سلمان هادي آل طعمة ، اسم توجته مؤلفاته (التي تجاوزت الخمسين كتابا) لكي يكون شاهد عصره من خلال تسجيله لأحداث ومواقف وشواهد دعته لها الحاجة العلمية والثقافية لتستنير بها الأجيال وقد أظهر الكثير من الحقائق وسجل الكثير من الأحداث ، سمع ورأى وعايش وتنقل بين الأدب والتراث والشعر والحكاية ، قدم للمكتبة العربية العديد من الكتب والدراسات والمشاهدات والسير الشخصية التي تناولت مختلف جوانب الحياة العراقية .معتمدا على العديد من المصادر المتنوعة بالإضافة إلى مشاهداته ومعايشته للإحداث لم يكتب للسلطة ولا للدولة، بل كتب للمجتمع وللحقيقة.. وبالرغم من انه بدأ شاعرا إلا أن كتابة التاريخ وتوثيق الأحداث اليومية كانت طاغية على مجمل مؤلفاته ، لا يمكن لأي باحث أن يتجاوز سلمان هادي آل طعمة عندما يروم كتابة بحث أو أي موضوع يخص تاريخ كربلاء حتى بات مرجعا للعديد منهم .ولد الأديب والمؤرخ سلمان آل طعمة 0 في كربلاء سنة 1935 وقد نشا في أجواء روحانية ومحيط أدبي كتب أول قصيدة وكانت بعنوان ( سر يا عراق ) نهاية عام 1952 أما مجموعته الشعرية الأولى فكانت ( الأمل الضائع )، ومن مؤلفاته : شاعرات العراق المعاصرات - دليل كتاب كربلاء - من أعلام الفكر العربي- المخطوطات العربية في خزائن كربلاء - أعلام الشعراء العباسيين - دراسات في الشعر العراقي الحديث - معجم رجال الفكر والأدب في كربلاء - رواد الشعر الحر في العراق - بين الظلال ( شعر ) - العشق والحرية ( شعر حر ) - أعلام من بلادي - مشاهداتي في لندن 0وغيرها من المؤلفات التي تجاوزت الخمسين كتابا ، في هذا الحوار دخول حذر في عالم الأديب سلمان هادي آل طعمة (موسوعة كربلاء التاريخية في الفكر والأدب ) لتقليب أوراق هذا الإنسان السبعيني الذي شغف كثيرا بتاريخ كربلاء .
يقول الإغريق إن التاريخ إن تقول(أنا عرفت..أنا سمعت) ..فماذا تقول أنت؟
على المؤرخ أن يجمع مادته التاريخية من مصادرها الرئيسية ويستعين بما لديه من وثائق وصور ويرتبها ترتيبا يليق بها ان تكون عرضا تاريخيا لفترة ما مستعينا بخبرته كمؤرخ في تحليل الأحداث لذلك يجب ان ينقل المعلومات كما هي ثم يبدي رأيه إن أمكن.
هل عرفت كل شيء عن تاريخ كربلاء..هل سمعت بكل شي؟
لا يستطيع احد أن يلم بتاريخ مدينة ما لاسيما مدينة كربلاء لأنها تعتبر منطقة حضارية عريقة لها أبعادها التاريخية وسماتها الدينية والثقافية وكل من يعثر على جديد نرى أن هناك حلقات مفقودة لم ينفض الغبار عنها من قبل والمجال واسع أمام الباحثين لاستخراج الكنوز الدفينة.
خرجت عن نطاق كربلاء في التوثيق ، هل كتبت عن مدن أخرى؟
في الحقيقة إنني حرصت في كل أعمالي على تجسيد الوجه المشرق لتراث مدينتي العريقة والحفاظ على هويتها التاريخية فكربلاء مدينة ذات أبعاد وجذور تاريخية عميقة لها أثرها الكبير في نفوس قاطنيها وزائريها والباحثين عن تراثها المجيد،فانا اشعر بان هذه المدينة ذات زخم حضاري هائل بحاجة إلى تدوين ولدي كتب أخرى لا تتعلق بتراث المدينة ومنها مشاهداتي في لندن رحلات ومقابلات احمد الصافي شاعر العصر وغيرها لمتطبع بعد.
بدأت شاعرا وعرفت مؤرخا وموثقا ، هل غادرت منطقة الشعر؟
بدأت شاعرا ولا أزال اكتب الشعر لان الشعر موهبة وفن والشاعر بحاجة الى كل ما يمتع النفوس من الألفاظ والصور البلاغية وارى ان يرتفع الشاعر بشعره ويطوره ويستحدث في شعره أساليب التجديد لذا تراني لا ابتعد عن الشعر قيد أنمله اما تجربتي في الكتابة كمؤرخ بدأتها بعد مرحلة الشعر فتناولت الدراسات الأدبية ثم عرجت على تاريخ مدينتي لأضع بين أيدي القراء نصوصا حافلة بالعبر والمواقف التي تجسدها هذه المدينة المقدسة.
ماهي نظرتك للشعر الحديث الآن وخاصة قصيدة النثر؟
في الشعر الحديث لمحات جميلة تنبع من أعماق القلب والشاعر اليوم استطاع أن يسهم في رسم الصورة الحقيقية التي تعكس حقنا في نضالنا المشروع ضد الاستعمار والصهيونية وانطلق بصور أحداث أمته فالشعر هو أداة التغيير في المجتمعات أما قصيدة النثر فهي نوع من التجديد لها كتابها وأنا لم أخض هذه التجربة وفي الوقت نفسه لا ارفض التجديد ولدي محاولات في ذلك وأحيل القاريء على مجموعتي الشعرية التي بعنوان (العشق والحرية) التي تتضمن قصائد من الشعر الحر قلتها في الخمسينات.
يقول البعض انك جامع للأحاديث ولست مؤرخا فماذا تقول ..وهل هناك فرق؟
ان رأس مال المؤرخ هو المادة التاريخية وهذه المادة على المؤرخ ان يستقصيها من منابعها فكلما مر بحادثة أو مرت به حادثة لابد أن يجمع من الاحاديث والحكايات سواء كانت لفظية أم كتابية على شكل وثائق ويعدها إعداد يتناسب مع ما يراه المؤرخ من أحداث فلولا تلك الاحاديث التي يجمعها المؤرخ لما كانت لدينا كتب تاريخية ومصادر التاريخ القديمة كتاريخ الطبري وابن الأثير حافل بالنقول والأحداث فالمؤرخ لا يكون مؤرخا مالم تنحوا مصنفاته هذه الاحاديث والحكايات ثم على المؤرخ بعدها ان يبدي وجهة نظره بعيدا عن التعصب الديني او القومي ليكون أداة صادقة لنقل الأحداث فيكون بذلك شاهدا على الأحداث ومحللا في نفس الوقت وتجد هذا في مصنفاتي كثيرا كتراث كربلاء وتاريخ مرقد الحسين والعباس وغيرهما فاستقصائي للمادة التاريخية وجمع ما تناثر من أقوال ووثائق يعد محورا أساسا في البناء التاريخي وقد تلاحظ أحيانا أني أضع المادة التاريخية كما هي وقوفا عن النص فلا تكتمل هذه المادة ليتسنى لي إبداء الرأي فيها فاتركها كما هي للباحثين الآخرين لعلهم يجدوا مواد تاريخية أخرى ليستفيدوا منها في تدوين آرائهم.
عرفت ان لديك إجازة في رواية الحديث ما معنى ذلك وهل الحديث مقيد بإجازة و هل هذا يعني إن من يروي الحديث بدون إجازة لا يعتد به؟
الحديث الشريف المروي عن النبي (ص) والأئمة الأطهار عليهم السلام له أهمية خاصة لدى جميع طوائف المسلمين إذ يعتبر السنة الشريفة ومن ضمنها الحديث الشريف ثاني مصادر التشريع بعد القران الكريم لذلك فقد اهتم المسلمون منذ القدم بنقل الحديث ودراسته وتصنيفه إلى أقسام أساسية تكفلت بذلك كتب الدراية بتفصيل يطول شرحه ومن بين ما اهتم المسلمون به هو طرق تحمل الحديث الشريف ووصوله من مصادره الرئيسية النبي (ص) والأئمة الى ناقله وهذه الطرق تزداد قوة وضعفا حسب أهميتها وهي تعرف بالطرق الثمان لتحمل الحديث وهي السماع والقراءة (العرض) الإجازة والمناولة والكتابة والإعلام والوصية والوجادة.والإجازة هي واحدة من تلك الطرق التي يعتمد عليها في نقل الحديث الشريف وقد عرفت بتعريفات عدة منها ماذكره شيخنا العلامة اغا بزرك (رحمه الله) في موسوعته (الذريعة) ج1ص131 بأنها الكلام الصادر عن المجيز المشتمل على انشائه الإذن في رواية الحديث عنه بعد إخباره إجمالا بمروياته وأهميتها في الوقت عن المعصومين عليهم السلام الى العصر الحاضر لغرض الاتصال وعدم انقطاع الأخبار عنهم ولها شروط تتكفل بها كتب الدراية والحديث اما هل يجوز نقل الاحاديث الشريفة من دون إجازة؟ نعم يجوز ذلك عن طريق الوجادة التي تعتبر احد طرق نقل الاحاديث وهي من خلال إيجاد الأحاديث في الكتب والمصنفات ونقلها منها وهي المعمول بها حاليا في الأوساط العلمية خاصة بعد انتشار الطباعة ووفرة المصنفات شرط الاطمئنان من صدور تلك المصنفات من مؤلفيها وعدم التلاعب بمتونها والجدير بالذكر ان الإجازة لم تكن وليدة العصر الحاضر بل لها تاريخ عريق لدى علماء المسلمين فمن بين الإجازات المعروفة لدى الأعلام رحمهم الله إجازة العلامة الحلي لأبناء زهرة الجلبيني وإجازة الشيخ العاملي صاحب المعالم للسيد نجم الدين الحسيني وولده التي ذكرت في كتاب بحار الأنوار(17/6) و(19/3) وكذلك إجازة المحدث الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق المعنونة ب(لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرة العين) المطبوعة في الهند والنجف وغيرها كثير مما لا يتسع المقام لذكرها وأقدم الإجازات التي امتلكها هي الإجازة التي أجازني بها شيخ المحدثين صاحب التصانيف الكثيرة المرحوم الشيخ اغا بزرك الطهراني قدس سره وهو من مشايخ الإجازات ويروى عنه جمع غفير من الأعلام والمراجع والمحققين في عصرنا الحاضر رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين.
.ماهو رأيك بالمشهد الثقافي في كربلاء الآن أو في العراق بصورة عامة؟
المشهد الثقافي في كربلاء والعراق الآن أصبح له متنفس بعد سنة 2003 وقد كان مقيدا قبل ذلك بقيود من حديد وان بعض الشعراء انزلقوا في مزالق حزب البعث البائد وراحوا يمجدون الطاغية المقبور ونراهم اليوم ينظمون في مناسبات دينية هذه الازدواجية تطفح اليوم على الساحة الثقافية ان كثرة الصحف والمجلات فسحت المجال للأدباء ان يقولوا كلمتهم وان المشهد الثقافي اليوم لا يخلو من عناصر الإبداع وان قلت فقد وجدت هناك طاقات خلاقة ذات كفاءات وإمكانيات سخرت أقلامها لخدمة العلم والأدب وعالجت المشاكل بكل بساطة واستطاعت ان تتحرك وان تحقق ما تصبو إليه من آمال إلا أن الظاهر على الساحة معظمه مكرر لما سبق وإعادة عرض المعروض بصورة لا تليق بما هو متوقع خاصة بعد هذه الثورة الصحفية والإعلامية.
.هل تجد انك بمعزل عن أدباء كربلاء هل أنت بعيد عنهم أم هم بعيدون عنك؟
لم أجد نفسي بمعزل عن أدباء كربلاء والحركة الأدبية وبالرغم من أني قرأت الكثير للأدباء القدامى وشاركتهم في الرأي وكذلك الأدباء المعاصرين بغض النظر عن عدم معرفتي بهم معرفة شخصية فانا أكن لهم الاحترام ولكل من يساهم في الحركة الأدبية ويرفدها بما يتناسب مع المشهد الثقافي.
من تعتقده جدير باستلام راية التاريخ والتوثيق لمدينة كربلاء من بعدك بعد عمر طويل ان شاء الله؟
ينبغي التذكير هنا ان راية التاريخ والتوثيق لا تعطى إلا لمن كان له جذور في علم التاريخ ولا نستطيع ان ندرك الظروف الحقيقية لمؤرخ المستقبل الذي سوف يؤرخ الأحداث.
حصلت مؤخرا على شهادة الدكتوراه ما أهمية هذا الشهادة بالنسبة لك وكيف تم منحها لك ؟
تقديرا من جامعة الحضارة الإسلامية في بيروت واندفاعا منها في تكريم الإعلام منحتني الجامعة ذاتها شهادة ماجستير في التاريخ الإسلامي عن كتابي(تاريخ المرقد الحسيني والعباسي) كما منحتني شهادة الدكتوراه في الاختصاص نفسه عن كتابي تراث كربلاء وهذا العمل بقدر أهميته يزيدني إقبالا على العلم وشغفا بالمعرفة وهو بحد ذاته يعد تشجيعا وإثارة للحماس من قبل الجامعات الأخرى في تكريم أعلامها ونشر روح المحبة والوئام بين الطبقات الأكاديمية.
حاوره – سلام محمد البناي
أقرأ ايضاً
- فرع كربلاء لتوزيع المنتجات النفطية: الخزين متوفر والمولدات الاهلية تتسلم كامل حصصها من الكاز هذا الشهر
- تحول إلى محال تجارية.. حمّام اليهودي في كربلاء (فيديو)
- مكونة من ستين منسفا وصينية.. سفرة طعام طويلة على طريق الزائرين في كربلاء المقدسة (صور)