حجم النص
علي لفته سعيد يبدو أن مصطلح ازمة المثقف أكثر تعبا من اي مصطلح ثانٍ او أي عنوانٍ يمكن ان يتم تخصيص فئة معينة من الناس في مجتمع ما على اعتبار انهم الشريحة الاكثر استخداما للعقل من جهة والمتخيلة الصانعة للجمال والناضجة من جهة أخرى.. ولان المثقف هو جزء من المجتمع فان اية أزمة تحصل في البلاد لا يمكن إلّا أن تصيبه وتجعله متأثرا بها رغم ان المطلوب منه أن يكون قادرا على تحملها وباعثا على صناعة الجمال من خلال فعلها المعاكس لأنه الاكثر تحملا للفعل ولذا فانه ينتج ردة فعل مساوية لها بل وان المثقف يراد منه ان تكون ردة فعله في الاتجاهات واكثر قوة من القوة ذاتها التي ضربت المجتمع وجعلت هناك ازمة يعيش فيها.. ان ازمة المثقف لا تني مختلفة عن الازمات الأخرى ايضا بحكم مدلولها الاجتماعي ومكانة المثقف في المجتع إذا ما عرفنا ان المثقف ليس منتجا للنص الأدبي كما يذهب البعض بل هو المثقف الذي ينتج الحياة وينتج وعيا وتأثيرا وتأثرا في محيطه متأتٍ من فعل الثقافة لديه التي تأتي بكل تأكيد كواحدة من العلامات الدالة من فعل القراءة والاطلاع على كال ما هو غير قابل للوقوع بين يدي الطرف الأخر المقابل للمثقف الذي ينزر الى المثقف على انه فئة واعية مطلوب منها ان تكون حاملة للتنزير ومؤثرة. ان المجتمع الذي يعيش ازمات متكررة لابد ان يكون المثقف متأثرا بها وإذا ما كانت الاسباب التي أدت الى صناعة الأزمة سياسية فان المثقف هنا سيكون في حالة انقسام توعوي لان السياسة ليس لها خط مستقيم يمكن للجميع ان يسير عليها بوعي وإدراك فنرى حينها ان الأزمة تتوالد وتتناسل وتتوسع مساحاتها لان المثقف هنا يعد واحدا من اسباب الانقسام في الوعي لان السياسة اتباع ايديولوجي غير قابل لموافقة الجميع وبالتالي ان الازمة هنا أزمة سياسة ومصالح واتباع.. اما إذا كانت الازمة لأسباب دينية فتلك المصيبة أكبر لان الدين رغم انه خط مستقيم يمكن للجميع ان يمشي على هداه وصيرورته الكونية السماوية إلا ان المثقف الذي يطلع سيجد التأويلات العديدة للمنهج الديني وتناثر المحمولات العقائدية والمصالح التي دخل فيها التيارات الدينية المتعددة عبر العصور والتي جعلت الخط الديني متعدد المسارات وبالتالي فان المصلحة الخاصة في التوجه الديني جعل من المرتكز الثقافي محمول آخر أقل قوة وربما يعاني من الضعف لان الأزمة الدينية أزمة فقهية وبالتالي هي أزمة روحانية لا يمكن التدخل فيها ولا صناعتها إذا ما اعتبرنا ان الدين عقل وعاطفة والقبول بمسلماتها هي النقطة الاساسية في التجه العام لتسليم العقل ذاته. ان الازمة التي يعشيها المثقف او العنوان الابرز الذي يمكن ان يشار له بين قوسين (أزمة المثقف) يقابلها عنوان ملتصق في ضلعه او انه ولد من ضلعه (أزمة ثقافة) وهو ناتج طبيعي لوجود ازمات اجتماعية وسياسية ودينية وحتى قبلية إذا ما كانت هذه الازمة تأخذ بالحسبان الانتماء المكاني الذي يلجا اليه حتى المثقف بديلا عن القانون لكي يشعر بقوته ومكانته الاجتماعية وأن أحد أهم اسباب استخدام اللقب العشائري هو الشعور بالانتماء القوي للقبيلة التي تملتك سطوة اجتماعية تعينه لكي يكون اي المثقف في مكانٍ مرموق اجتماعية.. لان ازمة المثقف تولد أزمة ثقافة لان المجتمع هنا يكون من أكثر المجتمعات التي تعاني من عدم الثبات في إيجاد نقطة وسطى في الخط المستقيم لغياب أهمية الثقافة من جهة وتراجع دور المثقف في مهام عمله كثوري وتوعوي ونابض بالحياة لان الاخر السلطة سواء اكانت سياسية ام دينية لا تريد للمثقف ان يكون له دور في تقوية المجتمع لأنها اي السلطة تخاف من دور المثقف.. فضلا عن ان المثقف ليس لغة سلاح بمعنى ان أهم ما لديه هو الفكر والعقل والكلام والحرف وهذه أسلحة قد تكون السلطة قادرة على إخمادها من جهة وانهائها لو ارادت من جهة اخرى، والاخماد من خلال تأويل وتأليب الراي العام ضده من انه يريد الاطاحة بالمجتمع وتحويله الى مسارات اخرى لها مسميات تلعب على العاطفة والروحانيات بشكل أكثر تطرفا وهو ما يعني الموت سريريا للفكرة او انهاء المثقف وسلطته الكلامية المثقفة إذا ما شعرت ان المقابلة مستمرة بين قولها كقوة سلطة وقول المثقف كقوة فاعلة في المجتمع وهي طريقة مستخدمة بفاعلية في أغلب المجتمعات العربية والاسلامية والشرق أوسطية او المجتمعات التي تعييش سلسلة من الأزمات. من جانب آخر نجد ان المثقف ذاته يكون سببا في صناعة الازمة حين يترك دوره الاساس والانخراط في فعل السلطة ذاتها سواء كانت سلطة سياسية او اجتماعية او قبلية كما ذكرت ويضاف لها قوة الاقتصاد اذا ما كان المثقف قد تحول الى قوة اقتصادية ومالية يكون فيها مركزا وتجمعا للآخرين وهو هنا لا يستخدم السلطة لتثوير المجتمع لحل الأزمات بقدر ما يكون جزء من إبقاء الازمات على حالها ان لم يكن مشاركا بزيادة نقمتها وتوالدها لان في بقائها بقاء سلطة.. والمثقف هنا لا يكون مثقفا إيجابيا في المواجهة لبناء المجتمع بل هو مثقف سلبي والذي اقصده هو المثقف الصامت الذي يريد أن يكون الاخر كما يطلق عليه كبش الفداء ليحصد هو النتيجة وهذا ما يحصل في مجتمعنا حي يكون المتصدي الحالي هو نتاج صمته في أيام قيام المثقف الايجابي بأخذ دوره الحقيقي.. ان المثقف السلبي أحد اهم أزمات المثقف والثقافة في المجتمع لأنه قد يتوالد منه المثقف المنافق والمثقف النفعي والمثقف الخدمي والمثقف القزمي الذي يعتقد ان الرصيف هو المكان الأكثر أمانا له ويجنبه الخوض في معترك المواجهات وعليه ان يكون قادرا على التصيّد ومثل هكذا مثقف هو اس الصراع بين أزمة المثقف وأزمة الثقافة وهو الحلقة الاكثر تشويها من قبل الاخرين. من جهة ثالثة فان المثقف ايضا ليس سلطة مفردة بل هو حاصل جمع قول وقوة كلام المثقفين بمعنى ان المثقف مع الآخرين يكون قويا وإذا ما ترك لوحده فانه سيكون لقمة بسيطة لانتهائه إذا ما اراد التدخل لحل ازمات البلاد في ضعفها.. وان أكثر ما يمتلكه هو القول والفعل السلمي الذي يريده أن يؤثر ولكن هذا يحتاج الى شيئين نصرة المثقفين الاخرين المشابهين له لكي لا يتحول كل واحد منهم الى فرد سهل الافتراس والى قاعدة جماهيرية قادرة على المحافظة عليه والمادية بحقه والمدافعة عن وجوده إذا ما حصل له شيء يؤدي الى فقدانه حياته في حال استخدمت السلطات قوتها المدمرة لإخفاء ردة الفعل المقابلة لفعلها الدموي في الدولة الطاغية او الفعل الضعيف في حالة الدولة الضعيفة التي انكشفت كل عوراتها وصارت نهبا للأطماع..لذا فان العودة الى عنوان الازمة في المجتمعات الراخية او الضعيفة هي ان المثقف تأخر في أخذ دوره منذ البدء في حين تمكن السلطات الأخرى التي تملتك القوة تحت جناح الدولة من تقوية مراكزها سواء باستخدام القاعدة الجماهيرية التي يمكن استلاب عقلها بأفعال عاطفية او بالاستعانة بالمثقف السلبي او النفعي او الوصولي.. وان الحل يكمن ان المثقف يجمع قوته مع فعل وقوة مثقف آخر لكي يكون الحل ثقافيا وجماعيا لكي ترتخي قبضة الجهل واستغلال العاطفة الجماهيرية وبالتالي يمكن بناء مجتمع قادر على الاتصال مع التطور.
أقرأ ايضاً
- في العراق.. تتعدد الأزمات والمأزق واحد
- أزمة خلايا الأزمة في مواجهة الأزمات
- اللاوعي في فهم الأزمات ( كورونا انموذجا)