- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
فِي ذِكْرى شَهَادَةِ رَاهِبُ أَهْلِ الْبَيْتِ الأَمام موسى الكاظِم (ع)؛ المَظْلُومِيَّةُ بِالْمَفْهُومِ القُرْآنِيِّ[٢]
حجم النص
بقلم:نـــــــــزار حيدر إِذا أَردنا أَن نعرفَ جواب السُّؤال [ما معنى المظلوميَّة التي تجسَّدت في سيرةِ أَهل البيت (ع)؟!.] تعالوا نستنطِق آيات القرآن الكريم، أَوليس الأَئمَّة المعصومون عليهمُ السَّلام هُم عِدلُ القرآن وهم القرآن النَّاطق والمُجسِّد الحقيقي والواقعي لآياتهِ وأَخلاقيَّاتهِ ومناقبيَّاتهِ وسيرتهِ وكلُّ ما وردَ فيهِ من حِكَمٍ وأَوامر ونواهي؟!. أَوَلم يقُل رَسُولُ الله (ص) {عليُّ معَ القُرآن والقُرآن مع عليٍّ}؟!. لقد وردَ مُصطلح الاستضعاف بصِيَغهِ المتعدِّدة مرَّاتٍ عدَّة في القرآن الكريم، تارةً بمعنى الذمِّ وأُخرى بمعنى المديح!. صيغةُ الذمِّ وردت عندما يكونُ المُستضعف خاضِعاً للظَّالم ومُستسلِماً لحالهِ وواقعهِ، فلا يُحاولُ الاصلاح والتَّغيير والانعتاق من حالةِ الاستضعافِ! وكأَنَّها قدرَهُ المحتوم والمكتوب الذي لا مفرَّ مِنْهُ! كما قي قوله تعالى؛ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. ففي هذهِ الآيةِ الكريمةِ يحثُّ الله تعالى المُستضعَف على الحركة والتحوُّل من مكانٍ لآخر لمواجهةِ حالة الاستضعاف وتحدِّي المظلوميَّة، اذ لا يقبل الله تعالى من عبدهِ المُستضعَف الحُجَّة التي يتذرَّع بها للهرَبِ من المسؤوليَّة والعبادة!. إِنَّ الاستسلام لحالةِ الاستضعافِ وعدم السَّعي للتخلُّص منها يعتبرهُ المشرِّع ظلمٌ للنَّفس! وأَنَّ الذين يتلذَّذون أَو يتباكَونَ لحالة الاستضعافِ ظالمونَ لأَنفسهِم! فحالتهُم غَير مبرَّرة أَبداً، فالتَّمسكُنُ هنا حالةً مذمومةً وقبيحةً!. أَمَّا في قولهِ تعالى؛ {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}. وقولهُ تعالى؛ {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}. فانَّ الله تعالى يميِّز بين فئتَين في المجتمع، فئةٌ مظلومةٌ ومستضعفةٌ ليس بيدِها حولٌ ولا قوَّةٌ لدفعِ الظُّلم عنها، وهم النِّساء والأَطفال والشُّيوخ من كبارِ السنِّ وأَمثالهم. أَمَّا الثَّانية فهي الفئة التي قد تَكُونُ مستضعفةً إِلّا أَنَّها قادرةٌ على دفعِ الظُّلمِ عن نفسِها! ولكن هذا لا يكفي بنصِّ الآيةِ وإِنَّما يتحتَّم عليها أَن تتحمَّل مسؤوليَّة رفع الظُّلم عن الفئةِ العاجزةِ عن ردِّهِ عن نفسِها! ولذلك حثَّت أَلآيةُ هؤلاء على القِتال لدفعِ الظُّلمِ وحالةِ الاستضعافِ عن نفسِها وعن غيرِها من الفئاتِ المظلومةِ والمستضعَفةِ العاجزَةِ عن القِتالِ وردِّ الظُّلم واستبدالِ حالةِ الاستضعاف!. بمعنى آخر فانَّ القُدرة على ردِّ الظُّلم مسؤوليَّةٌ يتحمَّلها المرءُ الذي يُنعمُ عليهِ ربُّ العالمَين بالقدرةِ الكافيَةِ والأَسبابِ الموجبةِ لذلك! وإِنَّ القِتال لدفعِ الظُّلم عن المستضعَفين بمثابةِ زكاةِ القوَّة والتَّمكين والاقتدار الذي يهبهُ الله تعالى لعبدهِ!. فلقد جَاءَت الصِّيغة في الآيةِ المذكورةِ بالأَمرِ والاستنكار! وكأَنَّها تُريدُ القولَ بأَنَّ عدم القِتال في سَبِيلِ المستضعَفين جريمةٌ أَو على الأَقلِّ تقصيرٌ متعمَّد يُحاسب عليه صاحبهُ! خاصَّةً وأَنَّ الآيةَ ساوت بين القِتال في سبيل الله والقتال في سَبِيلِ المستضعَفين! طبعاً من دونِ تمييزٍ على اعتبار أَنَّ القِتال هنا لحمايةِ الانسان المستضعف بعيداً عن كلِّ أَنواع التَّمييز. وربَّما في كلامِ الامامِ أَميرِ المؤمنين (ع) التَّالي إِشارةً الى هذا المعنى [زكاةُ التَّمكين]. فمِِن كلامٍ لَهُ قالهُ لأَصحابهِِ في ساعةِ الحَرْبِ؛ {وَأَيُّ امْرِىء مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْش عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَرَأَى مِنْ أَحَد مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلاً، فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ الَّتي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ}. وعندما يتجسَّد هذا المعنى في الأُمَّة يأتي وعدُ الله لعبادهِ المستضعَفين كما في قولهِ تعالى؛ {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}. *يتبع
أقرأ ايضاً
- في رحاب باب الحوائج موسى كاظم الغيظ
- صرار موسى بن جعفر (عليه السلام)
- الإمام موسى الكاظم(ع) باب الحوائج/2