- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
فِي ذِكْرى شَهَادَةِ رَاهِبُ أَهْلِ الْبَيْتِ الأَمام موسى الكاظِم (ع):المَظْلُومِيَّةُ بِالْمَفْهُومِ القُرْآنِيِّ [١]
حجم النص
نـــــــــزار حيدر سُئِلَ تلميذٌ [شيعيٌّ] في مدرسةٍ إِعداديَّةٍ هنا في الولايات المتَّحدة الأَميركيَّة، من بقيَّة زملائهِ الطُّلَّاب عن نوعِ الاسلامِ الذي يتَّبعهُ؟! بعد أَن راجَ هنا مُصطلح [الارهاب الاسلامي] في الفترةِ الأَخيرةِ! فأَجابهم بلغةِ الإشارةِ على اعتبارِها سهلةَ الفِهم والإِدراك وسريعة الاستيعاب، اذ وضعَ يدهُ اليُمنى على صدرهِ، ليقولَ لهم أَنَّهُ يتَّبِع الدِّين الذي يلطُم أَتباعهُ صدورهُم على الحُسين الشَّهيد (ع) تمييزاً عن الإشارة الثَّانية التي أَصبحت بمرورِ الوقتِ شِعاراً للارهاب باسم الدِّين أَو ما يُعرف بالارهابِ [الاسلامي] أَلا وهي تمرير اليدِ اليُمنى على الرَّقبة كإشارةٍ للذَّبح!. لقد كان التِّلميذُ بليغاً جدّاً في جوابهِ بهذهِ الإشارةِ! فلقد لخَّص فلسفة القصَّة بلحظةٍ واحدةْ يستوعبها كلُّ مَن يشاهدهُ بلا عناء او حتَّى طول تفكيرٍ! فاللَّطم على الصُّدور من علامات المظلوميَّة والاستضعافِ، أَي أَنَّ هناك مظلوماً مقهوراً يتعرَّض لعسفِ الظَّالم وسيفِ القاتل وتعذيب السجَّان وقهرِ الاستبداد وطُغيان الدِّيكتاتور! على الهويَّة أَولاً ولأَنَّهُ يُطالب بحقوقهِ [حريَّتهُ وكرامتهُ] ثانِياً. وبالمناسبة فانَّ الإشارةِ كذلك هي الحركة التي يفعلها الأَميركيُّون عندما يقفونَ إِحتراماً للإصغاءِ الى عزف النَّشيد الوطني! وهي نفسها التي تدلُّ على الحبِّ والتَّعارف والتَّعايش والاحترام عندما يضع المرءُ يدهُ اليُمنى على جِهة القلبِ من الصَّدر!. وهكذا هي الشَّعائر الحسينيَّة الأَصيلة، فلكلِّ واحِدٍ منها معنىً ورسالة يسعى أَنصارُ أَهلِ البيت عليهم السَّلام لإيصالِها الى العالم ليميِّزوا بين الجلَّاد والضَّحيَّة! وبين إِسلامَين متناقضَين إِسلامُ الآل (ع) الذي يفيضُ عِلماً وخلُقاً وطهارةً ونقاءً وتضحيةً من أَجْلِ الانسانِ بلا تمييز {فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ} وإِسلام الخُلفاء الذي أَنتجَ الارهاب على مرِّ التَّاريخ! وبكلِّ أَشكالهِ ومن أَخطرهِ الارْهابِ الفكري!. إِنَّ هذه الشعائِر علاماتُ الاستضعافِ والمظلوميَّة، من جانبٍ، وعلاماتُ الدِّفاعِ عنها، من جانبٍ آخر، ولذلك حثَّ عليها أَهلُ البيتِ (ع) لتبليغِ المظلوميَّة للبشريَّة مع تعاقب الأَجيالِ! ولتكونَ لنا رقيباً ذاتيّاً شاخصاً فلا نظلمُ عندَ القُدرةِ والاستطاعةِ وعندما نتمكَّن من السُّلطةِ بكلِّ أَنواعِها!. ولقد جسَّد أَهلُ البيت (ع) معاني المظلوميَّة في كلِّ المراحل وفي كلِّ الظُّروف! حتّى عندما كان أَميرُ المؤمنين (ع) خليفةً للمسلمين والحاكم الأَعلى للدَّولة ظلَّ يجسِّد رمز المظلوميَّة بكلِّ صورِها فلم يتجاوز على حقِّ أَحدٍ أَبداً ولم يُهمل واجباتهِ أَو يتجاهلها إِزاء الرَّعيَّة! بل أَنَّهُ كان يتنازل عن حقِّهِ الخاصّ لصالح الحقِّ العام! فلقد كانت العدالة هدفهُ الأَسمى سواءً كان في السُّلطة أَو خارجها! لأَنَّهُ كان يُؤمن متيقِّناً بأَنَّ {في العَدْلِ سَعَةً، وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ العَدْلُ، فَالجَوْرُ عَلَيْهِ أَضيَقُ!} لدرجةٍ أَنَّهُ كان يرفض أَن يحدِّث نَفْسَهُ بظلمِ نملةٍ حقَّها فقالَ (ع) {وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاَْقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ} لأَنَّهُ كان يتعامل مع السُّلطة كأَداةٍ لتحقيقِ هدفٍ وليسَ كهدفٍ يسعى إِليهِ المرءُ بكلِّ الطُّرق المشروعة وغير المشروعة، فالدُّنيا في مفهومِ الامام، والتي تعني هنا السُّلطة {لاََهْوَنُ مِنْ وَرَقَة فِي فَمِ جَرَادَة تَقْضَمُهَا، مَا لِعَلِيّ وَلِنَعِيم يَفْنَى، وَلَذَّة لاَ تَبْقَى!}. ولشدَّة ما تعرَّض الامامُ (ع) من مظلوميَّة وهو في السُّلطة صوَّرها بقولهِ البليغ {لَوْ قَدِ اسْتَوَتْ قَدَمَايَ مِنْ هذِهِ الْمَدَاحِضِ [المَدَاحِض: المَزَالِقُ، يريدُ بها الفِتن التي ثارت عليهِ] لَغَيَّرْتُ أَشْيَاءَ}. ولقد جسَّد الامامُ مُوسى بن جَعْفَرٍ الكاظِم (ع) [تُصادفُ اليوم ذِكْرى استشهادهِ على يدِ الخليفة العبَّاسي الظَّالم (هارون الرَّشيد)]! كلَّ معاني المظلوميَّة في حياتهِ حالهُ حالَ الأَئمَّة (ع). ولكن؛ أَيَّة مظلوميَّة؟! وبعبارةٍ أُخرى؛ ما معنى المظلوميَّة هنا التي تجسَّدت في سيرةِ أَهل البيت (ع)؟!.