الدولة فساهمت هذه التطورات التقنية إلى تداخل بين ثقافات وسلوكيات مجتمعية متباينة في الأفكار والعقيدة والالتزام مما انعكس سلباً على مجمل العلاقات الاجتماعية من بين ذلك العلاقات السائدة في الحياة الزوجية ولعل ابرز هذه السلبيات ما يلي:
- الاستخدام المتواصل لهذه الوسائل أدى إلى إهمال في واجبات الملقاة على الزوجة أو الزوج حيال بعضهما البعض أو حيال أطفالهم، فأصبحت هذه الوسائل تشغل كل أوقاتهم وتأخذ كل اهتماماتهم مما جعل القصور في الرعاية الأبوي أو الأمومي أو في رعاية الزوجين لبعضهما البعض قصورا واضحاً واسع المدى أدى إلى انهيار في العلاقة الزوجية.
- إن معظم هذه الوسائل وبسبب عدم الرقابة عليها قد أدخلت للمجتمع أخلاقيات وثقافات لا تتلاءم مع عاداته وتقاليده وعقيدته فعلى سبيل المثال المواقع الإباحية والأفلام غير المنضبطة والكلام الذي دون قيود تحت عنوان الدردشة أو غيرها كل ذلك ساهم في انهيار الأخلاق والآداب التي كان يتحلى بها مجتمعنا.
- إن الدراسات أثبتت النتائج السيئة من الإدمان على زيارة مواقع التواصل الاجتماعي والاستخدام السيئ لها وخاصةً من فئة الشباب قد اتضح ذلك دليلاً بتأثيرها على سلوكهم ودفعهم إلى الانحراف ثم إلى الجنوح ومن ثم إلى ارتكاب الجريمة، نظراً لما تحويه هذه المواقع من برامج ومعلومات مضرة للفرد والمجتمع.
أقرأ ايضاً
- الطلاق.. ظاهرة وأسباب - الجزء الأول
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة