حجم النص
بقلم :عباس عبد الرزاق الصباغ
ظواهر سلبية كثيرة ينوء بها الواقع العراقي ويعاني منها المواطن الذي ليس له ناقة ولا جمل فيها، تتمثل الأولى في كيل سيل الاتهامات (والكثير منها متبادلة وكيدية وغير صحيحة وغير مبررة) الى دول الجوار ودول الإطار الإقليمي المتاخم بالعراق والإطار الجيوستراتيجي الذي ينتظم فيه العراق، وبدون استثناء او تحديد من قبل بعض السياسيين والنخب الفاعلة في المشهد السياسي بالإشارة بأصابع الاتهام الى هذه الدولة او تلك (بحسب الانتماء الى هذه الكتلة او تلك) لاسيما بعد كل حادث إرهابي او خرق امني او مسألة تتعلق بالسيادة ، كل جهة ترمي باللائمة على الجهة الثانية وتنعتها بـ(العمالة) وذلك بحسب الامتدادات الطائفية او الاثنية وحسب أجنحتها الجماهيرية والشوارعية، وهذه المسألة هي أكثر من مألوفة في واقعنا المعاش ، فيما تتمثل الظاهرة الثانية في ان الإخفاق في اغلب الفعاليات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية خاصة ما يتعلق منها بالبنى التحتية يكون موجها كذلك الى دول الجوار العراقي دون استثناء بحسب نظرية المؤامرة ونظرية العمالة والتنصل من مسؤوليتها ..
كما يجد المراقب في ظاهرة اخرى تتجسد في ان بعض السياسيين العراقيين يشتمون المحاصصة والتوافق والارضاءات والمناكفات السياسية ويلعنون التحزب والتكتل وتغليب المصلحة الجهوية والفئوية والمناطقية والاثنية وحتى العشائرية على مصلحة الوطن والمواطن بينما يشي الواقع بعكس ذلك، وهناك ظاهرة تبدو أكثر غرائبية من التوافقية والتحاصص والمشاركة التمثيلية الارضائية في حكومة "الشراكة" الوطنية والتشارك الظاهري فيها وهي ان أكثر السياسيين العراقيين يلعنون الطائفية آناء الليل وأطراف النهار ويبدون بمظهر الحريص على الوحدة الوطنية والتآلف والانسجام الوطني ونبذ النزعات و"الصيحات" التى تروم الى تفتيت النسيج المجتمعي وتشتيت التناغم الاجتماعي والتراص العشائري كما يجد المتابع تناشزا كبيرا بين تلك الدعوات البراقة ذات الهاجس الرومانسي وبين الأفعال والتوجهات التي تحرق الأخضر واليابس فتحول الواقع المعاش الى دوامة من الأزمات والاصطراعات التي ليس لها نهاية ونفق مظلم ليس فيه دلالة !!
ان تضارب وتعاكس التوجهات مابين أفعال بعض الفرقاء السياسيين وآرائهم وتصريحاتهم ومتبنياتهم لايدل على ضعف او تخلخل "التشارك" في الكابينة الحكومية فحسب وانما يدل على الخلل في الكثير من القواعد النظرية والأيدلوجية التي يستند عليها بعض السياسيين وينطلقون منها ما يعكس ذلك الاضطراب في توجيه فعاليات السلطتين التنفيذية والتشريعية ويبين من جهة أخرى ان الفواعل الإقليمية لها توجهان متناقضان في الشأن العراقي الاول هو الجهد السياسي السلبي والتخريبي الذي يصل الى درجة تفجير المشهد العراقي كلما أتيحت لها "الفرصة" وجعل العراقيين يتصارعون فيما بينهم وتنكفئ الهويات الفرعية داخل شوارعها ومناطقها وتتمترس خلف مكوناتها ومجتمعاتها، والثاني هو ايجابي ولكن في مصلحة تلك الفواعل وهو مد أيادي التعاون الاقتصادي والاستثماري وكأن العراق هو مغنم وحديقة خلفية لها في حال استمرار التشنجات والتناقضات مابين الأفعال والأقوال واستغلال البطن الرخوة للدولة العراقية.
ان التعاكس والتناقض في المشهد السياسي العراقي يشي بالكثير من اللاعقلانية والغرائبية التي تستعصي على التفسير والتحليل والتنظير والاستنتاج والاستقراء والخروج بنتيجة معينة تشير الى اتجاه مسار البوصلة العراقية وفي أي اتجاه تسير والى أية جهة تشير او أية نظرية سياسية تعتنق او اقتصاد تتبنى .
إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- الظواهر بين الدلائل العرفية والرقابة المجتمعية ..جزء الثاني
- الظواهر بين الدلائل العرفية والرقابة المجتمعية
- ظواهر مخلة بالادب !