- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حرامية ستديو تسعة.. ممنوع اللمس للعرض فقط
حجم النص
د.خالد العبيدي
ما يقوم به الأعلام العراقي من خلال بعض القنوات الفضائية الرصينة من كشف لملفات الفساد في المؤسسات الحكومية التي تنتهك يوميا بسرقة المال العام والتحايل على القوانين واستغلال الصلاحيات للمفوضة للوزراء والوكلاء والمفتشين العموميين والمدراء العامين للنفع الخاص والاستغلال للأصول الثابتة والمتحركة لمؤسسات الدولة كحق مكتسب مادام مكلف بالوظيفة التي يفترض أن تكون عامة ، أنها تحاول من خلال فضحها للملفات للرأي العام بالوثائق التي قد تبلغ أطنان من الورق إنما تؤدي واجبا وطنيا ورسالة شريفة تهدف إلى محاربة الفساد الإداري والمالي وتضع الفاسدين تحت طائلة القانون والمحاسبة الشعبية ولا نشك بتوجهات الأعلام وحرصه على إيصال الحقيقة للمتلقي وخاصة ما يتعلق بمرض خبيث ضرب الوطن والمواطن وأنهك كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل هدد القيم الدينية المقدسة ومنظومة الأخلاق والأمن الوطني والاجتماعي . ولكن ربما يتفق معي المتخصصين في الإدارة وعلم الاجتماع وعلم النفس والمهتمين بمشروع الإصلاح الإداري إن الأعلام بالطريقة التي تم ذكرها ربما سيساهم من دون قصد في تعميق ظاهرة الفساد الإداري والمالي وتهيئة البيئة المناسبة لنمو الفساد في حقول المؤسسات الحكومية التي قد يكون الفساد فيها ضعيفا وغير مؤثر على أداءها ويمكن التصدي له بوسائل بسيطة على عكس المؤسسات التي أصبحت بؤرة ومصدرة له و بارعة في تكيفه وفق أي ظرف سياسي أو امني أو اجتماعي . ربما يشكل البعض على رأينا ويتصدى له ويفهمه على أنها دعوة للخضوع إلى الأمر الواقع المرير والسكوت والتخلي عن واجب وطني وشرعي وأخلاقي وعن مغادرة بعض قنوات الأعلام العراقي المتصدية للفساد لقضايا تهم الشعب وتدافع عن حقوقه في حياة كريمة وتذهب إلى التطبيل والتزمير للسياسيين و الإداريين وتجعل من نفسها بوق للنفاق والدجل وخداع الرأي العام وتزيف الحقائق كما تقوم به للأسف بعض القنوات الفضائية العراقية. التعرض للبرامج التي تخصصت في كشف المفسدين ليس الهدف النيل منها أو تقليل من أهميتها فهي برامج استحوذت على ملايين من المشاهدين وتحظى بإعجابهم ولكن على القائمين عليها الانتباه إلى خطورة ضخ ألاف الوثائق الفاسدة وتقديم مئات الفاسدين من الموظفين العموميين يبررون فسادهم ويتلاعبون بالوثائق ويرتبون الإجراءات الإدارية والمالية والقانونية بما يخدم دفع التهم عنهم إعلاميا وكسب القضية من خلال الشاشة . ما يسند عليه الى ما تطرقنا له من إن هذه البرامج قد تؤدي إلى غير الهدف الصالح منها الأتي:
- عرض ألاف من العقود لمشاريع يشوبها الفساد وشركات وهمية استولت على المال العام بمشاركة كبار موظفي الدولة دون حسم أي منها قضائيا وكأنها مخصصة للعرض فقط هذه الحالة تؤدي إلى ضرر نفسي وإحباط لدى المتلقي يضاف إلى الاحباطات والتوترات النفسية المتأتية من الإخفاقات الأمنية اليومية المصاحبة إلى التواجد الكثيف للقوى الأمنية والسيطرات في الشوارع المثيرة للقلق.
- تقديم من خلال الشاشة العشرات من كبار المسؤولين في الجهاز الإداري الحكومي و التشريعي والرقابي متهمون بالفساد بل غرقوا فيه يكيل بعضهم للبعض التهم والتورط بصفقات مشبوهة دون تبعات ويترك للمواطن المتلقي مسؤولية الفرز وفك الاشتباك تنتهي بانتهاء الوقت المخصص للبرنامج ويا دار ما دخلك شر.
- المليارات من الدولارات والدنانير التي تتطافر من العقود الفاسدة التي يتم عرضها تعطي جرعة منشطة للفاسدين الصغار إن صح التعبير في المضي بفسادهم مادامت هي مبالغ صغيرة لا ترتقي إلى تلك وخاصة قضايا الرشاوى المعتادة ولجان المشتريات ولجان الصرف الأخرى بحيث ستكون واقعا يغض النظر عنه مادمت الحيتان تبتلع المليارات .
- مما لاشك فيه أن كل الذين يطلون على شاشات القنوات الفضائية المتورطين بالفساد هم من المراكز المتقدمة في السلم الوظيفي وغالبتهم من الدرجات الوظيفية الخاصة وهم بحكم مراكزهم يتبعهم الكثير من الموظفين الذين سيفقدون الثقة برؤسائهم الإداريين وستنشأ حالات من الخوف والريبة وعدم الاطمئنان في تنفيذ الواجبات مما سيؤثر سلبا على تمشية معاملات المواطنين وعلى التنمية وتنفيذ الخطط السنوية .
- بالرغم من إن حالات الفساد الكبيرة والكثيرة معززة بالوثائق والشهادات والتقارير الرقابية إلا ان ليس هناك أي حراك من المدعي العام أو النقابات ذات الاختصاص مثل الحقوقيين أو المحامين أو حقوق الإنسان أو منظمات المجتمع المدني الأخرى تبادر إلى إقامة دعاوى قضائية ضدهم بل لم يتخذ أي إجراء احترازي من أمانة مجلس الوزراء أو الوزارات بسحب اليد من الوظيفة لحين حسم التحقيق في القضايا المثارة ، وهذا يعطي انطباع لضعاف النفوس بالمضي قدما في تفشي الفساد مادامت الإجراءات ضعيفة ولا تخرج عن دائرة الجدل عبر الهواء للتنفيس عن ظاهرة الفساد لا استئصالها.
لا ندعو الى مقاطعة مثل هذه البرامج ولكن نحذر من ان تصبح منصات للفاسدين لتلميع أشخاصهم وإيهام الرأي العام بمظلوميتهم وتصبح قضايا الفساد في عراق اليوم تحت يافطة ممنوع اللمس للعرض فقط .سيما وان حرامية ستديو تسعة حيتان مفترسة قادرة ومقتدرة على التهام الاستديو وفراس الحمداني معا.