لا قيمة للمبدأ القائل ان «لكل مواطن حقا معلوما في ثروة وطنه» ما لم يتحول الى نظام قابل للتطبيق عبر آليات محددة وواضحة. مثله في ذلك مثل القول بحق المواطن في السلطة، او سيادة الشعب، التي لا تكون لها قيمة ما لم تتحول الى منظومة آليات للمشاركة في السلطة، تبدأ بحق الانتخاب العام، والمشاركة في المجالس المنتخبة ولا تنتهي بحرية التعبير والنقد والمحاسبة.
تسعى الدول التي تؤمن بهذا المبدأ الى تطبيقه عبر طرق شتى ووسائل مختلفة، لكني أشير الى خمسة مسارب لتنفيذ هذا المبدأ هي: العطاء المباشر، السكن، مجانية الصحة والتعليم، الضمان الاجتماعي، واخيرا الخدمات العامة. وعندي أن هذا الترتيب مقصود بحسب الاولوية.
لكل مواطن حق مباشر ونقدي في ثروة بلده، ولا علاقة لهذا الحق بالشهادة وسنوات الخدمة، والعمل. يمكن للسلطة التشريعية ان تنظم بقانون طريقة تنفيذ هذا الحق، لكنها لا تملك مصادرته لأنه ليس منحة لأحد، بل حق المواطنة.
السكن هو الهبة الاولى التي يتوقعها المواطن من وطن اقسم يمين الولاء له. لكل مواطن حق في قطعة أرض من بلده يسكن فيها. اذا سمحت ثروات البلد ان تبني الدولة للمواطن مسكنا، كان بها، وفي كل الاحوال للمواطن حق على وطنه في ان يوفر له مسكنا لائقا.
مجانية الصحة والتعليم من الاساسيات التي يتوقعها المواطن من وطنه، على الأقل ما كان اساسيا في التعليم الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، والجامعية في حالات القدرة، وما كان اساسيا لحفظ صحة المواطن وادامتها.
الضمان الاجتماعي حق للمواطن على وطنه في حالات العجز عن العمل. وهو ليس ضمانا شكليا، كما الحال في شبكة الحماية الاجتماعية، بل طريقة لتوفير الحياة الكريمة للمواطن حتى يتمكن من العمل.
الخدمات العامة، وان كان توفيرها هو الوظيفة المعلومة للحكومة، الا انها تمثل وجها آخر من وجوه حق المواطن في ثروة وطنه. يتوقع المواطن ان يسير في طرق سالكة، وان تتوافر شبكة تصريف ملائمة، وان يحصل على كهرباء، وإن بمقابل مادي، وان يحصل على ماء صالح للشرب، وإن بمقابل مادي. يتوقع المواطن ان تحسن الحكومة استثمار ثروات وطنه في توفير هذه الخدمات. لن يقول المواطن شكرا للحكومة، فهذا واجبها ووظيفتها، لكنه سوف يعيد انتخابها في دورة انتخابية تالية. لكنه بالتأكيد سوف يحتج عليها ان هي قصرت او فشلت في اداء هذه الوظائف، بالنقد العلني مرة، والاحتجاج بالطرق الدستورية والقانونية تارة اخرى، او بإسقاطها اما عن طريق سحب ثقة ممثليه بها في البرلمان او بعدم التصويت لمصلحتها في دورة انتخابية مقبلة.
قد يولد الولاء للوطن مع الولادة، مع حب البيت والاهل، لكنه يكتسب ويترسخ ويقوى حين يؤدي الوطن حقوق مواطنيه، اذا وفر الوطن حصصهم من ثرواته: عطاء، وسكنا، ودواء وتعليما مجانيين، وضمانا اجتماعيا، وخدمات عامة، وبكلمة واحدة: حياة كريمة!
أقرأ ايضاً
- التأهيل اللاحق لمدمني المخدرات
- دور الذكاء الاصطناعي في إجراءات التحقيق الجزائي
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!