ابحث في الموقع

BBC : لم يعد بمقدور أحد أو جهة أو حزب أن يحكم بمفرده بالعراق

BBC : لم يعد بمقدور أحد أو جهة أو حزب أن يحكم بمفرده بالعراق
BBC : لم يعد بمقدور أحد أو جهة أو حزب أن يحكم بمفرده بالعراق
لم يتحقق الكثير في العراق خلال السنوات العشر الماضية على طريق بناء مؤسسات الدولة وترميم البنية المهشمة للتمهيد للانتقال الى حالة الاستقرار والتنمية. ولم يسفر إقرار الدستور الذي لا يزال موضع اختلاف وانتقاد من هذا الطرف أو ذاك، ودورات الانتخابات السابقة التي جرت، سوى عن مظاهر تتوالد من التناحر والاختلاف، يجري تجاوزها، غالباً، عبر مساومات وتوافقات هشة. ومع إجراء الانتخابات البرلمانية الثالثة منذ انهيار النظام السابق والأولى بعد إتمام انسحاب القوات الأمريكية، يتعقد المشهد السياسي العراقي بتفاقم الوضع الأمني وخطورة الموقف غربي العراق الذي تقطنه غالبية سنية، وتصاعد الخلافات بين حكومتي المركز في بغداد وإقليم كردستان في أربيل. وبصورة عامة تحمل التجربة العراقية في ممارسة الديمقراطية قدراً كبيرا من علامات الاستفهام مقارنة بالإجابات التي تقدمها للمعضلات التي تواجهها البلاد. فهي تنطوي على تعقيدات متشابكة ومفاهيم ملتبسة من شأنها أن تضعف ليس فقط إدارة الدولة بل تركيبة المجتمع برمته. لكن هذه الصورة المعتمة للوضع في العراق تخفي تحتها حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي وجود متغيرات مهمة في الوضع السياسي، إذ لم يعد بمقدور أحد أو جهة أو حزب أن يحكم بمفرده، بمعنى أن مرحلة الحزب الواحد والحزب القائد وغير ذلك قد أفلت. وصار من المتعذر السيطرة على مقاليد الأمور عن طريق انقلاب عسكري كما كان عليه الحال منذ تأسيس الدولة الوطنية، أي أن عصر البيان "رقم واحد" قد ولى. وبدلا عن ذلك أصبحت الممارسة الانتخابية، رغم كل ما يشوبها من نواقص، محور العملية السياسية في البلاد. "معجزات" من المعروف أن العراقيين، أو توخيا للدقة شرائح واسعة منهم، انتظروا طويلا حدوث "معجزة" تخرج البلاد من الديكتاتورية والخراب، من القمع والحروب، من الحصار والانقسام، ومن تردي أحوال البلاد السياسية والاقتصادية والتعليمية والصحية، وتراجعها في جميع الميادين. إلا أن "المعجزة" المنتظرة أتت عن طريق التدخل الأجنبي بعد أن أخفقت انتفاضة أوائل التسعينيات الواسعة النطاق، التي اندلعت إثر هزيمة حرب الكويت، في إحداث تغيير، بل إنها أدت، بسبب تضافر ظروف محلية وإقليمية ودولية، إلى استعادة نظام الحكم قبضته العنيفة على كامل البلاد. والاستثناء من ذلك كان إقليم كردستان الذي ظل خارج سيطرة الحكومة المركزية. وتعين على العراقيين أن ينتظروا "معجزة" أخرى تخرجهم من دوامة الاحتلال والعنف الذي رافقه وتضع البلاد على طريق التنمية والاستقرار. لكنهم وجدوا أنفسهم خلال العقد الماضي في حالة من الاحتراب والانقسام وعدم الاستقرار وغياب الأمن وانتشار الفساد. فالتدخل الأجنبي وما نتج عنه من إدارة لشؤون البلاد، أسفر عن تدمير للمؤسسات والبنى التحتية، الأمر الذي وضع البلاد ومستقبلها في نفق مظلم طويل. واتجهت آمال الكثير من العراقيين وغيرهم نحو "معجزة الديمقراطية" بعد الوعود التي أطلقت لاعتماد مبدأ الشراكة في إدارة البلاد عن طريق انتخابات حرة، إلا أن العام الذي سبق تسليم السلطة الى حكومة عراقية مؤقتة في حزيران/ يونيو 2004 كرس وضعاً أصبح من العسير تجاوزه، وهو اعتماد مبدأ "المحاصصة". محاصصة وتشابك وتعني هذه الوصفة تقسيم المجتمع العراقي وفق منظور "سلطة الاحتلال" وجهات عراقية وغير عراقية الى ثلاثة مكونات رئيسية، لكن غير متناسقة، مع الاخذ في نظر الاعتبار مكونات صغيرة أخرى. واعتبر المجتمع العراقي منذ ذلك الحين مكوناً "رسميا" من ثلاثة عناصر الشيعة والسنة والأكراد وأقليات أخرى، رغم التداخل بين هذه الأجزاء. فهناك سنة من العرب والكرد والتركمان وهناك كرد سنة وشيعة وهناك شيعة من العرب والكرد والتركمان، وغير ذلك من التعقيد والتشابك الإثني والديني والطائفي وما نتج عن هذا التقسيم في الواقع تكريس تشظي المجتمع الى أجزاء، و إحلال الانتماء الطائفي والإثني والعشائري محل عنصر المواطنة، مما أضعف بنية المجتمع المدني وعرضها للخطر. لكن لا بد من القول إن سهولة تكريس هذا التوزيع تعني أن المجتمع كان قد أهل على مدى عقود سابقة من الحكم الديكتاتوري لتقبل مثل هذا الواقع. طريق الانتخابات وعندما جرت أول انتخابات برلمانية في كانون الثاني/ يناير 2005، وشهدت إقبالا كبيرا من الناخبين ما عدا بعض المناطق السنية غربي العراق، انتعشت بعض الآمال في بدء طريق الديمقراطية والتنافس الحر. لكن الاقتراع ونتائجه والتحالفات التي أسفرت عنه لتشكيل مؤسسات إدارة البلاد كرست واقع المحاصصة الثلاثية: شيعة - سنة – كرد. وأصبح توزيع الأدوار ثلاثياً: الرئاسة للأكراد، رئاسة الوزراء للعرب الشيعة، رئاسة البرلمان للعرب السنة. فهل يمكن أن ترسّخ المحاصصة والتوافقات الهشة الديمقراطية الناشئة؟ وأثبتت انتخابات عام 2010، العكس، فقط نتج عنها ترنح العملية السياسية وارتباطها الوثيق بمبدأ التوزيع الثلاثي واستبعاد المنافسة على أساس القوى والتيارات السياسية. ففي حين فازت القائمة "العراقية" التي يرأسها رئيس الوزراء السابق اياد علاوي، وتضم الأطراف السنية الرئيسية، على قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي، ائتلاف دولة القانون، بفارق ضئيل. أعطيت الفرصة أعطيت لتشكيل الحكومة الأمر الذي استغرق تسعة أشهر، جرى بعدها توزيع حصص وتوافقات لم تفلح حتى في ملء مقاعد وزارية سيادية. وقد نجح المالكي بذلك من خلال تشكيل تحالف مع القوى الشيعية الأخرى مما ضمن رئاسة الوزراء ليس لشخص شيعي بل للطائفة الشيعية. وظلت رئاسة البرلمان بيد السنة ورئاسة الجمهورية للكرد ممثلين في الزعيم الكردي، جلال الطالباني، الذي اختفى عن الأنظار بسبب مرضه وتلقيه العلاج في الخارج. وبذلك تحول مفهوم "الديمقراطية" من عملية سمتها التنافس السياسي الى الركون للتنافس الطائفي والقومي. ووفقا لذلك صارت القوى المتنفذة في الحكم تعبر عن هذه الطائفة أو تلك القومية. وهذا أنتج نوعا غريبا من إدارة الحكم أصبح فيه المسؤول مهما بلغت درجته يمثل الطائفة أو الإثنية ويعبر عنها، بدلا من أن يكون مسؤولا عن الجميع. ونتيجة لذلك، توفرت الظروف لاستشراء الفساد الإداري والمالي، وغياب اعتماد مبدأ الكفاءة في إدارة المؤسسات، في غالب الأحوال، مما أضعف، وغيب في بعض الأحيان، دور الإدارات في تقديم الخدمات الضرورية للمواطن.
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!