لماذا ينفر المرء من يزيد بن معاوية ومن هو على شاكلته؟! ولماذا يلتف الإنسان حول الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه قبل وبعد ملحمة الطف الخالدة؟! بجملة واحدة أقول أن يزيدا متهتك مائع والإمام الحسين عليه السلام قرآن يمشي على الأرض بأخلاقه وإيمانه ومواقفه الإنسانية النبيلة، ولا تزال أجندة الباطل المتمثلة بيزيد وأتباعه تحارب رسل الحق المتمثلة بالحسين عليه السلام وأنصاره، وهو صراع بين الحق والباطل كانت انطلاقته منذ بدأ الخليقة بعد أن قتل قابيل هابيل ويستمر إلى قيام الساعة ولكل طائفة أنصار وأعوان ولكن شتان ما بين الذي يدعو إلى المكر والخداع والرذيلة وبين من يدعو إلى الكرامة والنبل والفضيلة؟!
وكان معاوية عهد الحكم إلى ابنه يزيد فكانت أمور تكاد السماوات يتفطرن منها وهو صبي يشرب الشراب ويلعب بالكلاب ولا يعرف من الدين موطئ قدمه مع معرفته بليله ونهاره وإعلانه وأسراره، وعلمه بمنزلة الحسين عليه السلام من الله عز وجل ومكانته من رسول الله صلى الله عليه وآله ومحله في نفوس المؤمنين، على أنه كان يومئذ في المهاجرين والأنصار وبقية البدريين وأهل بيعة الرضوان جم غفير وعدد كثير كلهم قارئ للقرآن عالم بمواقع الأحكام خبير بالسياسة حقيق على رأي الجمهور بالخلافة والرياسة، فلم يراع سابقتهم في الإسلام ولا عناءهم في تأييد الدين وأمر عليهم شريره المتهتك وسكيره المفضوح، فكان منه في طف كربلاء مع سيد شباب أهل الجنة وخامس أصحاب الكساء ما أثكل النبيين وأبكى الصخر الأصم دما.
وفظائع يزيد من أول عمره إلى انتهاء أمره أكثر من أن تحويها الدفاتر، أو تحصيها الأقلام والمحابر، قد شوهت وجه التاريخ وقبحت صحائف السير وكان أبوه يرى كلابه وقروده وصقوره وفهوده ويطلع على خموره وفجوره، ويشاهد الفظائع من كل أموره ويعاين لعبه من الغواني ويعرف خبثه بكل المعاني ، ويعلم أنه ممن لا يؤتمن على نقير ولا يولي أمر قطمير، فكيف رفعه والحال هذه إلى أوج الخلافة وأحله عرش الملك والإمامة وملكه رقاب المسلمين وسلطه على أحكام الدنيا والدين، فغش بذلك أمته ولم ينصح رعيته وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله، فيما أخرجه البخاري في الورقة الأولى من كتاب الأحكام من صحيحه في صفحة 250 من جزئه الرابع: ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة، وقال صلى الله عليه وآله فيما أخرجه البخاري في تلك الورقة أيضا : ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحظها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة . (الفصول المهمة في تأليف الأمة - السيد شرف الدين ص 128)
وهذه التولية لأمور المسلمين إنما جاءت محاباة من معاوية لإبنه يزيد علما أنه لا يملك مؤهلات القيادة التي تتطلب مزيدا من الحنكة والدراية والعلم والحكمة للأخذ بيد الأمة إلى سبل النجاة والحياة الحرة الكريمة، وهذه المؤهلات وتلك الأهداف ليست متوفرة بيزيد الذي كان بعيدا كل البعد عن موجبات الحكمة والريادة، بل أنها كانت متجسدة بالإمام الحسين والرهط الطيب من الأصحاب الذين تخطاهم جميعا ودفع المتهتك يزيد للخلافة، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه أحمد من حديث أبي بكر في صفحة 6 من الجزء الأول من مسنده: من ولي من أمور المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم.
وطالما نفخ الطواغيت على مر الأزمان في أبواق أسلافهم من دعاة الجور والفسوق وطامسي العدل والرشاد، أولئك المنغمسون في أهواءهم والراكسون في ملذاتهم يحرفون الكلم عن مواضعه ويسخرون كل شيء من أجل تثبيت دعائم كراسيهم المهترءة وطالما ارتكبوا لتحقيق مآربهم تلك الجرائم والموبقات وبددوا الأموال وأزهقوا الأرواح إرضاء لما يشوبهم من نشوة الحكم والسلطان وما يتمتعون به من نعم يختالون إنها دائمة وما هي إلا سراب تدمغهم وهم في غفلة من أمرهم ولكنهم لا يفقهون، ولا غرابة أن نشهد اليوم من هم على شاكلة يزيد في اللغو والتحلل والإنحراف يعتقدون أن يزيدا كان من أولياء الله، وإن من توقف فيه وقفه الله على نار جهنم، فراجع ما حكاه ابن تيمية عنهم في الرسالة ( 7 ) من مجموعة الرسائل الكبرى في صفحة 300 من جزئها الأول.
ونقل القسطلاني في باب ما قيل في قتال الروم من كتاب الجهاد من إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري في صفحة 230 من جزئه السادس عن المهلب إنه كان يقول بثبوت خلافة يزيد وإنه من أهل الجنة، ونقل ابن خلدون في صفحة 241 أثناء الفصل الذي عقده في مقدمته لولاية العهد عن القاضي أبي بكر ابن العربي المالكي أنه قال في كتابه الذي سماه بالعواصم والقواصم ما معناه أن الحسين قتل بشرع جده ( ص ).
فأي منطق هذا الذي يعد رجلا فاسقا متهتكا مثل يزيد من أهل الجنة!! فأين مكان المتقين والمجاهدين والمرابضين في سبيل الله إذن، هل يستوون في الجنة مع أولئك الفسقة الفجرة؟! حاشى لعدالة الله وحكمته أن يتساوى المؤمن مع الفاجر فهم لا يستوون مثلا لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأي منطق معوج أن يقتل الشهيد بكربلاء بشرع جده؟! وأولئك الفسقة إنما اعتلوا المنابر باسم رسول الله زورا وبهتانا، وأن الأمة التي يدعون قيادتها إنما اهتدت بنور محمد صلى الله عليه وآله وهو الذي أوصى المسلمين بالكتاب والعترة، والحسين عليه السلام هو المبين للشرع بشهادة الرسول الأعظم وإنما قتله الغاصب للخلافة المنحرف الفاسق يزيد، وكيف يقتل بسيف جده؟! وهو يقول بشأنه: حسين مني وأنا منه أحب الله من أحبه، الحسن والحسين سبطان من الأسباط. (تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ـ تحقيق مصطفى عبد القادر عطا /دار الكتب العلمية ـ بيروت).
موبقات يزيد بن معاوية التي أزكمت الأنوف وجرائمه في المدينة عندما استباحها في واقعة الحرة وكذلك جرائمه في مكة عندما رشقها بالمنجنيق وقبل هذا وذاك جرائمه في عاشوراء عام 61هـ وما اقترفه من مظالم ضد ابن بنت رسول الله الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه الذين لم تحمل البطحاء مثلاء لهم على وجه الأرض!! بعد كل هذه الجرائم والمآثم يأتينا أولئك الذين أغشى الله بصيرتهم من الوهابية الضالين المضلين ويعتبرون القدح بشخصية يزيد قدحا بالصحابة والتابعين فأي ضلال هذا الذي يدافعون فيه عن الملعونين في الكتاب والسنة وسيرة العقلاء لما اقترفوه من جرائم تندى لها جبين الإنسانية!!!.
أقرأ ايضاً
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- الضرائب على العقارات ستزيد الركود وتبق الخلل في الاقتصاد