عند تقاطع شارع الجمهورية، وسط كربلاء، يتجمع عدد من الأشخاص، يومياً، بانتظار أن يبيعوا جهدهم لمشتر قد يأتي وقد لا يأتي.
وتستمر هذه الرحلة كل يوم، فعند الخامسة صباحاً يغادر الرجال منازلهم التي تقع عادة عند أطراف مدينة كربلاء، باتجاه مركز المدينة حاملين معهم عدة العمل، فيتجمعون في مكان يطلق عليه اسم \"المسطر\".
وحين يأتي أصحاب العمل إلى هذا المكان عند حاجتهم إلى عامل في المجاري أو عامل تهديم أو لتبييض الجدران يهرعون إليه عارضين عليه جهدهم وخبرتهم. وعادة ما يجلس هؤلاء العمّال على الرصيف لعدة ساعات، يتطلعون إلى المارة بتفحص، وأحيانا ينادون على هذا الشخص أو ذاك ظناً منهم أنه صاحب عمل.
أغلب الذين يجلسون على رصيف \"المسطر\" لا يملكون سكناً خاصاً بهم، فبعضهم يسكن مع عائلته التي تتألف، عادة، من الوالدين والأشقاء، وهي عائلات كبيرة تفوق طاقة منازل قديمة لاستيعابهم، وتقع على أطراف المدينة، وفي الأحياء الشعبية، التي تعرف أحيانا بأحياء التجاوز، ما يعني \"المزيد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية\" كما يقول مصطفى موسى، 39 سنة،
فهو قد زُوج بمساعدة أحد أقربائه، ولم يكن يملك حتى نفقات الزواج، و\"اضطر للبقاء في بيت أهله لأنه عاطل عن العمل ولا يملك موردا يحقق له الاستقلال\" حسبما يقول.
ويروي موسى أنه يشعر بالاحراج لأنه يعود، في أغلب أيام الأسبوع، خالي الوفاض بعد أن يفشل في الحصول على عمل، الأمر الذي يدفعه أحياناً إلى اقتراض بعض المال من أصدقاء له كي يعود إلى المنزل وفي يده \"بعض الخضار وشيء مما يلفت صغاره\". وبذلك تصبح هذه القروض \"عبئاً مضافاً إلى أعباء حياته\" حسب تعبيره.
ويصف مصطفى موسى يومه حين يخرج من المنزل صباحا بأنه \"رحلة إلى المجهول\" فقد يأتي من يحتاج إلى جهده وقد لا يأتي، حتى إذا جاء تظل الفرص نادرة، في ظل وجود عدد كبير جداً من العمال المنتظرين.
وعادة ما يبحث أصحاب العمل عن العامل الشاب الممتلئ فتتراجع فرص أصحاب الأجساد النحيفة والأعمار الكبيرة نسبياً.
ويقول موسى إنه \"بسبب ذلك، غالباً، ما يحدث تنافر بين العمال وتتسع دائرة اللغط والكلام، وأحيانا ننقسم إلى أكثر من فئة وفقاً للشروط التي يرغب أصحاب العمل توفرها في العمال الذين يحتاجون إليهم\".
لا يتقاضى عمّال \"المسطر\" أجوراً كبيرة قياساً بالتضخم الذي تشهده السوق العراقية، وبحاجاتهم المتزايدة، فأجرة العامل \"غير الفني\" لا تتجاوز الـ12 ألف دينار عراقي، أي ما يعادل ثمانية دولارات أو أكثر بقليل، بينما يتقاضى العمال الفنيون، الذين يجيدون ربط شبكات المجاري المنزلية أو طلاء الجدران وتبييضها، أجراً أعلى من ذلك.
وحين لا يحصل عمّال \"المسطر\" على عمل، بشكل يومي، يصبح الحديث عن مورد ثابت للدخل \"مجرد كذبة\" كما يقول عواد صلبوخ، 35 سنة، الذي يعيل عائلة تتألف من والديه وثلاثة أطفال بالإضافة إلى زوجته، وجميعا يسكنون في منزل واحد يتألف من غرفتين فقط.
ويقول صلبوخ \"إنه لا يشعر بأي طعم للحياة طالما ظل غير قادر على تلبية أهم الحاجات التي تتطلبها أسرته الكبيرة، ويضيف إن \"الشعور بالإحباط يلازمني بشكل دائم، خصوصاً أني لم أعد قادراً على مواصلة العمل المجهد إلى ما لا نهاية\".
ويبقى السؤال الذي يطارد كل عمّال \"المسطر\" دائما هو: إلى متى أظل واقفاً عند هذا الرصيف؟
ويقول عواد صلبوخ إن \"أحلام أطفالنا بحياة أفضل، وسعينا لحمايتهم وحماية أسرنا من الزمن، تتلاشى ونحن نعيش هذا الواقع المر الذي نكاد لا نحصل فيه على قوت يومنا\".
ويأمل صلبوخ كغيره من عمّال \"المسطر\" أن \"تلتفت الحكومة العراقية والبرلمان لتشريع قوانين الضمان الاجتماعي وتوفير السكن للفقراء\"، ويضيف أن \"أفضل ما يمكن أن تقوم به الدولة هو توفير فرص عمل للعاطلين، فالإعانات التي توزع لا تكفي لسد احتياجاتهم، فضلاً عن أنها لاتصل إلى الجميع ولا توجد ضوابط حازمة لتوزيعها على مستحقيها\".
وطالما اشتكى عاطلون عن العمل من سوء إدارة شبكة الرعاية الاجتماعية في كربلاء وفي غيرها من المحافظات، وذهب بعضهم إلى القول بأن الكثير من مستحقي الإعانات لا يحصلون عليها، بينما هناك أشخاص لا يستحقونها قد سجلوا أسماءهم ضمن شبكة الحماية الاجتماعية، وباتوا يحصلون على أموال وصفها ممثل آية الله االعظمى السيد السيستاني في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي مؤخرا بأنها \"من السحت الحرام\".
مدير قسم العمل والتدريب المهني في كربلاء حيدر حامد بنيان يؤكد ذلك ويقول إن \"هناك عملية تدقيق متواصلة تجري بهدف فرز المستحقين عن غيرهم\".
وبخصوص مشكلة البطالة في كربلاء يقول إن \"هناك خطة لاستيعاب عدد أكبر من العاطلين ضمن خطة الإستثمار التي من المؤمل أن تشهدها المدينة\"، لكنه لم يشر إلى الموعد الذي ستنطلق فيه خطة الإستثمار تلك.
ويتابع أن \"كربلاء ستشهد دخول بعض الشركات للعمل في مجال بناء محطات الكهرباء والمطار ومرآب كربلاء، ونحن نسعى إلى إيجاد فرص عمل للعاطلين من خلال هذه المشاريع\"، مؤكداً أن \"نحو 39 ألف عاطل عن العمل قد سجلوا أسماءهم بالفعل في مكتب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في كربلاء\".
يذكر أن الحكومة العراقية اتخذت العديد من الإجراءات لتخفيف وطأة البطالة من خلال شبكة الحماية الاجتماعية والقروض. وقد \"حصل 3000 عاطل عن العمل على قروض مشروطة بتنفيذ مشاريع بسيطة في كربلاء وحدها\" بحسب مدير قسم العمل والتدريب المهني حيدر حامد، الذي أشار إلى أن \"هناك 3000 عاطل عن العمل سيحصلون على قروض ضمن الدفعة الثانية خلال الفترة المقبلة\".
عباس المالكي
أقرأ ايضاً
- بدعم كامل من العتبة الحسينية المقدسة اجراء (1701) عملية جراحية خاصة ضمن برنامج الاستقدام والاخلاء الطبي
- بدعم متواصل من العتبة الحسينية مستشفى السفير يجرى (10) الاف و(800)عملية جراحية في تسعة اشهر
- تحول إلى محال تجارية.. حمّام اليهودي في كربلاء (فيديو)