حجم النص
بقلم د. إبراهيم الجعفري مقاسات الزمن ليست واحدة فزمن الانتظار بالمعاناة يختلف عن زمن الاسترخاء باللذة؛ ووحداته تختلف تبعاً لذلك... من هنا كان للأسماء معان مجردة ومعان نسبية مقرونة بعطاءات معينة... فالزمن المقرون بالعبادة والتفكر والعطاء والعمل غير الزمن العادي فقد جاء على لسان الحديث:" تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة "... تفكر يتحول إلى عبادة والساعة تتحول إلى خير من سبعين سنة... إنها تعكس قيمة التفكر عند الله تعالى وتعكس كرم الرحمن الذي يمنحه لعباده... " أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات وهو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ". هذه اللوحة النبوية الطاهرة تقدم للإنسان خميرة عناصر عدة روحية ومعرفية ونفسية واخلاقية واجتماعية تتمازج مع بعضها لتنتج منه إنساناً نوعياً يكبر في وحدات التقييم من كونه "إنسان الفرد" الى "إنسان الأمة"... " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم..." أفضل شهرٍ وأفضل يوم وأفضل ليلةٍ وأفضل ساعةٍ انها مفردات الزمن النوعي التي تفرضُ وحدات نوعية للزمن وهي غير الوحدات التقليدية المعروفة... الناظر منّا الى تاريخه شخصياً بدقّة سيجد بعض المقاطع الزمنية تختلف عن كلِّ مثيلاتها... عامٌ يختلف عن أعوام؛ وشهرٌ يختلف عن شهور؛ ويومٌ يختلف عن أيامٍ... غير أنَّ الوحدات الزمنية هذه تكتسب القيمة النوعية بما تقترن به من جعول أو أحداث أو آثار أو إقبال نفسي أو نتاجات معنوية او مادية... لا نستطيع ان نوقف حركة الزمن كما لا نستطيع أن نزيد أعمارنا بسنواتٍ إضافية؛ لكننا نستطيع أن نتعامل "بالزمن النوعي" الذي يجعل من الساعة العادية واليوم العادي والشهر العادي ساعةً ويوماً وشهراً نوعياً... بدوافعه وبأهدافه وبغايته وعلاماته باعتبارها الحجوم النوعية لما نكسب وما نؤثر بالحق وما نحقق من نتائج... الاتساع بالمسؤوليات والكثرة في تناول مفردات الاهتمامات السلوكية تستغرق زمناً إضافياً ووعاء الزمن التقليدي محدود لا يستوعب إضافاتٍ كبيرةً كهذه... خصوصاً وإنَّ ثوابت الالتزام تستغرق زمناً ثابتا أحياناً كزمن العبادة اذ لا يمكن تقليصها فضلاً عن إلغائها... وثوابت أخرى من الالتزام يمكن تدويرها " للزمن النوعي" حين يكون لك طفلٌ واحد يحتاج زمناً للوفاء بحقه وهو غير أن يكون لك بضعة أطفال... وحين تكون دائرة علاقاتك بالعشرات من الاخوان غير أن تكون بالمئات أو الألوف... من أجل ألّا تكون الزيادة مدعاةً للقطيعة والعياذ بالله فلا بد من اعتماد الزمن النوعي الذي يعطي نتاج الزمن الطويل رغم قصره والفعل الكبير رغم صغره ليلتقي "الزمن النوعي" ب"العمل النوعي"... ماذا تتطلب العلاقة مع الآخر أيّاً كان من محتوى ؟؟... انها ولا شك تتطلب عاطفةً صادقة ورأياً سديداً ومساعدةً داعمة ً ومعاشرةً حسنةً... هذه يمكن تقديمها كمزيج متجانس وان قصرت فترة التعاطي... أحد دروس الشهر المبارك هو التفاعل والتمازج (التماهي) بالزمن الرمضاني المقرون بالتقوى والعبادة والصبر والتحكم بالشهوات.