- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حرب عالمية من أجل توطين الرواتب
بقلم: شيرزاد شيخاني
فتحت المحكمة الاتحادية أبواب الجحيم على حكومة إقليم كردستان منذ أكثر من سنة عبر عدد من القرارات القاسية والمؤلمة لهذه الحكومة التي ينخرها الفساد من أخمص قدميها إلى قمة رأسها.
فمن إيقاف تصدير النفط غير القانوني، مروراً بإلغاء البرلمان المحلي ومجالس المحافظات وتعديل قانون الانتخابات البرلمانية وإنهاء الكوتا التركمانية والمسيحية، انتهاء بقرار توطين رواتب موظفي الإقليم أسوة بموظفي المحافظات العراقية الأخرى، تتوجع حكومة الإقليم من هذه القرارات التي وصلت إلى حد كسر العظم باستخراج جميع المصادر المالية من تحت يد هذه الحكومة من عائدات النفط والجمارك إلى رواتب الموظفين.
ويبدو أنَّ قرار توطين رواتب موظفي الإقليم هو القرار الأقسى والأكثر إيلاماً لحكومة الإقليم، حيث أن هذا القرار حرمها من استغلال أقوات الشعب لمصالحها الحزبية، ومنعها من التلاعب بالأموال الواردة من بغداد لدفع رواتب موظفي الحكومة، ولهذا نرى ونلمس بأنَّ حكومة الإقليم تكاد تشن حرباً عالمية من عدة جبهات ضد توطين الرواتب، ساعية إلى تسليم الرواتب لمصرف أهلي خاص باسم (آر تي) يعتقد أنه مملوك لرئيس الحكومة وتحت حساب باسم (حسابي).
فقد كرست حكومة الإقليم جميع إمكانياتها الإعلامية ووزارتها ودوائرها الرسمية من أجل الضغط لوضع رواتب الموظفين في المصرف الأهلي الخاص، في حين أن قرار المحكمة الاتحادية واضح تماماً، ويقضي بأن تودع تلك الرواتب بالمصارف الحكومية التابعة للحكومة العراقية حصراً، وتحديداً مصرفي الرافدين والرشيد، ودفعها للموظفين عبر نظام (كي كارد).
وبالرغم من أنَّ الأكثرية الساحقة من الموظفين والمتقاعدين، بمن فيهم الموالين والمنتمين للحزب الديمقراطي الكردستاني، يفضلون بل ويتمنون التعامل مع مصارف الحكومة العراقية بدلاً عن المصارف الأهلية التي يتحكم بها رئيس الحكومة، لكن رئيس حكومة الإقليم لا يمل من إرسال مبعوثيه ووفوده المتتالية إلى بغداد من أجل تغيير القرار لصالح (حسابي).
والغريب في الأمر أنَّ حكومة الإقليم تعتبر تسلم الموظفين لرواتبهم عبر الحكومة العراقية بأنه خيانة وطنية عظمى، في حين أنَّ الآلاف من المسؤولين الكرد، بمن فيهم وزراء وأعضاء البرلمان السابقين ووكلاء الوزارات، يتسلمون رواتب شهرية متواصلة من بغداد.
ولا أفهم كيف تستطيع حكومة الإقليم أن تحقق هدفها بإخراج تلك الرواتب من مسؤولية المصارف الحكومية العراقية ودفعها إلى حساب أهلي خاص. حتى أن السيدة طيف سامي وزير المالية العراقية أعربت لبعض مسؤولي الإقليم عن استغرابها البالغ حول كيفية دفعها للقبول بإيداع مبالغ حكومية في مصارف أهلية، مؤكدة أن هذا أمر لم يحدث في تاريخ الحكومات أن أودعت أموالها في مصارف أهلية غير حكومية.
وكما اعتدنا نحن أبناء كردستان على فساد النظام الحاكم بالإقليم، فإننا لا نستبعد وجود شبهة فساد حتى في هذا المجال، وإلا فمن المستغرب أن تصرّ حكومة الإقليم على هذا الأمر في وقت أن إنهاء مشكلة رواتب موظفيها وإحالتها إلى عهدة الحكومة الاتحادية سوف تخلصها من أزمة مالية خانقة تعاني منها منذ أكثر من ثماني سنوات.
ويبدو لي بأنَّ حكومة الإقليم تحاول أن تبقي رواتب موظفيها تحت تصرفها، لكي تستخدمها لأغراض خاصة بالفساد، بحيث أنها ستتلاعب بالودائع، وقد تستخدمها لدفع الديون الهائلة المترتبة عليها بسبب سوء الادارة، أو قد تستخدمها لتحصيل الضرائب والاتاوات واستقطاع أجور الكهرباء والماء والرسومات الأخرى، أو حتى تلجأ إلى استقطاع أجزاء كبيرة من تلك الرواتب بذريعة الادخار القسري كما فعلت في السنوات السابقة، حين أوقفت هذه الحكومة دفع 45 راتباً من رواتب موظفيها بحجة الأزمة المالية واستقطاع نسبة 21 بالمئة من تلك الرواتب بسبب عجز الميزانية. ويتخوف الموظف الكردي من تصفير ودائعه أو سرقتها كاملة في حال تحولت تلك الأموال إلى يد هذه الحكومة الفاسدة.
لا أظن بأنَّ المحكمة الاتحادية تستطيع أن تتراجع عن قرار التوطين تحت أي ظرف كان، لأنَّ قراراتها باتة وملزمة على جميع السلطات في العراق. يبقى أمر واحد تحاول حكومة الإقليم أن تلجأ إليه، وهو الضغط على رئيس الحكومة الاتحادية لتخفيف وطأة هذا القرار والسماح لمصرف (آر تي) الأهلي بتسلم رواتب موظفي الإقليم، وهذا ما سيفرغ قرار المحكمة الاتحادية من مضمونه تماماً، وسيكون السماح لهذا الأمر لطخة سوداء بجبين رئيس الحكومة الاتحادية الذي يعلق أبناء كردستان آمالا كبيرة على حسن إدارته وسعيه الدائب لاستئصال الفساد في البلاد.
دعونا ننتظر موقف السيد محمد شياع السوداني، وهل سيرضخ للضغوطات من جانب حكومة الإقليم، أم أنه سيثبت احترامه الكامل لقرارات أعلى سلطة قضائية مستقلة في العراق؟