مع تأخر مستحقات الموظفين والمتقاعدين الشهر الماضي، تصاعدت الأحاديث عن شحة في السيولة المالية، وعلى الرغم من أحاديث “الطمأنة” التي تطلقها وزير المالية طيف سامي، لكن الوضع في 2025 لا يشبه سابقه من حيث مداخيل الإيرادات النفطية، بحسب خبير.
غير أن متخصصين في الشأن المالي ومستشارا حكوميا أكدوا أن لا خطر حقيقيا على الرواتب بسبب تدفق النفط، مشيرين إلى أن الخطر سيطول النفقات الاستثمارية وهو ما يوقف المشاريع ويقلل فرص العمل.
ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، إن “الأحاديث عن وجود أزمة مالية غير صحيحة ولها أهداف أخرى، إضافة إلى أن مثل هذه الأحاديث تطرح في الشارع لبث الهلع، وهو ما حدث في الأيام الماضية، لأن الأمر يتعلق بالرواتب، قوت الناس ومحركها الأساسي”.
ويضيف المشهداني أن “عام 2025 مهما يكون فيه مستوى الشح، لن يكون أشد قسوة من عام 2020 إبان جائحة كورونا وتوقف النفط، لكن الحكومة لجأت آنذاك إلى الاقتراض وتمت تمشية الأوضاع”، لافتا إلى أن “عدم وجود سيولة أمر غير مقنع لأن النفط لم ينقطع تصديره ولم تهبط أسعاره إلى أقل من مستوى 70 دولارا”.
ويتابع أن “الإيرادات الشهرية من النفط تصل إلى 7 مليارات دولار تقريبا (نحو 10.5 تريليونات دينار) وهذه الأخيرة تغطي الرواتب، لأن مستحقات الموظفين والمتقاعدين والحماية الاجتماعية تصل إلى 7.5 تريليونات، لذا فإن شح السيولة لا يتعلق بالرواتب”.
ويشير إلى أن “هذا الشح يتعلق بالمشاريع الاستثمارية، لأن حسابات وزارة المالية لغاية نهاية شهر تشرين الأول الماضي تظهر أنها صرفت 100 مليون دولار، خمسة منها فقط استثمارية، و95 للتشغيلية”، معتقدا أن “هذا الشح في الجانب الاستثماري، لأسباب سياسية تتعلق بقرب الانتخابات خشية استخدام المال العام لأغراض الدعاية”.
ويخلص إلى أن “هناك تخويلا حصلت عليه الحكومة حسب قانون الموازنة الجارية، بالاقتراض من البنك المركزي 20 مليون دولار، وهي حتى الآن لم تقترض من البنك وعلى مدى العام الماضي، والأخير يؤكد أن لديه أموالا”.
وخلال الأيام الأولى من الشهر الحالي، شكا موظفون ومتقاعدون من تأخر تسديد مستحقاتهم المالية عن شهر كانون الأول 2024، وفيما أكد البعض أن هذا التأخير ناجم عن نقص في السيولة النقدية بالمصارف العراقية، تصر الحكومة على أن ما يشاع عار عن الصحة وأنها لا تواجه أي إشكال في التمويل.
وكان العراق رفع ميزانيته في عام 2024 حتى بعد حجم إنفاق قياسي في عام 2023 عندما تم تعيين أكثر من نصف مليون موظف جديد في القطاع العام، وبدأت عملية تحديث للبنية التحتية على مستوى البلاد تتطلب أموالا ضخمة.
إلى ذلك، حاولت “العالم الجديد” الاتصال بجهة رسمية للتحقق من وجود شحة في السيولة المالية، إلا أن أعضاء اللجنة المالية في البرلمان لم يردوا على الاتصالات، لكن من جهته، اكتفى المستشار المالي للحكومة مظهر محمد صالح، خلال تعليق مقتضب، بالقول إن “لا مخاوف حقيقية ما دامت الصادرات النفطية بخير”.
بيد أن صالح أخبر وكالة “رويترز” في أيلول سبتمبر الماضي، بأن العراق سيواجه أزمة بالموازنة في عام 2025 بسبب انخفاض أسعار النفط، الذي يعتبر المصدر الرئيسي لإيرادات البلاد، وقال: “لا نتوقع مشكلات كبيرة في عام 2024 لكننا نحتاج إلى انضباط مالي أكثر صرامة في عام 2025”.
ويعتمد العراق، ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، بشكل كبير على عائدات النفط، إذ يشكل الغالبية العظمى من عائدات التصدير ونحو 90% من إيرادات الدولة، ويجعل هذا الاعتماد الكبير على النفط العراق بشكل خاص عرضة لتقلبات أسعار الخام العالمية.
وفي هذا السياق، يشير خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، إلى أن “الوضع المالي في 2025 تغير عن العام الماضي، فالنفط بقي مسيطرا على الإيرادات بشكل أكبر، وأسعار النفط كانت في 2024 أعلى من السعر الموضوع في الموازنة (70 دولارا للبرميل)، لذا كانت هناك وفرة نقدية ساعدت الدولة على تقليص العجز في العام الماضي”.
ويضيف: “في الأشهر الأخيرة انخفضت أسعار النفط، وكل دولار ينخفض عن السبعين دولارا يسبب مشكلة، فإذا ما أصبح سعر البرميل 69 دولارا وإذا ما استمر هذا الانخفاض لمدة عام، يعني تراجع الإيرادات بمقدار 1.2 مليار دولار، وهذا يضاعف العجز الموجود أصلا”.
وكانت وزارة المالية أكدت في بيان لها، الأسبوع الماضي أن “رواتب شريحة المتقاعدين والرعاية مؤمّنة بالكامل، ولا توجد أي شحة في السيولة المالية التي تغطي الرواتب”، وقالت إن “كل ما يُشاع خلاف ذلك ليس إلا تكهّنات لا تستند إلى أي أساس، وهي بعيدة تماماً عن الحقيقة”.
غير أن شيرواني يتحدث تعقيبا على ذلك، بالقول إن “وزيرة المالية أشارت أن لا مشكلة في الرواتب وهي مؤمنة بالكامل في عام 2025، لكنها قبل نحو أسبوعين أخبرت وفد إقليم كردستان الذي حضر للمطالبة بالدفعات النهائية لرواتب موظفي الإقليم لعام 2024، أخبرتهم بأن هناك أزمة في السيولة وتحتاج بعض الوقت لإرسال مستحقات الإقليم، ما يشير إلى أن هناك تناقض وازدواجية بين التصريحين”.
ولكن عند مراجعة أرقام الإيرادات، يشير شيرواني إلى “عدم وجود إشكالية في تأمين الرواتب وهي جزء من النفقات التشغيلية للدولة، وفي حال أي نقص بسبب تراجع أسعار النفط، سيتم استقطاع هذا النقص من الجزء الاستثماري في الموازنة الذي لا يتجاوز 25 بالمئة، فأي هبوط في النفط سيكون على حساب الجزء الاستثماري المخصص لإنشاء مشاريع جديدة تدر أرباحا وتخلق فرص عمل جديدة”.
واستضافت اللجنة المالية البرلمانية، أمس الأول، وزيرة المالية طيف سامي لمناقشة طريقة توطين وإطلاق رواتب الموظفين في اقليم كردستان، وأسباب تأخر إطلاق التخصيصات المالية ورواتب الموظفين وتمويل المشاريع.
وكان عضو اللجنة المالية النيابية، مصطفى الكرعاوي، أكد أمس، وجود أزمة مالية حقيقية تواجه البلاد، مشيرا إلى أنه “خلال استضافتنا لوزيرة المالية، تبين لنا وجود أزمة لكنها لن تؤثر على تمويل رواتب الموظفين، بل قد تؤدي إلى تأخير صرفها”.
بدوره، يؤكد الباحث في الشأن المالي والمصرفي مصطفى حنتوش، أن “الدولة العراقية تستطيع أن تؤمن الرواتب حتى لو وصل سعر برميل النفط إلى 50 دولارا كما يمكن أن تدفع جزءا من النفقات الحاكمة والنفقات الاستثمارية، لكن تأمين كل النفقات الاستثمارية أمر يواجه صعوبة ويحتاج إلى أن تتجاوز أسعار برميل النفط 100 دولار”.
ويلفت إلى أنه “لا خطر حقيقيا على المرتبات ما دامت أموال بيع النفط مستمرة، ففي ظروف أصعب أمنت الدولة الرواتب من خلال الاقتراض الداخلي، وهو إجراء لا يشكل خطرا لأنها أموال الدولة نفسها”.
لكن حنتوش يستدرك بأن “الخطر الحقيقي هو في حال استمرار الفوضى الحالية بعدم وجود خطة من قبل البنك المركزي العراقي بتنظيم التجارة مع إيران وتحويلها إلى تجارة رسمية بإيجاد منافذ أخرى كالذهب أو التبادل التجاري او الحوالات”، محذرا من أن “الولايات المتحدة قد تعتبر تلك التجارة غسيل أموال أو تحدي العقوبات، لذا نحتاج إلى خطة سريعة لتنظيم هذه التجارة وعدم إهمال هذا الموضوع”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- مبيعات البنك المركزي تضع السوداني بـ"ورطة".. هل البلاد بحاجة للدينار العراقي؟
- تعديل قانون الانتخابات.. هل وصل للسلطة التشريعية؟
- موازنة 2025.. هل يؤخر "نفط الإقليم" تمرير جداولها؟