حجم النص
بقلم:نــــــــزار حيدر كيفَ يُمْكِنُ للمرءِ ان يتركَ أَثراً في الحياةِ بعد رحيلهِِ عنها؟. كيفَ يُمكنهُ ان يحصلَ على وِسامِ [لسانُ الصّدق] عِنْدَ النّاس بعد موتهِ؟ كما في قولهِ تعالى {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} او كما يُعبِّرُ عنه امير المؤمنين (ع) بقوله {وَلِسَانُ الصِّدْقِ يَجْعَلُهُ اللهُ لِلْمَرْءِ في النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ المَالِ: يُورِثُهُ غيرَهُ}. انّ [لسانَ الصّدق] هو النتيجة الطبيعية للحياة الطّيبة التي يعيشها المرء، فاذا حقق الانسانُ مفهوم قول امير المؤمنين (ع) {وَامْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْياً سُجُحاً} في حياتهِ فسيحصل على وسام [لسان الصّدق] بلا عَناء، والعكس هو الصّحيح، فاذا كانت حياتهُ أَبعد ما تكون عن ذلك فسوف لن يحصلَ عليه ابداً. والحياة لا تُقاسُ بالزّمن، كما انّ عُمْرَ الانسانِ لا يُقاسُ بالزّمن وانّما بالانجاز وبما يترك خلفهُ من عملٍ صالحٍ ينفعُ النَّاسَ، وبما يقدّمُ لآخرتهِ، وبما يتركُ من أَثَرٍ، وصدق الشّاعر الذي قال؛ عِـشْ في زمانِكَ ما استطعتَ نبيلا واتـركْ حـديثَكَ لـلرُّواةِ جـميلا ولـعزِّكَ اسـترخِص حـياتكَ إِنَّهُ أغـلـى وإلا غـادرتـْك ذلـيـلا تـعطي الـحياةُ قـيادَها لـك كلَّما صـيَّـرتها لـلـمكرُمات ذلـولا الـعزُّ مـقياسُ الـحياة وظـلَّ مَن قـد عـدَّ مـقياسَ الـحياةِ الطُّولا قل كيف عاشَ ولا تقُل كم عاش مَن جَـعَلَ الـحياةَ إلـى عُـلاه سبيلا ما غـرَّ إن طَـوَتِ المنيّة ماجداً كـثُرت مـحاسنُهُ وعـاشَ قـليلا مــا كـان لـلأحرارِ إلا قـُدوةً بـطلٌ تـوسَّد فـي الطُّفوفِ قتيلا بـعـثتهُ اسـفـارُ الـحقائِقِ آيـةً لا تـقـبلِ الـتـّفسيرَ والـتَّأويلا يَـدوي صَداها في المسامِع زاجِراً مـنعَـلَّ ضَـيماً واستكانَ خُمولا لا زالَ يـقرَؤها الـزّمانُ مـعظِّماً فــي شَـأنها ويـزيدُها تَـرتيلا لذلك خلّدَ التاريخُ ميّتاً في ريعانِ شبابهِ لِما خلّفَ من أثرٍ في الحياةِ بعد رحيلهِ عنها، وطوى النسيانُ ذكرى امواتٍ عاشوا عمراً مديداً لأنّهم لم يتركوا ايَّ أثرٍ بعد رحيلهم. والفقيد السّعيد المرحوم السَّيّد مُحَمَّدٍ جواد الحسيني الشيرازي نموذجٌ للإنسان الذي يُغادرنا في ريعان الشّباب وقد خلّفَ وراءه أثراً لمسناهُ في حالةِ الحزنِ على فراقه والصّدمةِ والذّهول التي عمّت وخيّمت على الجميع وعلى وجهِ الخصوص الحواضر الدينيّة العلميّة في النّجف الأشرف وكربلاء المقدّسة وقم المقدّسة ومشهد المقدّسة، والتي خرجت عن بِكرةِ ابيها معزّيةً، فصلّى على جنازتهِ المرجع الديني الكبير سماحة السيد محمد سعيد الحكيم، وحمل نعشهُ مع المشيّعين عدد من مراجع الدّين والفقهاء، وشارك في مراسيم التشييع ومجالس الفاتحة التي أقيمت على روحه الطّاهرة المراجع العظام والفقهاء الاعلام واساتذة البحث الخارج والعلماء والخطباء وطلبة العلوم الدّينية وجمهور عظيم من المؤمنين، وعلى رأسهم المرجع الأعلى بنجلَيهِ الكريمَين ووكيلَيهِ المطلقَين ومُمثِّلَيهِ في كربلاء المقدسة، وبقية مراجع الدّين العظام الذين حضروا بأنفسهم أو بأنجالهم ووكلائِهم. انّ هذا الحضور والمشاركة الواسعة، النّوعيّة والكمّيّة، هو تكريمٌ للعلمِ والعلماء، وتكريمٌ لحياة هذا الشّاب الفقيد المفعمة بالنّشاط والحيويّة والمُثابرة، والذي لم يرهُ المقرّبون مِنْهُ الا رائحٌ لدرسٍ او غادٍ من بحثٍ او مشغولٌ في عملٍ صالحٍ او يقضي حاجةَ مؤمنٍ او يُساعدُ زملاءه الطلبة والأساتذة بأمرٍ يخصّ الدّرس والبحث وشؤون الحوزة العلميّة. كما انّهُ تكريمٌ لهذه الاسرة الكريمة (آل الشّيرازيّ) التي يمتدُّ تاريخها العلمي والمرجعي والفقهي والجهادي الى اكثر من قرنَين كامِلَين من الزّمن، وبمساحةٍ جُغرافيَّةٍ تمتدّ لتشمل المنطقة كلّها بما فيها العراق وإيران ودول الخليج بالإضافة الى العالم العربي والإسلامي، فإذا ذُكر العلمُ والفقهُ كانوا أساتذتهُ، وإذا ذُكر النّتاج الفكري والثّقافي والأدبي كانوا روّادهُ، وإذا ذُكرت المؤسّسات والحوزات العلميّة كانوا بُناتها ورُعاتها، وإذا ذُكر الجهاد والنّضال من أجل بيضة الاسلام والمستضعَفين ودفاعاً عن الحقوق وعن حياض الامّة والبلاد الاسلاميّة كانوا قادتهُ، وإذا ذُكرت التّضحية والشّهادة في سبيل الله تعالى كانوا عِنوانها، وإذا ذُكر الخُلقُ الرّفيع والتّواضع والبساطة في المعاش كانوا نُموذجهُ العمليّ الذي يُحتذى. انّ الفقيد هو فرعٌ من هذه الدّوحة الحسينيّة، وغصنٌ من هذه الشَّجَرَة المحمديّة الباسقة. نما وشبَّ وتربّى وترعرع وتعلّمَ الفقيد في كنفِ مرجعَين عظيمَينِ من مراجعِ الامّة الا وهما جدّهُ المرجع الرّاحِلُ السَّيّد محمّد الشّيرازي والمرجع المُعاصر الكبير السَّيّد صادق الشّيرازي، بالاضافة الى عدد من الفقهاء وعلى رأسهم عمّه الفقيه الفقيد السيّد رضا الشّيرازي ووالدهُ الفقيه السَّيّد مرتضى الشّيرازي [الذي اشتهر بالعلمِ الغزير ونتاجهِ الفكري والعلمي الحوزوي الكثير ولعلّ من ابرز واشهر نتاجهُ هو سِفرهُ المعروف (شورى الفُقهاء) الذي يقع في ستّةِ مجلّدات، وهو بحثٌ فقهيٌّ وأصوليٌّ للنظريّة التي كان يتبنّاها المرجع الشّيرازي الرّاحِلُ، كان قد دوّنهُ سيّدنا المرتضى في بداية مشوارهِ العلمي الحوزوي والذي حصل به على درجة الاجتهاد من كبار مراجع الدّين في قم المقدّسة وهو بعدُ في عقده الثّالث من عُمرهِ] وكذلك عمّهُ الآخر الفقيه السيد جعفر الشّيرازي وآخرون. والذي أرى من اللازم ذكرهُ بهذه المناسبة، هو: انّ الانتماءَ يُقاسُ بالمنهجِ والمدرسةِ وليس بالدّم والقُربى، ولذلك ردّ الله تعالى نبيّهُ نوحٌ عليه السّلام بقوله في محكم كتابه الكريم؛ {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ* قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}. ولقد ابتُليَ الكثير من الأنبياء والأئمة ومراجع الدّين بمثل نموذج (ابْنُ نوح) لا ينبغي أبداً تحميل المنهج والمدرسة انحرافاتهم وأخطاءهم وما يدّعونه من انتماءٍ وتمثيلٍ. فالمنهج واضح ومعالم المدرسة واضحة، وليس مطلوبٌ من المرجع ان يقول في كلّ مرّةٍ مَن الذي يُمثّلهُ ومَن الذي لا يُمثّلهُ!. أخيراً؛ لِسانان لا ينبغي ان يُعيرهما احدٌ ايّة أهميّة، وان لا يصغي لهما احدٌ: الاوّل: كلُّ لسانٍ بذيءٍ وعقلٍ رديءٍ يدّعي الانتماء الى هذه المدرسة العريقة والمرجعيّة النّقيّة الطّاهرة التي تقطُرُ بلسانِها وعملِها وسلوكها ونتاجها المعرفي إيماناً وعِلماً نافعاً وعملاً صالحاً وخُلقاً رفيعاً ومنطقاً حاذقاً. الثّاني: كلُّ لسانٍ بذيءٍ وعقلٍ رديءٍ ينالُ من هذه المدرسة العريقة والمرجعيّة النّقيّة الطّاهرة. وصدق الله العليّ العظيم الذي قال في محكمِ كتابهِ الكريم {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ* لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَىٰ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}. *ملخّص المحاضرة التي القيتُها في مجلس تأبين المرحوم المغفور له الفقيد السّعيد السيد محمد جواد الحسيني الشيرازي المُقام في مركز الامام علي (ع) في العاصمة الأميركية واشنطن يوم الخميس (١٤ كانون الثّاني ٢٠١٦). E-mail: nhaidar@hotmail. com
أقرأ ايضاً
- رَأيٌ فِي الحُكُومَةِ الجَدِيدةِ!..الحَشدُ الشَّعبي عِنوانٌ دُستُورِيٌّ!
- مجموعةُ حكاياتٌ مِنْ وادي الرافدين.. فِي أمسيةٍ بملتقى رضا علوان الثقافي
- فِي ذِكْرى شَهَادَةِ رَاهِبُ أَهْلِ الْبَيْتِ الأَمام موسى الكاظِم (ع)؛ المَظْلُومِيَّةُ بِالْمَفْهُومِ القُرْآنِيِّ[٢]