- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
آليات الحكومة والزمن الضائع ..
بقلم: حسين فرحان
في منطقة سكنية شيدت على أرض زراعية لم تصنف بعد الى الفئة التي تمنحها الحق في الخدمات، عقد الأهالي ليلا اجتماعهم الطاريء في مضيف أكبر البيوت مساحة، لم يكن صاحب المضيف شيخا من الشيوخ أصحاب الدلال والفناجين، لكنه كان رجلا مترفا قياسا بمن حوله من البسطاء، أذ يمتلك هذه الدار الواسعة التي يجتمعون فيها للتداول بشأن قضاياهم العالقة او الطارئة، وقد كان اجتماعهم هذه المرة حول أصلاح أنبوب الماء الرئيسي الذي يغذي منطقتهم بعد أن تعرض للكسر بسبب مرور شاحنة كبيرة محملة بالطابوق فوقه ..المنطقة بأكملها بلا ماء وكل ماتبقى لديهم هو الخزين الإستراتيجي في الخزانات على أسطح المنازل وقد خلا بعضها منه فصار البعض يستعين بجاره لتمشية الحال ببعض (اللترات).
استقبلهم صاحب الدار الوسيعة هاشا باشا، فأكرم وفادتهم والشعور بأنه قطب الرحى لايكاد يفارقه، مع ابتسامة فخر تعلو محياه .. خاض القوم في تفاصيل واقعة كسر الانبوب وماترتب عليها من آثار لعل من أهمها أن بعضهم غير قادر على الاستحمام في وسط هذا الطقس الصيفي اللاهب وأن مبردات الهواء لا تنفث سوى حر السموم .. كان لابد لهم من قرار سريع حاسم، لم يتاخروا كثيرا في اتخاذه حيث اتفقوا على أن يباشروا بأعمال الحفر مع بزوغ شمس الغد.
كان القرار أن يتم الحفر بشكل يدوي، فاستئجار آلة للحفر قد يكلفهم مالايطيقون، وقد انبرى للمهمة -تطوعا- بعض الرجال الأشداء الذين يمتهنون أعمال البناء، فيما جمعوا مبلغا من المال لشراء مايحتاجونه من مواد لاصلاح كسر الانبوب .
في صباح اليوم التالي، كان المتطوعون قد باشروا الحفر في أرض قاسية مليئة بالحجر والطابوق، يحيط بهم أهالي المنطقة في مشهد يشبه الى حد بعيد مشهد حفر القبر لميت أحاطت به عشيرته .. مضت ساعات طوال ولم يحفر الرجال الأشداء سوى بضعة أشبار في هذه الأرض القاسية، ومازال الأنبوب يقبع تحت الأرض لم تطلع عليه الشمس بعد .
إنقضى النهار ولم يستطع العمال تجاوز هذا الحد من الحفر، عندها كان للقوم رأي آخر هو الاستعانة بآلة الحفر، لكن أين سيجدونها ؟ قال لهم كبيرهم: سأتصل بشخص يعمل في البلدية لعله يساعدنا، لكن هاتفي بلا رصيد .. قبح الله شركة النقال التي جعلت من هاتفي مدين لها بمبلغ القيمة المحولة .. ضحك الجميع وهم ينتظرون ان يبادر أحدهم بالإتصال وينفق بعض الدنانير أو ( السنتات ) على مكالمة تجلب لهم آلة الحفر.
في اليوم التالي كانت الآلة في موقع العمل بعد مفاوضات مع السائق الذي طلب مبلغا كبيرا، رغم أن الآلة حكومية، لكنه كان يبرر لهم أن أرضهم زراعية وهي بذلك ليست مشمولة بالخدمات، وأن مدير البلدية يحاسبه عن كل عمل خارجي ولايرضى إلا بالنصف .. كانوا مجبرين على تصديقه فالمهم أن تعود المياه إلى مجاريها عبر هذا الأنبوب المكسور.
احضر أحدهم الفطور لجناب السائق وقدم الآخر له علبة دخان ليباشر بعدها بعمله، نزلت الآلة الحكومية على هذه الأرض القاسية التي أنهكت الأشداء لتقتلع منها قطعة كبيرة، تلتها أخرى ليظهر هذا الكائن المكسور والمياه تتفجر من جوانبه.
لم يدم الأمر طويلا حيث استغرق الحفر ١٥ دقيقة لا غيرها .. وأنجز العمل كله في ساعتين تقريبا،
استلم السائق نصيبه وهو يعزل حصة المدير متذمرا، وعاد الرجال إلى منازلهم لينعموا بماء عذب وهواء بارد في خربة من خرائب هذا البلد، وبعضهم يتسائل : ماذا لو أن كل آليات الحكومة وضعت بأياد نزيهة وعملت بلا توقف طيلة ١٧ عاما ؟ أما كان العراق غير العراق اليوم ؟
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً