عاش " شامل غالب" البالغ من العمر (53) عاما يسكن البصرة منطقة الدير في بناء متهالك وبسيط ويفتقد لمقومات الحياة الاساسية يكاد يسمى بيتا لعائلته، نصفه غير مسقف والنصف الآخر تنخر به الرطوبة والعوامل الجوية، ولا يمتلك من الاجهزة الكهربائية او الغازية الا القليل منها حتى ان عائلته لا تعرف للماء البارد سبيلا لانها لا تمتلك ثلاجة، ورغم ذلك لم يشكوا ضيق الحال لاحد، لانه قنوع بما يرزقه الله به في عمله كأجير في مطعم، ورغم ذلك لم يكتفي برعاية عائلته بهذا المبلغ بل تعداه لرعاية ابناء اخوته الايتام وعائلاتهم، عشق الحسين وتربى في عائلة كانت تقيم المجالس وتشارك في تجسيد ادوار معركة الطف بما يسمى "التشابيه"، فسار على نهجهم ولكونه فقيرا ولا يملك ما يمكن ان يخدم به الزوار تصدى لاداء دور "عابس الشاكري" لاعوام عدة، حتى حانت ساعة وفاته هذا العام وهو يؤدي دوره، فذاب في حب الحسين ومات في تمثيل واقعته.
عائلة حسينية
يقول خاله " رعد ريكان" لوكالة نون الخبرية ان" المرحوم "ابو مازن" من مواليد (1971)، وهو انسان بسيط ومحبوب في منطقته، وفقير الحال وتربى تربية حسينية تعلمها من والداه واجداده وكان يخدم لسنوات في المواكب الحسينية ويسير الى كربلاء المقدسة في زيارة الاربعينية، وورث التمثيل في التشابيه عن والده الذي كان يمثل دور "حرملة بن كاهل"، وجده الذي يؤدي دور "شمر بن ذي الجوشن" في ستينيات القرن الماضي، وبعد ان كبر والده بالسن ولم يستطع اداء الدور ورث "شامل" عن ابيه اداء دورا في التشابيه لكنه اختار ان يمثل دور "عابس الشاكري"، لانه لا يملك من حطام الدنيا شيء ليقدمه في خدمة الحسين (عليه السلام)، ورغم ضيق الحال وبيته الذي يكاد يسمى بيتا، الا ان عائلته تقيم العزاء الحسيني للنساء فيه، وحتى في سنوات القمع والمنع تركوا اقامة الشعائر بشكل علني خشية بطش النظام المباد، واستمروا بإقامتها في دواوين بيوتهم وفي جامع الدير بشكل ضيق ومحصور وكان شامل صغيرا يرافق والده بحضورها".
انجلاء الغمة
ويكمل ريكان حديثه بالقول" بعد انفراج الامور وانجلاء غمة الحقبة البعثية اقيمت المواكب ومجالس العزاء بشكل علني في الشوارع والحسينيات والمساجد والبيوت، ودأب "شامل" على الحضور والمشاركة بشكل مكثف فيها، الا انه اختار التمثيل في واقعة الطف بدور "عابس الشاكري"، في موكبهم وتقام شعائرها في العاشر من محرم بمركز قضاء الدير، ثم يمثلون واقعة دفن الاجساد في الثالث عشر من المحرم، واستمر في المشاركة واداء الدور لمدة (19) سنة متتالية، بعد ان اختار تمثيلها بنفسه لتعلقه بهذه الشخصية وتمكن من تجسيدها بشكل لافت للنظر، وهو كاسب وفقير وعزيز النفس وحسيني صادق، يعمل في مطعم بأجر يومي مقداره (20) الف دينار يوزع على ثلاث عائلات، كونه يعيل عائلته المكون من خمس افراد، كما يتكفل باعالة عائلتي اخوانه المتوفين، وعنده قناعة عجيبة ورضا بنعمة الله ولم يشكوا يوما لي من ضيق الحال".
في تمثيل الواقعة
اما "سلمان حسين سلمان" صديق الطفولة و"الصبا" للمرحوم "شامل غالب" فيبين ما جرى له ووقت وفاته قائلا" في ليلة العاشر من المحرم كنا مجتمعين عنده في البيت واخبرنا بشعوره بعدم استمراره في خدمة ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) بعد هذا العام، واكد هذا الاحساس باصرار، ورغم تجاوزه العقد الخمسيني من العمر الا انه لم يكن يشعر بأي مرض مزمن او عارض، كما ابلغ احد الممثلين من اصدقائنا اثناء تمثيل واقعة الطف بأنه يرى اجواء المعركة غير ما نراها فالأشخاص غير الاشخاص الموجودين والخيول غير الخيول المستخدمة في التشابيه، والجيش غير الجيش الذي نمثل شخصياته، وقال له كأني ارى الامام الحسين (عليه السلام) امامي، ورغم توصيل الماء له من قبل ولده وزوجته الا انه رفض شرب الماء واخبرهم ان الحسين مات عطشانا وهو يريد ان يموت عطشانا، وكان ينتظر حلول شهر محرم بشغف ويحب يوم العاشر منه ليؤدي دوره في التشابيه، وكانت وفاته فيه مختتما حياته خادما لسيد الشهداء".
أقرأ ايضاً
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "
- العتبة الحسينية اقامت له مجلس عزاء :ام لبنانية تلقت نبأ استشهاد ولدها بعد وصولها الى كربلاء المقدسة
- بركات الامام الحسين وصلت الى غزة ولبنان :العتبة الحسينية مثلت العراق انسانيا(تقرير مصور)