لاقت تصريحات وزيرة المالية طيف سامي حول عدم تسليم إقليم كردستان وارداته إلى بغداد، ردود أفعال داخل الإقليم، ففيما وصفها الحزب الديمقراطي الكردستاني تلك التصريحات بـ”الحجج والذرائع” لقطع رواتب موظفي الإقليم، أكد الاتحاد الوطني الكردستاني، أن بغداد لم تلتزم أيضا بدفع ميزانية الإقليم، خاصة بعد إيقاف تصدير النفط، داعين إلى تفاهمات بعيدة عن الإثارة السياسية.
وأكدت وزير المالية طيف سامي، الأحد الماضي، أن إقليم كردستان لم تسلم إيراداته النفطية الى خزينة الدولة منذ صدور قرار المحكمة الاتحادية بدفع رواتب موظفي كردستان، والتي تقدر بـ13 تريليون دينار، إذ أن كل ما قامت بدفعه حكومة إقليم كردستان هو 320 مليار دينار من إيراداتها غير النفطية.
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفاء محمد كريم، بأن “ما تتحدث به وزيرة المالية ذرائع وحجج اعتدنا عليها، فالمحكمة الاتحادية ألزمت وزارة المالية بدفع رواتب موظفي الإقليم بعيدا عن الجنبة السياسية، لذا على وزارة المالية الالتزام بدفع رواتب موظفي الإقليم وإذا كانت هناك مشكلة مالية مع حكومة كردستان فيمكن حلها قانونيا بعيدا عن التصريحات السياسية”.
ويضيف كريم، أن “حجج وذرائع وزيرة المالية تكررت وفي كل مرة لدفع الرواتب تبرز حجة جديدة، مرة بداعي أن القوائم ليست دقيقة، ومرة بوجود موظفين فضائيين، على الرغم من اللجان التي تزور الإقليم وتطلع على البيانات وهذه كلها حجج للتقاعس عن دفع مرتبات موظفي الإقليم”.
وعن سبب عدم التزام الإقليم بقرارات المحكمة الاتحادية، يشير إلى أن “معظم هذه المشاكل حلت سياسيا فالإقليم لديه أموال بذمة حكومة بغداد كتعويضات والتزامات، لكن وفق التفاهمات سدت هذه الأبواب وجرى حل هذه الملفات”.
ويتابع أن “الحجج التي تسوقها الوزيرة ستبقى مستمرة، ولو سلمت كردستان جبالها وليس الإيرادات فقط، لظهرت حجة أخرى لأن هناك سياسة لتجويع شعب الإقليم، فهل من المعقول عدم دفع رواتب موظفي أي محافظة لأنها لا تسلم وارداتها”.
وتوقف تصدير نفط كردستان البالغ 480 ألف برميل يوميا في 25 آذار 2023 بعد كسب العراق دعوى للتحكيم رفعها أمام هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في العاصمة الفرنسية باريس، ضد تركيا بشأن تصدير النفط الخام من إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي بدون الرجوع إلى شركة تسويق النفط العراقية “سومو”.
وكان مساعد رئيس مجلس وزراء إقليم كردستان للشؤون الاقتصادية والإدارية، ريباز حملان، اتهم، مطلع الشهر الحالي، حكومة بغداد باختلاق المبررات والأعذار مختلفة، لتأخير إرسال الرواتب”، لافتا إلى أن “وزارة المالية الاتحادية لديها بعض الملاحظات على قوائم الموظفين وخاصة نظام (البايومتري)، وعلى بعض الترفيعات في بعض الدوائر الحكومية في الاقليم”.
من جهته، يقول القيادي في الاتحاد الوطني غياث السورجي، إن “مسألة الواردات تحتوي تعقيدات وتفسيرات عديدة، فالوزيرة سامي قالت إن الحكومة الاتحادية تطلب الإقليم 13 تريليون دينار من عائدات الداخلية والمنافذ الحدودية وإيرادات أخرى، وحكومة الإقليم تعترف بعدم إعادة هذه الواردات إلى الحكومة الاتحادية لكنها تبرر ذلك بأنها صرفتها على الواقع الخدمي والتعليمي والصحي”.
ويضيف السورجي: “بعد إيقاف تصدير النفط من الإقليم بقرار المحكمة الدولية في باريس والمحكمة الاتحادية في بغداد، فالأخيرة ملزمة أن تدفع نحو 12.67 بالمئة من الموازنة العامة إلى إقليم كردستان أي قرابة ملياري دولار كموازنة سنوية للإقليم، لكن حتى اللحظة بغداد لم تلزم بذلك، بل دفعت رواتب موظفي الإقليم فقط وإن كانت بشكل متقطع أحياناً، وهذه الرواتب أقل من مليار دولار، ويتبقى أكثر من هذا المبلغ لدى بغداد”.
ويشير إلى أن “الجانبين (حكومتا بغداد وأربيل) يجب أن يبتعدا عن التصريحات وتبادل الاتهامات والجلوس إلى طاولة الحوار بوجود خبراء ماليين، لأن بغداد ملزمة بدفع مستحقات وكردستان ملزمة أيضا، فالأمر يحتاج إلى تفاهمات وحسابات وطرح الإيرادات من حصة كردستان من الموازنة وحل هذا الأمر بأسرع ما يمكن وعدم انعكاسه على أرزاق المواطنين”.
وأمرت المحكمة الاتحادية العليا في شباط الماضي، الحكومة في بغداد بدفع رواتب موظفي إقليم كردستان مباشرة، بدون إرسالها إلى سلطات الإقليم، في ظلّ تأخير في تسليم جزء من الرواتب على مدى أشهر.
وكان المتحدث باسم قائمة الاتحاد الوطني الكردستاني، كاروان كزنيي، أعلن أن الحل الأمثل لمعالجة مشكلة صرف رواتب الموظفين في إقليم كردستان، هو توطينها في المصارف الاتحادية، ولا يجوز إجبار الموظفين على التسجيل في مشروع حسابي الذي يصب في مصلحة عدة مصارف أهلية فقط.
وتُعد أزمة تأخر الرواتب في إقليم كردستان جزءًا من التحديات الاقتصادية التي يعاني منها الإقليم منذ فترة، نتيجة الخلافات المالية بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية في بغداد.
إلى ذلك، يقول المحلل السياسي فلاح المشعل، إن “هذا الموضوع يثار بين الحين والآخر، فوزارة المالية تدعي عدم تسديد الإقليم لوارداته، بينما يعلن الإقليم عن تسديد وارداته وسلم بغداد نسبتها”.
ويشير المشعل، إلى أن “موضوع الخلاف المالي وتخصيصات الإقليم وما يحوله المركز، مازال بعيدا عن الشفافية وتتحكم فيها طبيعة العلاقات السياسية بين الفرقاء سواء في بغداد أم كردستان، فكلما وجدت الخلافات والتحديات تثار قضية تخصيصات الإقليم وحقوق المركز، والمتضرر الأول كان ومازال المواطن الكردي في إقليم كردستان، وإذ تعيش كردستان في هذه الأيام ذروة الاستعداد لخوض الانتخابات لبرلمان الإقليم، تعاود قضية التخصيصات المالية في الإقليم لتصبح واحدة من فقرات الدعاية الانتخابية والوعود الانتخابية”.
يذكر أن حكومة الإقليم، التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني، أطلقت مشروع “حسابي”، الخاص بتوطين رواتب الموظفين فيه، بدلا عن المصارف الحكومية مثل الرشيد والرافدين، وقد جوبه هذا القرار بتظاهرات من موظفي الإقليم، حيث رفضوه لعدم ثقتهم بالحسابات البنكية التابعة للإقليم.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟