بقلم:عباس الصباغ
لاينكر احد ان مشروع مكافحة الفساد كان ضمن اولويات البرنامج الحكومي الذي قدّمه رئيس الوزراء د. العبادي الى البرلمان والذي بموجبه تم منحه ثقة تشكيل حكومته، ولكنْ حالت دون تحقيقه ظروف عسيرة كالحرب الوطنية على داعش الذي شكل تحديا امنيا كبيرا فضلا عن التحدي الاقتصادي الخطير المتمثل بتدني سعر برميل النفط على الخط البياني للموازنة العامة، فتم تأجيل هذا المشروع الى الوقت الراهن الذي يعدّ مناسبا تماما لشن حرب عشواء ضد الفساد والمفسدين، ستنطلق مطلع العام المقبل 2018، وهي حرب تضاهي الحرب التي شنت ضد تنظيم داعش وخرج منها العراق منتصرا فكما انتصر العراقيون على داعش يفترض ان ينتصروا على الفساد الذي يعدّ وجها آخر للإرهاب، فبعد اعلان النصر النهائي والمرتقب على داعش وبعد الاستقرار "النسبي" لسعر برميل النفط الى حد "معقول" يتسنى بموجبه لخبراء الاقتصاد والمال ان يبرمجوا الموازنة العامة على ضوئه، فلم تبق اولويات عاجلة كأولوية مكافحة الفساد والمفسدين واسترداد الاموال المنهوبة الى خزينة الدولة كونها اموالا عامة تقدّر بمليارات الدولارات والتي من المفترض ان تدخل في حسم بعض الملفات العاجلة ايضا كملف النازحين والمهجرين واعادة إعمار المناطق التي كانت تحت سطوة داعش والتي تعرّضت للتدمير بسبب العمليات العسكرية التي رافقت عملية التحرير.
الحرب ضد الفساد هي ليست حربا شعاراتية او تعبوية لأغراض سياسية او انتخابية، بل هي حرب حقيقية لاهوادة فيها ويتوقف مستقبل العملية السياسية على النجاح فيها، ويكتب النجاح لها بشرط عدم استثناء أي شخصية من المساءلة القانونية مهما بلغ حجمها او اهميتها وذيولها العشائرية او الحزبوية. فقد تسبّب الفساد الذي استشرى في جميع مفاصل الدولة ليس فقط بإهدار المال العام الذي اقتُطع خلسة من قوت الشعب وانّما في تدني المستوى المعيشي للمواطنين لأنه اضاع الكثير من فرص التنمية المستدامة، كما تسبّب في ازياد مناسيب معاناتهم وشيوع الفقر والبطالة لاسيما بين اوساط الشباب والخريجين وفي تردي مستوى الخدمات التي تقدّم للمواطنين فضلا عن تهالك البنى التحتية المتهالكة اساسا ناهيك عن وضع العراق في راس قائمة الدول الاكثر فسادا في العالم سنويا.
إنّ الفساد ما كان له أنْ يتغوّل بهذا الشكل لولا وجود البيئة السياسية والقانونية والحزبوية الداعمة والحامية له، لذا يجب مراجعة القوانين التي سمحت بتفشي الفساد وسد الثغرات القانونية التي نفذ منها الفاسدون الذين كانوا يستغلون الخاصرة الرخوة للدولة العراقية وبنود الدستور حمّالة الاوجه وضعف اجهزة الدولة التنفيذية التي كانت تقف عاجزة امام الاحزاب واذرعها المسلحة وسطوة العشائر التي كانت توفّر الحماية الكافية لهم،
وببدو ان الفساد في العراق هو اكبر من امكانات الدولة العراقية فهو عبارة عن داء عضال يستوجب الاستعانة بالخبرات الدولية التي توجّه الملاكات الوطنية في مكافحته، وبما يتوفّر لها من خبرة دولية تراكمت عند بعض البلدان التي مرّت بظروف مشابهة للظرف العراقي، وقبل الشروع بهذا المشروع الذي اجلّته الظروف الصعبة، وقد حان الوقت للبدء بمرحلة البناء والاعمار، يجب تطبيق استراتيجية المساءلة القانونية الحازمة بحسب مبدأ من اين لك هذا ؟ على جميع من تثبت عليه تهمة الفساد دون خوف من احد.
أقرأ ايضاً
- يرجى تصحيح المسار يا جماهير الكرة
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- الحجُّ الأصغرُ .. والزِّيارةُ الكُبرىٰ لِقاصِديِّ المولىٰ الحُسّين "ع"