مع إعلان مجلس الوزراء، إحالة أربعٍ من المدن السكنية الجديدة في بغداد إلى الشركات المنفذة، يبرز التساؤل عن مدى قدرة المواطن على شراء وحدة سكنية فيها، وفيما توقع باحث اقتصادي أن تكون أسعارها متاحة لذوي الدخول المتوسطة بسبب بُعد هذه المشاريع عن مراكز المدن، شدد آخر على ضرورة أن يكون تنفيذها من قبل شركات القطاع الحكومي منعا للتلكؤ وهدر المال الذي يرفع تكاليفها على المواطن.
ويقول الباحث في الشأن الاقتصادي همام الشماع، إن "مثل هذه المشاريع يجب أن تنفذ تنفيذا مباشرا من قبل القطاع الحكومي ومن شركات المقاولات الحكومية تحديدا أما إذا أحيلت إلى مقاولين في القطاع الخاص ستشهد تلكؤا وتكاليفها ستكون باهظة".
ويضيف الشماع أن "التكاليف يجب أن تكون محدودة، ويجب أن تخلو هذه المدن من المبالغة في البناء والأشياء غير الضرورية حتى لا يكون فيها هدر للمال والأراضي، وتبقى أسعارها بمتناول المواطن لاسيما الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود".
وعن ضمانات عدم تلكؤ هذه المشاريع، يتابع قائلا: "لا يوجد ضمان في الوقت الحاضر لنجاح أي مشروع في العراق، لاسيما مع الوضع الاقتصادي الحالي الذي يحتاج إلى التفاتة، إذ يجب قبل التفكير ببناء هذه المدن أن تحل الحكومة أزمة الدولار، فما فائدة بناء وحدة سكنية للمواطن وهو لن يستطيع دفع تكاليفها بسبب ارتفاع سعر الصرف، إذ يجب تقديم هذه الأزمة قبل أزمة السكن والأزمات الأخرى".
وكان مجلس الوزراء وافق، الاثنين الماضي، على إحالة مشاريع أربع مدن سكنية جديدة على شركات أجنبية ومحلية مختصة، لافتا إلى أن هذه المدن في محافظات مختلفة وهي مدينة الجواهري في بغداد، والغزلاني في نينوى، والجنائن الجديدة في بابل، وضفاف كربلاء.
وأعلنت وزارة الإسكان والإعمار في آب الماضي عن فتح عطاءات هذه المدن السكنية، فيما بينت أن أكثر العروض التي استلمتها هي لمدينة الجواهري الجديدة والتي تقع في معسكر طارق سابقا قرب أبو غريب، وكذلك مدينة الجنائن في بابل وضفاف كربلاء في محافظة كربلاء، ومدينة الغزلاني في نينوى ومدينة الفلوجة الجديدة في الأنبار.
إلى ذلك، يتحدث الباحث في الشأن الاقتصادي والمالي، مصطفى حنتوش، عن أن "البرنامج الحكومي وعد بتخصيص 500 ألف قطعة أرض سكنية للمواطنين، وطالبنا بأن تخصص لها بالموازنة أموال لإنشاء طرق وخدمات لهذه القطع، لكن آراء وزارة الاعمار والإسكان والمتنفذين فيها كانت بالضد من مصلحة المواطن، بالتالي لم تلتزم الحكومة بهذه الخطة".
ويضيف: "بدلا عن هذا اتجهت الحكومة إلى منح إجازات استثمارية لإنشاء مدن سكنية في بغداد وكربلاء وبابل وغيرها، ولكي تكون أسعارها مناسبة ارتأت أن تشيد خارج مراكز المدن، فإذا التزمت الحكومة بتوفير الخدمات والطرق لهذه المدن ستنجح، أما إذا طالتها يد الفساد ستفشل وتتلكأ كما حدث مع بسماية"، مشيرا إلى أن "العراق يحتاج إلى قرابة 7-8 ملايين وحدة سكنية، وهذه المدن لن تكون كافية بالتأكيد".
ويعاني العراق نقصا حادا في قطاع السكن مع ارتفاع في أسعار مستلزمات المعيشة، لاسيما مع التقلبات في سعر صرف الدولار، الذي رفع أسعار الوحدات السكنية، فضلا عن عدم توفر الخدمات المطلوبة للأراضي السكنية الموزعة من قبل الحكومة التي تركن جانبا لعدة سنوات بانتظار أن يتم شمولها بالخدمات.
من جهته، يعتقد الباحث في الشأن الاقتصادي، نبيل جبار، أن "هذه المشاريع ووفق المتوقع لن تكون باهظة الثمن وسيكون باستطاعة المواطن شراء وحدة سكنية فيها".
ويضيف جبار أن "المدن السكنية الجديدة هي مشاريع أوجدت من أجل توفير وحدات سكنية للمواطنين لحل أزمة السكن، فمن الطبيعي أن تكون متاحة للشراء من قبل ذوي الدخول المتوسطة، فحتى مواقعها اختيرت خارج المدن لذا من المتوقع أن تكون بأسعار منخفضة"، لافتا إلى أن "مدينة الجواهري في بغداد كما سمعنا أحيلت إلى شركة قطرية".
وتضم مدينة الجواهري الجديدة التي ستنشأ في محافظة بغداد بواقع 7121 دونما، وحدات سكنية ومناطق خضراء وخدمات صحية وتعليمية وترفيهية ورياضية وخدمات عامة وبنى تحتية وطرق رئيسة وثانوية وغيرها من الاستعمالات ضمن التصميم الأساس للمدينة.
من جانبها، تنتظر محافظة بابل هي الأخرى، مدينة الجنائن الجديدة، وهي أحد المشاريع الأربعة التي أحالها مجلس الوزراء للتنفيذ، ويشير رئيس الدائرة الإعلامية في ديوان المحافظة حيدر إبراهيم، إلى أن "المحافظة حددت الأرض التي ستبنى فيها مدينة جنائن بابل في منطقة الوردية وسط المحافظة بمساحة 7 آلاف دونم وهو مكان يسهل توفير الخدمات فيه كالماء والكهرباء".
ويضيف إبراهيم أن "المدينة من المتوقع أن تكون شبيهة بمجمع بسماية السكني وهي مدينة ستبنى وفق طراز حديث وليست دورا واطئة الكلفة، وبإمكان أي مواطن التقديم على شراء وحدة سكنية فيها".
وبحسب ما أعلنت الهيئة الوطنية للاستثمار، فإن مدينة الجنائن الجديدة في محافظة بابل بواقع 7000 دونم، ستضم وحدات سكنية عمودية ومباني عامة وخدمات تعليمية وصحية وثقافية وترفيهية وتجارية وشوارع رئيسة وثانوية ومطاعم ومساحات خضراء، وخدمات بنى تحتية وغيرها من الاستعمالات في التصميم الأساس للمدينة.
وتعاني غالبية العوائل في محافظة بابل من أزمة سكن ، ولم تستطع شراء وحدات سكنية ضمن المجمعات التي أنشأت في المحافظة منذ العام 2010 حتى اليوم، بسبب أسعارها المرتفعة التي لم يقو على تأمينها سوى ميسوري الحال، ما يضطر العوائل الفقيرة إلى السكن في العشوائيات.
من جانبه، مدير المشاريع في بلدية الحلة، سلوان الأغا يؤكد أن "مشروع مدينة الجنائن غير تابع لمشاريع البلدية كونه مشروعا استثماريا، ونحن في بلدية الحلة وضعنا متطلبات خاصة وحددت المنطقة في الوردية خارج وهي منطقة مقترحة أن تكون مطارا في السابق، وبانتظار تنفيذ هذا المشروع كونه سيحد من أزمة السكن التي تعانيها المحافظة".
وكانت وزارة التخطيط، توقعت ارتفاع عدد السكان في العراق إلى 42 مليون نسمة بحلول نهاية العام الماضي، فيما أشارت إلى أن العراق لم يصل مرحلة الانفجار السكاني وأن نسبة النمو السكاني تقدر بـ2.6 بالمئة.
يشار إلى أن مجلس الوزراء، قرر توزيع 500 ألف قطعة أرض سكنية للمواطنين، بعد تشكيل الحكومة مباشرة، كما قرر أيضا تحويل جنس الأراضي الزراعية إلى سكنية، وخاصة الأراضي التي شيدت عليها مبانٍ وأصبحت بأمر الواقع مناطق سكنية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟