مع مطلع تشرين الأول 2019 استيقظ العراق على احتجاجات شعبية حاشدة غصت بها شوارع العاصمة بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية، واستمرت حتى مطلع عام 2020 بعد استقالة عادل عبد المهدي من رئاسة الوزراء، وتكليف مصطفى الكاظمي في ايار 2020 بتشكيل حكومة مؤقتة وإجراء انتخابات مبكرة.
وبعد مرور عامين على احتجاجات تشرين، شهد العراق مرحلة جديدة أفضت بانتخابات برلمانية مبكرة في العاشر من تشرين الأول 2021 وفق نظام الدوائر الانتخابية المتعددة على عكس دوائر الدورات البرلمانية الأربعة السابقة، وتلت مرحلة الانتخابات حزمة من الأحداث والتحالفات والانسحابات شهدها مجلس النواب العراقي بدورته النيابية الخامسة.
أداء الدورة النيابية الخامسة "بائس"
يقول عضو مجلس النواب والوزير السابق رياض غريب في حديث لوكالة نون الخبرية أن "أداء مجلس النواب لهذه الدورة بائس، ولا ينسجم مع دوره الأساسي في تشريع القوانين لخدمة المواطن، وأكثر المشاريع والقوانين التي شاهدناها شكلية، وهناك تأجيلات متعددة حتى تنعقد الجلسة".
ويضيف غريب أنه "لا نشعر بانسجام الأداء مع المرحلة التي نعيشها، مما يدعو لضرورة إعادة التقييم وتفعيل الأدوار بالاتفاق بين الكتل الكبيرة حتى تتخذ قرارات استثنائية وحاسمة كي يتحسن أداء وضع مجلس النواب، وهناك بعض النواب لديهم دور جيد في المتابعة والأداء الرقابي، لكن بشكل عام الأداء ضعيف، ولا أتأمل في المرحلة القادمة وجود بوادر تحسن، إلا باتخاذ قرارات استثنائية ولا أرى ذلك".
تفعيل الرقابة الشعبية البرلمانية
من جهته، يقول المستشار القانوني أياد جعفر الأسدي، أنه "نحتاج إلى تفعيل الرقابة الشعبية البرلمانية فالشعب عندما ما ينتخب ممثليه لا ينتهي دوره، إنما يجب أن تستمر الرقابة الشعبية، والدستور العراقي يقول للمواطن حق المشاركة في الحياة السياسية العامة والفردية، وهذه المشاركة تتطلب أن يكون المواطن له دور في عملية صناعة القرار من خلال الرقابة الشعبية على أداء السلطات لتصحيح المسار، وعلى المواطن أن يستمر دوره في متابعه ممثله الذي انتخبه".
ويضيف: "من الأداء السيئ للبرلمان، السرية على القوانين حيث أصبحت لا تنشر، في مرحلة المسودة أو عند التصويت الأولي والقراءة الثانية وحتى عند التصويت النهائي فالتفاصيل لا نعلمها، في حين أن الدستور نص على العلانية والسرية في حالات خاصة أي الأصل العلانية، لكن جلسات مجلس النواب الحالي تستخدم السرية، ويجب التصدي لهذه الحالة وإيقافها".
جانب رقابي معطل
ويؤكد الأسدي أن "أداء السلطة التشريعية للدورة النيابية الخامسة عليه ملاحظات تشير إلى الجانب السلبي، فالدستور العراقي في المادة (61) قد حدد مهام وواجبات عمل السلطة التشريعية وهو الرقابة والتشريع، ومن جانب الرقابة وبعد مضي سنتان على الانتخابات وأدائهم القسم النيابي نجد أن الدور الرقابي ضعيف جدا، والسبب يعود إلى المحاصصة الحزبية والتوافقات السياسية التي اتبعت لتشكيل الحكومة الحالية، وهناك عملية رقابة يقوم بها البرلمان هي الرقابة السياسية ولها أدوات الاستجواب والسؤال والتحقيق، لكن لم نجد جانب فعال في هذا الخصوص، واغلب الوزراء أتوا عن طريق المحاصصة، والأغلبية التي يتطلبها الدستور العراقي في مسألة الاستجواب والتصويت وسحب الثقة هي بيد الأغلبية السياسية الموجودة وبالتالي لا قيمة حتى لو حصل استجواب وسؤال برلماني نشاهد النتيجة ليس لها أي دور، وهيئة الرئاسة المتمثلة بالسيد رئيس مجلس النواب والأعضاء عملهم قائم على أساس هذه التوافقية السياسية، وحالياً 90% من الجانب الرقابي معطل، أما من يقوم بالرقابة الحالية هم أقلية على عدد الأصابع من أعضاء مجلس النواب المستقلين يقومون بعملية سؤال البرلماني".
قوانين بانتظار التوافق السياسي
سنتان مضت على الأقل وإذا قلنا السنة الأولى كان البرلمان يمر بظروف صعبة وأزمة تشكيل الحكومة أين القوانين المؤثرة التي تخدم عامة الشعب؟، يسأل الأسدي وهو يكشف لوكالة نون الخبرية عن قانونين صدرا ويعودان بفائدة حقيقة على المواطنين هما "(قانون الموازنة الاتحادية) ولغاية الآن لم ينفذ رغم نشره بالجريدة الرسمية، و(قانون التقاعد والضمان الاجتماعي)، ونرى أداء الدورة النيابية الخامسة ضعيف جداً، بالرغم من الملاحظات الكثيرة على الدورات السابقة لكنها كانت أنشط في تشريع القوانين، وحالياً البرلمان شبه معطل بسبب التوافقات السياسية لتمرير قوانين تشكلت من اجلها الحكومة، مثل قانون العفو العام والموازنة الاتحادية وتمرير قانون الانتخابات وأعادونا إلى المربع الأول بدل إنجاح فكرة المستقلين وإعطائهم دور، أعادوا نظام القوائم والأحزاب، بعد الأزمة التي حصلت وضربت أحزاب كثيرة في الانتخابات الأخيرة، وهذه القوانين الثلاثة يبدو انه إذا لم تمرر كلها بالتوافق السياسي والإقليم يأخذ حصته وقضية كركوك وغيرها، ستكون جميع القوانين معطلة ما لم يحصل التوافق وهذه سابقة خطيرة في أداء النظام النيابي البرلماني".
برلمان الخاسرين بعد انسحاب الفائزين
وفي السياق ذاته، يتهم الكاتب والمحلل السياسي بركات علي حمودي، النواب الفائزين بأصوات ناخبيهم، خصوصاً النواب المستقلين الذين تأمل بهم ناخبيهم خيراً، أنهم "لم يقدموا شيئاً ملموساً يلبي أحلام ناخبيهم الراغبين بالتغيير، فجُلهم أصبحوا كـ(معقبي معاملات) او انكفأوا على نفسهم واكتفوا بميزات البرلمان أو ارتموا بأحضان الكتل التقليدية رغم انه كان سابقاً ربما محتج على فشلهم في الدورات البرلمانية السابقة".
ويضيف خلال حديثه لوكالة نون الخبرية، أن "البرلمان هو في الحقيقة برلمان خاسرين بعد انسحاب الفائز الأول في انتخابات تشرين عام 2021 وهم الصدريين"، ويبين ان "من شكّل الحكومة الحالية هم من حل محل النواب الصدريين، أي أن من شكّل الحكومة كالتلاميذ الذين نجحوا في الدور الثاني، إن سمح لنا التلاميذ الراسبين في الدور الأول بتشبيههم بالنواب الخاسرين الذين يحلون محل النواب المنسحبين!".
وبحسب حمودي فإن "فشل نواب هذه الدورة وإن كان فشل متفاوت فبعضهم ربما فعلا يسعى لكشف بعض ملفات الفساد، لكن بالمجمل هذا البرلمان الذي جاء نتيجة أنزه انتخابات برلمانية بعد 2003 -طبعا قبل انسحاب نواب التيار الصدري-، هذا البرلمان ستكون نتيجة فشله فقدان الناخب العراقي لآخر أمل بالعملية الانتخابية في العراق، فربما إن الانتخابات النيابية المقبلة ستكون الأقل حضوراً بعد ازدياد حالة فقدان الأمل بالعملية السياسية بالمجمل بعد أن شاهد المواطن العراقي بأم عينه، إن من يفوز في الانتخابات لا يستطيع تشكيل الحكومة كما جرى ذلك في مناسبتين انتخابيتين في عامي 2010 و 2021!".
أحزاب الحكومة تثقف لفكرة فشل الديمقراطية
المراقب للشأن السياسي علي الربيعي يقول في حديث لوكالة نون الخبرية، أن "أحزاب الحكومة الحالية المشكلة للبرلمان تشجع على تثقيف المجتمع العراقي أن تجربة الديمقراطية لا تنفع العراق كونها فاشلة في مجتمعنا، بدل ان ترتقي بالمجتمع إلى التجارب الناجحة، تحاول اسقاط التجربة الناجحة على واقعنا وفشلنا في الأداء بأن التجربة فاشلة وليست الشخوص واحزابهم، والشعب العراقي يوم بعد آخر يفقد الامل، والكارثة الاكبر أن المتصدين للمسؤولية في البرلمان يتنصلون عن مسؤوليتهم في تسويق الافكار للمجتمع بفكرة ان البرلمان مسؤوليته الرقابة والتشريع، فهم يعملون على تسويق العكس يعللون كل شيء بالظروف الخارجية والتدخلات الخارجية ولا يعلنون الموضوع بأنهم متصدين بدون حق او استحقاق وليست لهم القدرة، فلو كان الرجل المناسب في المكان المناسب لاختلفت المعادلة، لكن هو ترسيخ الانحراف وانحدار المسار الديمقراطي".
ويرى الربيعي اننا "عائدين إلى مرحلة الجهل التي كانت موجودة قبل 2003 وتعميقها وتعضيدها".
ابراهيم الحبيب – كربلاء المقدسة
تصوير: علي فتح الله
أقرأ ايضاً
- المجلس الشيعي الاعلى في لبنان: السيد السيستاني الداعم الاقوى والاكبر للشعب اللبناني في هذه المرحلة المصيرية(فيديو)
- شملت الاطفال والنساء : وفد العتبة الحسينية في سوريا يوزع وجبة ثانية من الملابس الشتوية على العائلات اللبنانية
- شملت الاطفال والنساء : وفد العتبة الحسينية في سوريا يوزع وجبة ثانية من الملابس الشتوية على العائلات اللبنانية