- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
اللاوعي في فهم الأزمات ( كورونا انموذجا)
حجم النص
بقلم:د. أحمد فاضل المسعودي
تجاهل البعض، وأخلص البعض الآخر، بين هذين التوجهين ينقسم المجتمع، في الأزمات، أما المتجاهل سواء كان بقصد أو بغير قصد، فهو يكون جزء من أسباب الانهيار، وابعاد المجتمع عن الإدراك والتركيز، حينها يصبح وضع المخلص أكثر صعوبة وحرجاً؛ لأنه يواجه ازمة مركبة تتكون من الأزمة نفسها، والمتجاهل لها.
كما أن الطبيعة التكوينية للمجتمع عند استقراره على حال معين ينسى أو يتناسى أن هناك أزمات بانتظاره، وأن كان هناك تصور معين لاستقراء المستقبل وأزماته، لكن لم يكن لديه تصور أن تأتي أزمة صحية فتّاكة كهذه التي نحن عليها الآن، رغم أن تلك الأزمات ليس بغريبة، فهي تتكرر على مر العصور كما حدث في ازمات أمراض: طاعون جستنيان: وباء أصاب الإمبراطورية البيزنطية وخاصة عاصمتها القسطنطينية، والمدن الساحلية حول البحر الأبيض المتوسط وأوروبا وآسيا وتسبب في وفاة بين 30 و50 مليون شخص، وهو ما قد يعادل نصف سكان العالم في ذلك الوقت. وأزمة الموت الأسود ( الطاعون الأسود)، في القرن الرابع عشر أدى إلى وفاة ما يصل إلى 200 مليون شخص في شمال أفريقيا وآسيا وأوروبا، فحوالي 30 إلى 60 في المئة من سكان أوروبا لقوا حتفهم. وبعدها طاعون لندن العظيم الذي ظهر على فترات متقطعة بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر (حوالي 40 مرة في 300 عام)، وكان يؤدي إلى وفاة 20 في المئة من سكان لندن في كل مرة. وآخر موجة وهي الأسوأ له كانت في المدة من 1665 و1666 وأسفرت عن مقتل 100 ألف من سكان لندن في سبعة أشهر فقط.
كذلك أزمة مرض الجدري الذي اجتاح أوروبا وآسيا وشبه الجزيرة العربية لقرون عدة، وقتل ثلاثة من كل 10 أشخاص.
تجددت هذه الأزمات في القرن الواحد والعشرون مع كورونا، وتجددت معها أزمات المجتمع، وبدأت المواجهة صحياً، فرغم التقدم الحاصل في العلم لكن هزمت البشرية أمامه، وهذا هو الاختبار الحقيقي لضعف الإنسان أما الأزمات.
أما المواجهة اجتماعياً، فلم تكن بالمستوى المطلوب وهذا نابع من اللاوعي في مواجهة الأزمات التي كان على العقل الجمعي استيعابها، والركون إلى المختصين في هكذا مفاجأة قدر الإمكان، فلدينا علماء ومراجع وحكماء نوهوا ووجهوا، وهذا التوجيه نابع عن قراءة مستفيضة، وعلم نافع، لهكذا مواقف، وأنهم أول من وجه باحتواء الأزمة عن طريق مجموعة من التوصيات التي تتمثل بالبقاء في البيوت، وترك التجمعات مهما كانت مهمة وغيرها من التوجيهات التي تضمن مواجهة تلك الأزمة، إلا(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ)، مع الالتزام بأدق تفاصيل التوجيهات التي تضمن السلامة، غير أن نسبة الالتزام بها كان خجولاً، وهذا ما يؤسف له، إذ أن الضرر الذي سيعكسه التمرد على هذه التوصيات كبير جدا ثمنه حياة الناس، وهذا ضرر كبير إذا ما قورن بترك عمل ما مؤقتاً، أو التوقف عن زيارة صديق، أو حدوث ازمة مالية رغم صعوبتها، فأن ما يقوم به أقل وطئه من فقدان أحد أفراد العائلة، أو العائلة بأكملها نتيجة عدم الالتزام.
الحل يكمن في الشعور بالمسؤولية داخل كل شخص فأن لا يعنيه أمر نفسه، عليه أن يعنيه أمر عائلته، والمجتمع، والتكاتف بين أفراد المجتمع انطلاقا من قول النبي محمد (ص):" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
أن هذه المنطلقات الإسلامية والإنسانية المجتمعية تحتم علينا الشعور بالمسؤولية الكبيرة تجاه ما نقوم به من سلوك مجتمعي متعلق بجائحة كورونا كي نتمكن من عبور الأزمة بسلام وأقل الخسائر، واذا ما تحققت أهداف المواجهة فأن النجاح يحسب للمجتمع ككل، ويثاب عليه ممن صمدوا والتزموا وعانوا من جراء ذلك.
أقرأ ايضاً
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2