حجم النص
بقلم: علي الراضي
قليلٌ من الضحك على الذقون يورث مالاً كثيراً وربحاً سريعاً، عندما يقدم شخصٌ على تحقيق مآربه وبأيّ غطاء كان فإنه لايكلفه ذلك إلا بضع كلمات مُجترَّة ونصوص وفذلكات مُستعارة، ومن دواهي الزمن أنه يظفر بما يريد، ويكفيه ذلك مؤونة السعي والاجتهاد كما يفعل الآخرون.
وإزاء ذلك لا نقول عن زمن السرعة أنه يخطف الأبصار إنما يعمي البصائر، أو أنه يخطف العقول إنما يصادرها، خُذْ مصداقاً لذلك من يجلس لساعات أمام شاشة التلفاز وهو يقلب قنواته أو صفحات الفيس وهو يسرع في تصفُّحها، تراه مصادَر العقل مسلوبَ الإرادة، تلفتُ أنظاره الألوان البرَّاقة والحركات الاستعراضية الخفيفة، والعبارات المثيرة حتى لو كانت تافهة.
إنه الزمن السريع ليس نحو الكمال المطلوب والعمل المرفوع على مبدأ((وسارعوا..)).
ففي تردي الوضع الإقتصادي وغياب الضمير الحي، وشراهة النفس التي لا تشبع، والمعدة التي امتلأت بأكل الشبهات وتدريجاً استساغت أكل الحرام، تضطر هذه الشاكلة من الناس أن يكون رأسمالها الكذب، وعندما يصل الحال إلى هذا المستوى فلا تنتظر بعده أن تكون هناك عدالة في التوزيع أو صحة في الحكم على الأشياء.
سابقاً عندما كنا نقرأ كتاباً ونختار آخر نرى فرقاً كبيراً في النكهة والذوق أشبه ما يكون بالفرق بين فاكهة الشتاء وفاكهة الصيف، ولكن في الزمن السريع، ولأجل الربح السريع أصبحنا لانرى فرقاً كبيراً بين الكتب والمقالات، فهي في معظمها اجترارات واستنساخات لاتختلف إلَّا في الألوان والأشكال والعناوين، مثلما أصبحنا نرى في الأسواق فاكهة الشتاء وبجانبها فاكهة الصيف معروضة في فصل واحد، بعدما برع الإنسان في التلاعب بالجينات كتلاعبه في مشاعر الناس، وتعويجه للنصوص نحو قرصه لتحقيق مصالحه ومآربه، فلا إبداع ولا جديد، فالعلف هو نفسه والمُجترَّات مختلفة، بعضها ذات رأس كبير وبعضها أصغر، إذا دخلت في حضيرتها وصاح بوجهك كبيرهم تبعه الآخرون بسرعة دون انتظار، وإذا خطَّأت فعل أحدهم جاءتك الرَّفسات من كل مكان لتقذفك خارجاً دون أن تسأل نفسها عمَّا حصل، وكأنها تُطبّقُ(انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)ولكن دون عقل أو منطق، إنما جرياً على ما يقتضيه الزمن السريع.
هم لا يرمونك بالسّحر والكذب كما كان في عهد النبوة، بل بالشذوذ؛ لتكون خارج السّرب ولا تكون عقبة في طريقهم، فيقولون أنك شاذ عن الجماعة أو الرأي أو المجتمع، وقد يؤدي بهم الزمن السريع للاختصار فيطلقوا عليك بضعة أنباء ليقولوا أنك قد مُتَّ سريرياً ولم يبق من أيامك إلَّا عدد.
إنه الزمن السريع والربح السريع، وقد كانوا يعبرون سابقاً عن الأغنية بالسريعة والرقص بالسريع لما لهما من لفت الأنظار، واستجلاب المال بأقل جهد، وذلك لايختلف كثيراً عن الزمن الحاضر أو الزمن السريع إلَّا في اشتماله على ماهو أبشع، وهو الرقص على جراح الناس أو جماجمهم؛ خصوصاً الشهداء منهم، أو الفقراء بينهم. والأكل بعقول العوام ليس بجديد، إنما أخذ في الزمن السريع يأكل بعقولهم كالنار في الهشيم، وبعده لا تنتظروا أن يؤول الحال إلى الزوال إنما سيأخذ امتداده في الزمن وتكون الضحية هي نفسها، والجلَّاد هو نفسه كما كانا في الماضي، ولكن ماكان يلبسه الضحية هي نفس الثياب، ومايلبسه الجلَّاد مختلف بحسب الظرف والبيئة والفرصة المتاحة.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً