بالرغم من مرور أكثر من عقدين على التغيير في العراق، فإن شكل الاقتصاد العراقي لم يستقر حتى الآن على هوية واضحة ومستقلة، فالسمات الغالبة على هذا الاقتصاد لا تزال تمزج بين اشتراكية الماضي ورأسمالية الحاضر، في توليفة غريبة قد تستمر لعقود قادمة، بسبب وجود الكثير من المعوقات والتحديات المالية والسياسية والأمنية والإدارية والتشريعية، التي أخرت كثيرًا عملية إصلاح الاقتصاد الوطني والنهوض به مرة أخرى.
إذ حذرت جهات سياسية من مصاعب كبيرة قد تطال الإقتصاد العراقي خلال العام الحالي، بسبب غياب الرؤية الحكومية وفرض بعض الكتل ابواب صرف معينة على الحكومة.
وقال القيادي في قوى الإطار التنسيقي سلام الزبيدي، إن “السياسة المالية في العراق غير واضحة والوضع الاقتصادي يتعرض لمطبات كثيرة بسبب اعتماد العراق على النفط كمورد وحيد للموازنة وبنسبة 90 بالمئة”، مبيناً أن “الكثير من أبواب الصرف في الموازنة المالية فرضت على الحكومة ولا يوجد توازن بين الايرادات والمدخولات”.
وأضاف أن “المسار الحالي للخطة المالية للدولة العراقية غير واضحة، وأبواب الصرف التي قد تفرض من قبل كتل سياسية ومكوناتية قد تحرج البنك المركزي ووزارة المالية من حيث المدخولات”، مبيناً أن “إيقاف تصدير النفط من إقليم كردستان وعدم تسليم الواردات أثر بشكل كبير على حجم الواردات والقدرة المالية للحكومة”.
وشدد على “ضرورة إعادة رسم السياسة المالية للدولة العراقية من قبل وزارتي المالية والتخطيط وإعادة الحسابات في كثير من الموارد الخاصة بالدولة العراقية، وليس الاعتماد على النفط وأن تكون هناك موارد أخرى وأن يكون هناك توازن بين الواردات والمصروفات”.
ويعتمد العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة «أوبك»، بشكل كبير على عائدات النفط، ويمثل قطاع الهيدروكربونات الغالبية العظمى من عائدات التصدير، ونحو 90 في المائة من إيرادات الدولة، هذا الاعتماد الضخم على النفط يجعل العراق عرضة بشكل خاص لتقلبات أسعار الخام العالمية.
ومع ذلك، زاد العراق موازنته في عام 2024 حتى بعد الإنفاق القياسي في عام 2023، عندما تم توظيف أكثر من نصف مليون موظف إضافي في القطاع العام المنتفخ، وبدأت عملية تجديد البنية التحتية الوطنية المكثفة رأس المال، كما أن الموازنة تفترض سعر نفط 70 دولاراً للبرميل في عام 2024، أي أقل بنحو 6 دولارات من متوسط السعر.
إلى ذلك، حذر النائب السابق محمد إبراهيم، من أن العراق سيواجه “ألغاماً” اقتصادية خلال العام الحالي، مؤكداً عدم وجود رؤية مالية واضحة.
وقال إبراهيم إن “العراق لا يملك حتى اليوم رؤية واضحة في الجانب الاقتصادي والمالي وهذا الأمر يخلق مشكلات كبيرة في ظل التحديات التي يواجهها البلد، وهي ليست سهلة ويمكن وصفها بالألغام “، مبيناً أن “تداعياتها ستظهر خلال العام الحالي، في حين لم يتم تمرير الموازنة حتى الآن وهناك تعديلات عليها مستمرة عليها”.
وأضاف، أن “الانخفاض المتوقع لأسعار النفط في الفترة المقبلة سيثقل كاهل العراق مالياً وهو بالأساس قام بتخفيض انتاجه النفطي بناءً على قرارات مجموعة الدول المنتجة للنفط في أوبك بلس”، لافتاً إلى أن “هناك الكثير من الفقرات المرهقة ضمن الموازنة المالية سيتوجب على الحكومة تطبيقها خلال العام الحالي خاصة مع قرب الانتخابات النيابية”.
وأكد مظهر صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في سبتمبر أيلول 2024 أن العراق سيواجه أزمة في الموازنة في عام 2025 بسبب انخفاض أسعار النفط، المصدر الرئيسي لإيرادات البلاد.
وتم احتساب سعر برميل النفط بـ70 دولاراً في موازنات العراق للسنوات 2023 و2024 و2025، “وهذا أقل مما يباع حالياً في الأسواق العالمية، ويتم تصدير نحو 3.5 مليون برميل نفط يومياً، وهي حصة العراق في أوبك، والتي على أساسها تم احتساب إيرادات العراق النفطية وغير النفطية التي بلغت 147 تريليون دينار.
ورفعت شركة بي.إم.آي للأبحاث التابعة لفيتش سولويشنز توقعاتها لعجز ميزانية العراق في 2024 من 3.3% إلى 7% ما يرجع في الأساس إلى ضعف آفاق الإيرادات النفطية التي تمثل 93% من إجمالي الإيرادات الحكومية.
وأتم مجلس النواب العراقي، في 3 حزيران يونيو 2024، التصويت على جداول قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم 2024 والتي بلغت 228 ترليون دينار، بعدما حصدت موازنة العام الماضي 199 تريليون دينار، فيما وصفها مختصين بالـ”مجازفة” من الحكومة باقتصاد البلاد ووضعها المالي، لاسيما في حالة انهيار أسعار النفط، الذي تعتمد عليه كليا، كما حدث في أعوام سابقة.
ويعتمد العراق بنسبة كبيرة على بيع النفط الخام في تأمين إيراداته السنوية ودفع الرواتب وبقية المستحقات الأخرى، فيما يواجه قطاع الزراعة الذي كان يمثل أحد روافد الإيرادات في السابق، تدهورا كبيرا، ومنذ عام 2022، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.
وتعد قضية الديون الداخلية والخارجية واحدة من أبرز الملفات الاقتصادية التي تواجه الحكومة العراقية، حيث تشكل هذه الديون تحدياً يتطلب إدارة حذرة ورؤية لضمان استقرار الاقتصاد الوطني في المستقبل.
وتعكس المخاوف بشأن موازنة عام 2025 تحديات تواجه سوق النفط العالمية. فأسعار النفط تتخذ اتجاها نزوليا منذ منتصف عام 2022 مع انخفاض خام برنت من أكثر من 120 دولارا للبرميل إلى أقل من 75 دولارا في الأيام القليلة الماضية.
ويرجع هذا الانخفاض إلى حد كبير إلى ضعف الطلب العالمي، وخاصة من الصين أكبر مستورد للنفط في العالم بسبب تباطؤ نموها الاقتصادي.
وحول الدين الخارجي فأنه ليس بالأرقام الكبيرة وفقاً للرواية الحكومية إلا أن الدين الداخلي، الذي يتجاوز 45 مليار دولار، يمثل عبئاً مختلفاً كونه مرتبطاً بمؤسسات حكومية محلية مثل المصارف والبنك المركزي.
ومع التزام الحكومة بتسديد جزء كبير من هذه الديون خلال العام الحالي، تبقى التساؤلات قائمة حول تأثير هذا الملف على النمو الاقتصادي، والاستثمارات، وقدرة البلاد على تحقيق التوازن بين الوفاء بالتزاماتها المالية ودفع عجلة التنمية.
أقرأ ايضاً
- الكهرباء العراقية: جلب الغاز لتشغيل المحطات ليس من مسؤوليتنا
- تعرف على أسعار صرف الدولار في الأسواق العراقية
- الدولار يواصل الانخفاض أمام الدينار العراقي