بقلم: القاضي حبيب إبراهيم حمادة
قد يرتكب المتهم الجريمة، سواء أكانت من جرائم الجنايات أم الجنح، لدوافع خاصة قد تكون اقتصادية او اجتماعية او نفسية وغيرها، الأمر الذي يوجب محاكمته عنها وفرض العقوبة المقررة قانونا بحقه بموجب حكم قضائي بات، ويترتب على اصدار ذلك الحكم اعتباره قيدا جنائيا بحقه، ولكونه محكوما سابقا فأنه مانع له من ممارسة العديد من حقوقه السياسية والمدنية التي ترتب آثارها السلبية على المحكوم ذاته وذويه والمجتمع عموما، سيما ان فرض بعض العقوبات الأصلية المقررة بموجب أحكام قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ يوجب فرض العقوبات التبعية والتكميلية المقررة قانونا، فعلى سبيل المثال ان صدور حكم جزائي بحق المتهم يحول دون تعيينه في الوظائف الحكومية عملا بأحكام المادة (٧/رابعا) من قانون الخدمة المدنية رقم ٢٤ لسنة ١٩٦٠ التي تشترط بطالب التعيين ان يكون حسن الاخلاق وغير محكوم بجناية غير سياسية او بجنحة ماسة بالشرف، كما ان الحكم الجزائي يكون مانعا من الترشيح لانتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات بموجب احكام المادة (٧/ثالثا) من قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات رقم ١٢ لسنة ٢٠١٨ المعدل والتي تشترط في المرشح ان يكون غير محكوم عليه بجناية او جنحة مخلة بالشرف او قضايا الفساد المالي والإداري المنصوص عليها في قانون العقوبات، وغير ذلك من الحقوق الأخرى المقررة بموجب احكام القانون.
وحيث ان الغاية من ادانة المتهم وفرض العقوبة بحقه لا يقتصر على ردعه من تكرار ارتكابه للجريمة، بقدر ما هو اصلاح له وردع لغيره بالوقت ذاته، لذا فمتى ما حققت العقوبة هدفها في الردع والإصلاح، وللدوافع على ارتكاب الجريمة ولظروف ارتكابها فأن ذلك يوجب معاملة بعض المحكومين معاملة خاصة بعد تنفيذهم للعقوبة المفروضة بحقهم وفق احكام وشروط محددة قانونا بغية إعادة للاندماج مع أفراد المجتمع مكافأة لهم على حسن سيرتهم وسلوكهم بعد تنفيذ العقوبة بحقهم وعدم ارتكابهم جريمة أخرى لاحقا، ليكونوا أعضاء صالحين فيه وبالتالي فان نظام رد الاعتبار للمحكومين هو الوسيلة المثلى للعمل به في مثل هذه الحالة.
ورد الاعتبار نظام قانوني قائم على منح المحكوم عليه بحكم جزائي بات عن جريمة من جرائم الجنح او الجنايات بإلغاء الآثار اللاحقة المترتبة على ذلك الحكم ومنحه فرصة ممارسة حقوقه السياسية والمدنية واندماجه في المجتمع تلقائيا او بموجب حكم قضائي متى ما توافرت فيه الشروط المحددة قانونا، اذ عرفه بعض الفقه كونه وسيلة قانونية يتم من خلالها بقوة القانون او بموجب حكم قضائي محو الوصمة التي ينطوي عليها حكم الإدانة، فيسقط وتسقط معه آثاره بالنسبة للمستقبل وذلك منذ تاريخ صدور رد الاعتبار...او هو إزالة حكم الإدانة الذي صدر بحق المحكوم ومحو آثاره الجزائية، بحيث يصبح ذلك الحكم بالنسبة للمستقبل في حكم العدم، ويستعيد المحكوم وضعه في المجتمع وكأنه لم تسبق إدانته ابدا، وقد منحه المشرع للمحكوم كمكافأة له لحسن سلوكه واندماجه في المجتمع.
وتبرز أهمية نظام رد الاعتبار للمحكومين والمجتمع على حد سواء، إذ ان للمحكوم الاستفادة منه بغية إعادة اندماجه في المجتمع لاحقا واستعادة مكانته الاجتماعية فيه بعد أن كان الحكم الجزائي الصادر بحقه حائلا دون ذلك وملوثا لصحيفة سوابقه ومانعا من ممارسته لحقوقه السياسية والمدنية، سيما بعدما ثبت حسن سيرته وسلوكه بعد تنفيذ العقوبة بحقه وعدم تكرار ذلك من قبله من جهة ومن جهة أخرى فان ذلك النظام إنما يرتب آثاره الإيجابية للمجتمع أيضاً، اذ لا يوجد ما يمنع من استقطاب الهيأة الاجتماعية للمحكوم بجناية او جنحة وقد ثبت حسن سيرته وسلوكه تجاه افراد المجتمع بعد صدور الحكم الجزائي بحقه وإمكانية أن يكون عضوا صالحا فيه.
ورد الاعتبار على نوعين هما رد الاعتبار التشريعي والقضائي، فالنوع الأول هو الذي يتقرر بموجب احكام القانون دون حاجة لإصدار حكم قضائي فيه متى ما توافرت الشروط الواردة قانونا في المحكوم والمتمثلة بتنفيذه للعقوبة المفروضة بحقه بموجب الحكم الجزائي او سقوطها دون ارتكابه لأية جريمة أخرى اثناء فترة التجربة التي حددها المشرع سابقا بحيث تزول اثار الحكم المذكور بعد انتهائها بصورة تلقائية دون حاجة لاتخاذ إجراءات اضافية بذلك مع إمكانية تمتعه بالحقوق السياسية والمدنية التي كان قد حرم منها سابقا بسبب ذلك الحكم، وعادة ما تكون فترة التجربة المحددة من قبل المشرع اطول من الفترة المحددة في رد الاعتبار القضائي، كما ان تلك المدة تكون أطول عندما تكون الجريمة المرتكبة من جرائم الجنايات مقارنة مع المدة المحددة لجريمة الجنحة، أم النوع الثاني فهو رد الاعتبار القضائي والذي يوجب تطبيقه الحصول على حكم قضائي لغرض الشمول بنظام رد الاعتبار للمحكوم وتنفيذ الأخير للعقوبة المفروضة بحق مع مضي المدة القانونية اللاحقة للتنفيذ وان يكون حسن السيرة والسلوك طوال تلك المدة، وللمحكمة السلطة التقديرية بشموله برد الاعتبار أو رفض طلبه.
واذا كان نظام رد الاعتبار مقرر بموجب احكام القانون في العديد من الدول العربية ومعمول به خاليا، فأن المشرع العراقي كان قد اخذ به للمرة الأولى ابتداء بموجب قانون إعادة الحقوق الممنوعة رقم ٣٠ لسنة ١٩٣٤ وتبعه لاحقا قانون رد الاعتبار رقم ٩٣ لسنة ١٩٦٣ والذي الغي بموجب قانون رد الاعتبار رقم ٣ لسنة ١٩٦٧ المعدل بالقانون رقم ١٨٣ لسنة ١٩٦٨ واستمر العمل به لحين الغاؤه بموجب القرار المرقم ٩٨٧ لسنة ١٩٧٨ بدون بيان الأسباب الموجبة لإصدار ذلك القرار، لذا وحيث ان لنظام رد الاعتبار آثاره الإيجابية للفرد والمجتمع بما يحقق الغاية منه في ممارسة الحقوق السياسية والمدنية لكافة أفراده وبغية منح الفرصة للمحكومين بجرائم الجنح والجنايات من الاندماج مع غيرهم من افراد المجتمع الآخرين ممن ثبت حسن سيرتهم وسلوكهم بعد ارتكابهم للجريمة للمرة الأولى لظروف معينة ولكون النظام المذكور قد رتب اثاره الإيجابية للمجتمع فان ذلك يوجب الإسراع في تشريع قانون رد الاعتبار في العراق كما هو الحال في العديد من الدول العربية، سيما ان هنالك مشروع قانون معدا من قبل السلطة التنفيذية لشمول المحكومين من المدنيين والعسكريين فيه وفق شروط وضوابط محدد سلفا مع استثناء الجرائم الإرهابية والجرائم الماسة بأمن الدولة وجرائم الفساد المالي والإداري والتجار بالمخدرات والخطف التي ينتج عنها موت المخطوف، من شمولها بأحكام القانون المذكور الامر الذي يقتضي معه الإسراع بتقديم المشروع المذكور لغرض إقراره من قبل البرلمان العراقي.
أقرأ ايضاً
- اكذوبة سردية حقوق الانسان
- هل سيكون الردّ إيرانيّاً فقط ؟
- السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء