حجم النص
بقلم:فالح حسون الدراجي من يزور ايران، ويرى إنجازات، وصمود، وعظمة الشعب الإيراني، ويتابع أداء حكومته النزيهة والصالحة والرشيدة فعلاً. ويراقب أنشطة المؤسسات الإصلاحية، وحركة الشخصيات الدينية (المعممة) فيه، سيطرح على نفسه ذات السؤال الذي طرحته على نفسي، وأصدقائي الف مرة، وأنا أفتح فاهي عجباً لما يتحقق في هذا البلد المحاصر بالعداء والحقد والغيرة، من جهات إقليمية ودولية! وهو نفس السؤال الذي طرحته عليَّ زوجتي، وهي ترى ما أراه هناك من تقدم، وقوة، ونظام، وعافية، وحضارة، ومدنية، ونظافة، وإلتزام، وشعور بالمسؤولية، وتكيف مرن مع الظروف، من غير أن يطمع مواطن فقير بأموال مواطن غني، أو يطلب موظف كبير، او صغير رشوة من مواطن آخر. سؤال أردده مع نفسي وأقول: يا ربي ليش إحنه مو مثل ايران؟! نعم.. ليش إحنه مو مثل ايران..؟ فإذا كان عذرنا ان العراق قد خرج من عبودية نظام دكتاتوري جائر، أو كان قد تعرض لحصار إقتصادي عسير، أو هو اليوم هدف لتآمر ارهابي طائفي إقليمي، فإن إيران تعرضت الى اشرس حصار دولي امتد لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً، قطعت فيه امريكا وحلفاؤها شرايين التواصل الإيراني مع أغلب دول العالم، بعد ان أغلقت كل طرق النجاة المؤدية الى إنعاش معيشة هذا الشعب الصابر.. فخنقت أنفاسه، وهو الخارج من نير سلطة شاهنشاهية إستبدادية جائرة، ومن جحيم حرب ضروس أكلت منه ومن شقيقه العراق الأخضر واليابس. بل أن الحصار والحرب العراقية الإيرانية الطويلة، كبلا يدي ايران بقيود مالية باهظة، في نفس الوقت الذي توقف فيه نفطه عن التصدير وجُمّدت امواله في مصارف امريكا والعالم، وهُدّمت مدنه، وخرّبت معامله ومصانعه الكبيرة، وتحطم إقتصاده بأسلحة الحرب والحصار.. ناهيك عن مؤامرات السعودية الوهابية ومخططات اسرائيل الجهنمية، التي لم تتوقف لحظة واحدة عن تحريض دول العالم، والضغط بمختلف الوسائل المادية والنفطية واللوبية على القوى المؤثرة بأمريكا واوربا من اجل عدم فسح المجال لطهران بالعودة مرة اخرى للمجتمع الدولي، أو إعادة الروح لهذا الشعب المكافح، حتى وصل الأمر بأن تخوض السعودية وحلفاؤها، ومرتزقتها معارك، لها صلة بالمواقع والمكونات والقوى المنضمة عقائدياً ومذهبياً ووطنياً لإيران، في محاولة لجر هذا البلد الى نار الحروب الطائفية القذرة التي أشعلت السعودية وقطر فتيلها في اكثر من بلد، وموقع.. وما الحرب الطائفية، الإرهابية التي تحصل في العراق، إلاَّ بعض هذه الحروب السعودية!! لكن، ورغم كل هذا الحصار والتآمر والحرب والتجويع، فإن طهران لم تستسلم، ولم تضعف بعد أن راحت تزرع وتصنع كل شيء تحتاجه بحيث لم تحتج لأي منتوج أجنبي، وها هي اليوم اكبر الدول المصدرة في المنطقة. كما ان طهران لم تتراجع عن مشروعها الوطني المستقل أو عن منهجها الأخلاقي والديني والثقافي الكوني قيد أنملة، ولا عن دعمها للقوى الساعية للحرية والإستقلال والتقدم في العالم، مدافعةً، مضحية بمالها وبدم رجالها -كما حصل ويحصل في سوريا ولبنان واليمن والعراق وفلسطين -مانحة الشعوب المتطلعة للحرية، فرصة للإقتداء بإنموذجها الوطني، وضاربة بذلك أروع الأمثلة في طريق التحرر، والقرار الوطني المستقل. لقد رأينا في ايران شعباً ملتزماً، لا يعبر فيه المواطن شارعاً من غير الأماكن المخصصة للعبور، ولا عاملاً في مطعم ما لا يرتدي القفاز الصحي، ولا شرطياً واحداً في شوارعها.. والجمهورية الإسلامية بلد آمن، ينام فيه المواطنون دون الحاجة لأقفال، وسلاسل على الأبواب. وبلد جميل عطر، يكتنز فيه الخضار، وتزين الزهور أرضه الواسعة. ورأينا هناك مدناً نظيفة، بحيث يصعب على موظفي الصحة العثور على ذبابة واحدة لمكافحتها، أوعلى بعوضة او حشرة من الحشرات! فإيران بلد تكثر فيه المدارس والمستشفيات والمتنزهات والمولات، والمواقع السياحية والمطاعم الفاخرة، بينما تنعدم فيه مراكز الشرطة، والسجون، والمصحات العقلية.. أما المعممون في ايران فحكايتهم غير حكاية معممي العراق، فهم رغم عددهم الكبير جداً، فإن مكانهم الجوامع والحسينيات، ومدارس الفقه، والمراكز الدينية، ولا أثر لهم في الشوارع، او دوائر الدولة، أو المراجعات الحكومية، والوساطات التجارية، فهم بإستثناء القيادات المعممة الكبيرة، والشخصيات الدينية الجهادية المعروفة، التي رافق بعضها جهاد السيد الخميني، وهؤلاء عددهم قليل جداً، فإنك لن ترى احداً من المعممين يراجع دوائر امانة العاصمة لأجل الحصول على قطعة ارض، أو تراه في مكتب وزير الكهرباء لأجل عقد نافع له، أو تراه يتوسط لتاجر معين عند وزير التجارة من اجل صفقة تجارية! ايران بلد قوي.. وشعب صامد، وهو أيضاً شعب حضاري، منظم، متزن، مقتصد، محب للحياة.. ولعل أجمل ما فيه حبه الحقيقي الصادق لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه الصلاة والسلام. لذا فإن الشعب الإيراني يستحق جنة الآخرة، لأنه نال جنة الدنيا!!
أقرأ ايضاً
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً
- الحجُّ الأصغرُ .. والزِّيارةُ الكُبرىٰ لِقاصِديِّ المولىٰ الحُسّين "ع"
- المرجع السيستاني.. المواقف تتكلم