بقلم : مصطفى فريق الفتلاوي
الحرب مرّت شأنها شأن أي ظاهرة اجتماعية أخرى بمراحل تطوّر مختلفة، في وسائلها وأساليبها وخططها وأدواتها عبر الزمن حتى وصلت إلى ما نحن عليه اليوم، وستبقى في تطوّر دائم ولن تقف عند هذا الحد، فبعد أن كانت الحرب تتمّ بالأسلحة البدائية والبسيطة وتعتمد على العنصر البشريّ بالدرجة الأساس فكانت الخسائر البشرية فيها فادحة، فالمعارك كانت عبارة عن قتال مباشر بين جيوش نظامية. أما اليوم فقد تغيّر الحال وأصبحنا أمام طرق جديدة في إدارة الحروب وأساليبها بعد أن تدخل العلم والتكنولوجيا بشكل فعّال، وباتت هي العنصر الرئيس في الحرب، وتراجع الاعتماد على البشر. فحرب التكنولوجيا والمعلومات أو الحرب السيبرانية هي الشكل الجديد للحروب، فجيوش الدول المتقدّمة هي الجيوش التي لديها قوة معرفية وعلمية في استخدام التكنولوجيا وتوظفها في معارك تستطيع من طرقها تدمير أعدائها بكل سهولة وبأقل خسائر، ليس فقد عسكريًا أو أمنيًّا، لا بل في كلّ مناحي الحياة الاقتصادية والنفسية كالمعامل، والمصانع، والخدمات أيضًا فتعطيل شبكات المطارات والقطارات والمترو ومنظومات الاتصال والإنترنيت وكل ما هو مرتبط به يصيب العدو بالشلل التام. فالناس سابقًا كانت تقاتل بالسيوف ومن ثمّ بالبنادق إلى أن وصلنا إلى المسيّرات وغدًا ربما يكون القتال بالروبوتات، وهذا طبيعي جدًّا لكن الغريب هنا هو أن تبقى دولنا تعتمد على الأساليب التقليدية في الحرب متأخرة عن ركب العالم معتمدة فقط على الجانب العاطفي أو الديني أي (العقيدة والحماسة والاندفاع ونظام الفزعة). لا شك أن الدعاء والجانب العاطفي له دور كبير في تسيير المجتمع بل وبث الروح المعنوية فيه، فهذه من الأساليب التي دعا إليها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، إلا أن ذلك وحده لم يعد يجدي نفعًا إزاء هذه التطوّر المرعب لجيوش العالم المتقدمة، إذ لابد من مواكبة التطور الحاصل في هذا المجال، فالقرآن الكريم لم يقف عند الدعاء بل جاء فيه (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) فإلى الجانب الدعائي ينبغي وجود الجانب المادي المتمثل بالسلاح والعتاد ما إلى ذلك، والمتصفح لسيرة النبي (ص) يجد أنه لم يتوقف على الدعاء بل كان يقرنه بالقتال والدفاع والسلاح، وهذا خير دليل على ألا تكون بعض المجتمعات راكنة إلى الدعاء دون مواصلة التطور العسكري. ولعلنا شاهدنا المساحة الشاسعة بيننا وبين العدو الإسرائيلي في (حادثة البيجر) فأين نحن وأين هم؟ فلا قياس بين الحالين، عدو انتقل بالمعركة إلى عالم آخر ونحن مازلنا نفكر في عقلية (الفالة والمكوار). إنّ حادثة البيجر هي بمثابة جرس إنذار لكل دولنا وشعوبنا، صحيح أننا نستعمل الإنترنيت والتكنولوجيا في حياتنا إلا أننا مستهلكون لها لا فاعلين وموجودين لها، أي أن مفاتيح تلك التقنية الحديثة ليس بأيدينا وإنّما بيد العدو، وبالتالي سوف نبقى رهينة عنده، فالعلم قوة ومن يملك المعرفة والمعلومة قويّ في حين أن الجاهل ضعيف هو بحاجة إلى من يملك تلك العلوم. وإذا ما أردنا الانتصار على عدونا والتمكن منه علينا جميعنا ولا سيما الدولة أن تفكر في تطوير وبناء القدرات العلمية لأبنائها ومؤسساتها حتى يتمكنوا من تحقيق الإنجازات العلمية في مختلف شؤون الحياة خصوصًا الأمنية والعسكرية، فالقوي متسلح بالعلوم لا بالشعارات أو العواطف فالعقيدة مطلوبة ولكن وحدها لن تكفي للانتصار على التكنولوجيا.
أقرأ ايضاً
- ماهو مصير الغذاء بالحرب القادمة !؟
- الحرب الضروس ضد المخدرات
- استراتيجية إيران ومساحاتها المرنة بالحرب