- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
بقلم: د. مازن خلف ناصر
لقد أثار استعمال وسائل الحصول على الدليل القولي كجهاز التسجيل الصوتي ومراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة جدلا كبيرا بشأن مشروعيتها ومدى صحة الدليل المترتب عليها ومدى ملاءمتها وعدم تعارضها مع الأمن الشخصي للمواطن، ولا شك أن احترام الحريات الشخصية يقتضي تخويل الأفراد حق الاحتفاظ بسرية ما يريدون كتمانه عن الغير وهو ما يسمى (بالحق في السرية)، وقد جاء قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971 وقانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 خاليا من تنظيم أحكام التسجيل الصوتي ومراقبة المكالمات الصوتية ومدى اعتبارهما دليلا في الإثبات أو فرض عقوبة لمن يقوم بممارستهما دون أمر قضائي، فضلا عن عدم وجود قانون لمكافحة الجرائم الإلكترونية الى يومنا هذا لمعالجة مثلا هكذا تجاوزات في غير حالات الضرورة، وإنما ما زالت المسألة دون تنظيم قانوني، بخلاف ذلك وردت الإشارة لهذه المكالمات في المادة (٤٠) من دستور جمهورية العراق دون أن تنظم بنص قانوني أيضا بقولها أن (حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية الالكترونية وغيرها مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها أو الكشف عنها إلا لضرورة قانونية وأمنية وبقرار قضائي)، ومما يؤكد ذلك ولدى الرجوع الى نص المادة (84/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي نجد أن المشرع ذكر بأنه (إذا كان بين الأشياء في المكان الذي جرى تفتيشه رسائل أو أوراق أو أشياء شخصية أخرى، فلا يجوز أن يطلع عليها غير من قام بالتفتيش وقاضي التحقيق والمحقق وممثل الادعاء العام)، والملاحظ على هذا النص أنه لم يشر إلى (المكالمات الهاتفية)، ذلك أن عبارة (أشياء شخصية أخرى) لا تشمل الرسائل الشفوية، وإن اتحدت بالجوهر، إلا أنها تختلف من حيث الشكل، ومع ذلك لا يجوز إفشاء أسرار الخطابات والمكالمات الهاتفية، إلا إذا استلزمت مصلحة التحقيق ذلك، عندئذ تكون مصلحة أولى بالرعاية من الحفاظ على أسرار هذه المكالمات، وقد أباح القانون لسلطة التحقيق وحدها أن تأمر بضبطها.
إن شاءت قامت به بنفسها أو تندب من تختار من أعضاء الضبط القضائي عند الضرورة، ولا يجوز لقاضي التحقيق انتداب أحد هؤلاء مباشرة لتنفيذ الإجراء المذكور، إذ لا يملك عضو الضبط القضائي ممارسة رقابة المكالمات الهاتفية لكونها من إجراءات التحقيق لا من إجراءات التحري وجمع الأدلة.
من كل ما تقدم يتضح أن قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي يحمي حريات المواطنين ويضع القيود والضمانات اللازمة لحمايتها وعدم التفريط فيها أو انتهاكها، إلا من اجل تحقيق أكبر قدر من العدالة، لذلك جاء وحدد الأحوال التي يجوز فيها التضحية بالحرية الشخصية من أجل ضرورة إجرائية وهي الوصول للحقيقة وابتغاء تحقيق العدالة، ومع ذلك نحن بحاجة الى تعديل لنص المادة (84/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي يتضمن ما يستحصل عن التسجيل أو المراقبة للأجهزة النقالة كإجراء جزائي من رسائل وخطابات صوتية لا بد من شمولها ضمن منطوق نص هذه المادة، وبدون ذلك يبقى الموضوع عرضة للاجتهادات والتأويلات الفقهية والقضائية.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- دور الاعلام القضائي في تحقيق الأمن القانوني