- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
31 عاماً على الحرب العدوانية ضد لبنان ..!
حجم النص
بقلم :شاكر فريد حسن
في حزيران العام 1982 قامت المحافل والاوساط السياسية الحاكمة في اسرائيل بتخطيط تآمري وتنسيق مسبق مع الولايات المتحدة ، ووسط التخاذل والصمت العربي المهين والمخزي والمذل ، بغزو لبنان ومحاصرة بيروت وقصفها بآلاف الاطنان من القنابل الفوسفورية والعنقودية والفراغية والغازية المحرمة دولياً ، بحجة حماية امن وسلامة المستوطنات الاسرائيلية المتأخمة للحدود اللبنانية من صواريخ الكاتيوشا والعمليات العسكرية الفلسطينية .
ولكن في الحقيقة والواقع، ان الاهداف الحقيقية من وراء هذا الغزو الوحشي المدعوم عسكرياً وسياسياً من امريكا تصب في مجرى واحد ، وفي صلب هذه الاهداف والغايات انزال ضربة عسكرية بحركة المقاومة اللبنانية والفلسطينية والقضاء على البنية العسكرية التي تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية وخلخلة مؤسساتها الاجتماعية والثقافية وهدم تركيبتها التحتية ، علاوة على اضعاف حركة التحرر الوطني الديمقراطي العربية من خلال ضرب رأس حربتها الثورة الفلسطينية ، وخلق الظروف للسيطرة الرجعية على هذا القطر العربي الاصيل واخضاع المنطقة العربية وترتيب اوضاعها واوراقها بما يعمق تثبيت المصالح الامبريالية فيها. .
وقد استهدف الهجوم العسكري الاسرائيلي كذلك مركز الابحاث الفلسطيني الذي اسسه المفكر والمناضل الفلسطيني الكبير الراحل د. انيس الصائغ ، وقامت بنهبه وسرقته سعياً لضرب وتدمير الثقافة الفلسطينية الوطنية المقاتلة واغتيال التراث الشعبي الوطني الفلسطيني .
وجاء هذا العدوان كنتيجة مباشرة لمعاهدة واتفاقات كامب ديفيد الاستسلامية التفريطية ، التي وقعها السادات مع اسرائيل ، وخطط لانجازه خلال 48 ساعة وفق ما جاء على لسان القادة العسكريين الاسرائيليين آنذاك . لكن ذلك لم يتحقق لهم، وشهدت المرحلة الاولى من العدوان الهمجي البربري بطولة فائقة للمقاومة الفلسطينية ، التي سطرت اروع ملاحم البطولة والمجد الابدية . ووقفت قوى وفصائل المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية بالمرصاد لقوات الغزو الاسرائليي في الميدان وفي الخنادق تحت البنادق ، وبدد الصمود الاسطوري الفلسطيني واللبناني في وجه اعنف ترسانة عسكرية في الشرق الاوسط، أحلام حكام اسرائيل وافشل مخططاتهم واخفق في تحويل تفوقهم العسكري الى نجاحات سياسية يأملون من ورائها تصفية القضية الفلسطينية وتبديد حقوق شعبنا الفلسطيني الوطنية المشروعة العادلة . وهذا ما رفضته اصداء الحرب الحزيرانية العدوانية الشرسة ، ورفض الرأي العام العالمي الذرائع والحجج الاسرائيلية الواهية لهذا العدوان الشرس ، وازدياد وزن منظمة التحرير الفلسطينية في اعقاب الاجتياح العسكري الدموي بفضل صمودها واطالتها لأمد الحرب ، وخلق تيار عريض في الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية .
ونشأت خلال حرب الابادة على التواجد القومي الفلسطيني في لبنان حركة شعبية اسرائيلية ، تجسدت في اكبر مظاهرة مناهضة للحرب في تل أبيب ، ترفض الاجماع القومي الصهيوني ، الذي ينفي حق الشعب الفلسطيني ويدعو الى وقف الحرب وتسوية القضية الفلسطينية سياسياً على اعتبار انه لا يمكن تسويتها عسكرياً . وواجهت هذه الحركة بالطبع مقاومة حكام اسرائيل على جميع الاصعدة التنظيمية والسياسية والايديولوجية .
والواقع ان الصمود الاسطوري البطولي في بيروت والمخيمات الفلسطينية لم يكن يتأتى دون دعم ومساندة مواقف الحلفاء والاصدقاء، وفي طليعتها الموقف والدعم السوفييتي ، الذي اعطى المقاومة دفعة قوية الى الامام . وهذا الصمود كشف زيف وتواطؤ انظمة الذل والعار والرجعية العربية ، التي اكتفت ببيانات الشجب والاستنكار وارسال الوفود الى الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الامن في استجداء مهين للعطف الامبريالي الاستعماري الامريكي .
يمكننا ان نفرر بان حكام اسرائيل وامريكا فشلوا في حربهم العدوانية على لبنان على الصعيدين العسكري والسياسي ، ولم يتمكنوا من القضاء وانهاء المقاومة الفلسطينية واقناع الرأي العام العالمي بصدق زعمهم القائم على ذريعة حماية مستوطناتهم في شمالي البلاد . واذا كانت الحركة الوطنية اللبنانية عانت ضربة عسكرية بعد انسحاب وخروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت ، ولكن تطورات الاحداث لم تمنح المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة املاء ارادتها ، واذا كان اغتيال بشير الجميل الذي راهنت عليه اسرائيل وبخاصة بعد انتخابه رئيساً لجمهورية لبنان شكل ضربة لمخططاتها .
ان اهداف العدوانية الاسرائيلية على لبنان لم تنته بعد ، وتمثل ذلك بحربها الثانية عام 2006التي شنتها على حزب اللـه، وفشلت هي كذلك في تحقيق مغزاها ، واجبرت اسرائيل في النهاية على مغادرة الاراضي اللبنانية وانسحابها منها وهي تجر أذيال الخيبة والهزيمة .