- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ماذا لو استُنطِقت المرجعية الدينية العليا ثانية ؟
بقلم: نجاح بيعي
تعودنا حتى بات الأمر من المسلمات, على أن نسمع أصوات الفرقاء السياسيين تتعالى نبرتها, وهي تطالب المرجعية الدينية العليا التدخل, كلما حمي وطيس التقاطعات السياسية والمناكفات فيما بينهم, وغلى مرجل التعنت والضغينة في توزيع المكتسبات السياسية, وتفاقمت الأزمات المختلفة والمتخالف عليها وعلى أكثر من صعيد, نسمعها وهي تطالب المرجعية العليا بإنقاذ ما يمكن إنقاذه حسب زعمهم, وهو ماضون بلا هوادة بغيهم وانحرافهم, حتى بات البلد على شفير جهنم جراء تداعيات الصراعات السياسية المصطنعة, المنذرة بالإقتتال الداخلي مرة وبالفوضى العارمة مرات, كما نسمعها اليوم وهي تملأ الآفاق في الحراك العقيم لتشكيل الحكومة الجديدة, حيث كان اجتياح مجلس النواب من قبل جماهير الخصوم أبرز أوجه ذلك المشهد المعتم. حتى أن بعض تلك الأصوات النشاز لم تراعي اللياقة والأدب بالخطاب, وكانت من الصلافة والوقاحة ما لم نعهده وهي تُطلَق بحق المرجعية الدينية العليا عبر وسائل الإعلام المختلفة.
ربما علينا أن نُقر أولا ًقبل أن نغرق في (بروباغندا) هذا الفريق السياسي أو ذاك, ونندفع بجهلنا نحمل المرجعية العليا مسؤولية عدم تدخلها, أو أن نتهمها بالصمت والصدود عما يحصل ويدور, ونذعن إيمانا ً واعتقادا ًبأن المرجعية العليا لا تألوا جهداً في الدفاع عن المصالح العليا للبلد في كافة المجالات وفي جميع الأوقات. وهي التي تراقب وتتابع الأحداث عن كثب’ والذاكرة حية تحتفظ وتشهد على مواقفها المشرفة المتنوعة على مدى عقدين من الزمان في دفاعها عن العراق شعبا ً وأرضا ً ومقدسات, ولعل موقفها العظيم في إصدار فتوى الدفاع الكفائي ضد تنظيمات عصابات داعش شاهد حيّ لا يدانيه موقف مواز له آخر..
فنقول بأن المشهد السياسي الآن وإن بدت صوره المعتمة والمنذرة بالخطر, حقا ً يستحق تدخل المرجعية العليا قبل انفلات الزمام والتدارك الى ما لا يحمد عقباه؟. أم لا؟.
ولو تنزلنا بعد ان حصلت القناعة لدينا بأن الذي يجري هو تهديد ينذر بالإقتتال الداخلي ويجر البلد نحو الفوضى العارمة التي قد لا تبقي ولا تذر, والأمر يحتاج الى تدخل جهة بحجم المرجعية العليا لتوقف هذا التهديد وتقمع هذا الخطر, ونقول:
ـ ماذا لو استعاد واستعار الفرقاء السياسيين ومنهم قادة (الإطار التنسيقي) ذات رسالة قيادة حزب (الدعوة الإسلامية) الموجهة الى سماحة المرجع الديني الأعلى السيد (علي السيستاني) دامت بركاته, بتاريخ (26 من شعبان 1435 الموافق 25 من حزيران 2014م)؟. وتمت إعادة توجيهها ثانية اليوم وأرسلوها الى مكتب سماحته, طارحين أمامه ذات الأمور الإشكالية المستعصية عن الحل آنذاك ومنها معضلة التشبث بمنصب رئاسة مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة, وفق نتائج الإنتخابات الأخيرة, مع عدم إغفال ذكر ذات العبارة الواردة في ذيل الرسالة (وأقترح أن تُكتب بالخط الأحمر العريض) والتي كانت:
ـ(نحن نتطلع إلى توجيهاتكم وإرشاداتكم ونعاهدكم, أننا رهن أمركم بكل صدق في كل المسائل المطروحة وفي كل المواقع والمناصب لإدراكنا بعمق نظرتكم ومنطلقين من فهمنا للمسؤولية الشرعية ـ حرسكم الله وادام ظلكم وسدد خطاكم لخدمة الإسلام ومذهب أهل البيت).
مع إضافة جمل استفهامية جديدة من رحم المشهد الطوباوي الجديد, فيتم ذكر الإشكاليات المستجدة والمستعصية عن الحل أيضا ً منها:
1- التفريط بالتوقيتات الدستورية وعدم الإلتزام بها
2- الإنغلاق على الذات المضخمة الى حد الورم, وعدم الإنفتاح على باقي الكتل السياسية الأخرى من المكونات المجتمعية الأخرى, لتشكيل حكومة وطنية تشترك فيها كل المكونات الرئيسية.
3- الخلط والتمويه المتعمد المشفوع بفرض الأرادات في تسمية رئيس مجلس الوزراء الذي هو من حق الكتلة النيابية الأكبر الفائزة في الإنتخابات.
4- عدم الاتفاق مع وضع العصي في الدواليب على إعطاء المواقع السيادية الأخرى كرئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ونوابهما إلى الكتل والمكونات بما ينسجم مع الإستحقاق وفق خريطة تحالفات الفائزين بالانتخابات.
ـ فماذا سيكون الجواب؟.
فمن المؤكد أن الجواب الناجع سيأتي من مكتب سماحة السيد (السيستاني) دام ظله, على مجمل تلك الإشكالات المصيرية المستعصية ومنها تشكيل الحكومة الجديدة, هو ذات مضمون ما ورد في رسالته الجوابية, على رسالة قيادة حزب (الدعوة الإسلامية) في 25 من حزيران 2014م. بعد الإقرار والتأكيد على:
1ـ الإلتزام بالتوقيتات الدستورية واحترام المؤسسات والدستور والقوانين
2ـ الإنفتاح على الكتل السياسية وبدء الحوار الوطني معها, لتشكيل حكومة وطنية تشترك فيها كل المكونات الرئيسية
3ـ تسمية رئيس الوزراء من (حق الكتلة النيابية الأكبر الفائزة)
4- إعطاء المواقع الرسمية بما ينسجم مع الإستحقاق الإنتخابي
ويُذيل الجواب بذات الفقرات:
ـ(..أود ان ابلغكم بأنه بالنظر إلى الظروف الحرجة التي يمر بها العراق العزيز وضرورة التعاطي مع ازماته المستعصية برؤية مختلفة عما جرى العمل بها، فانني أرى ضرورة الإسراع في اختيار رئيس جديد للوزراء يحظى بقبول وطني واسع ويتمكن من العمل سوية مع القيادات السياسية لبقية المكونات لإنقاذ البلد من مخاطر الإرهاب والحرب الطائفية والتقسيم).
هل ستتوقف عقارب ساعة المشهد السياسي المعتم, عن المضي اللاهث بقضم الثواني والدقائق وتتوقف على الشفير, وتنصاع حينها الإرادات السياسية وتذعن للجواب المرجعي, وتبدأ رحلة الرجوع بالزمن عبر حركة عقارب الساعة العكسية, حيث الحوار الوطني الجاد والإحتكام الى الدستور والقانون, بعيدا ً عن لغة التخوين والتسقيط والسلاح, وصراع المكاسب, وغمز ولمز الأجندات الخارجية والمال السياسي العابر للحدود وغير ذلك!.
هذا أولا ً
ثانيا ً.. ماذا لو استجابت المرجعية الدينية العليا فعلا ً لتلك الأصوات الداعية للتدخل, (وفرض المحال ليس من المحال) وتدخلت لإنقاذ البلاد والعباد من الإقتتال والفوضى المزعومة, وأعطت الحل الناجع بما يحفظ ويصون الدماء والمصلحة العليا للعراق, ولكن تدخلها لم يجد آذاناً صاغية, وحلها الناجع لم يُؤخذ به ولا بنصحها وإرشادها؟. بل العكس من ذلك وتأخذهم العزة بالإثم (وأقصد الطبقة السياسية), ويمضون بغيهم, ويجري الإلتفاف على ما أجادت به المرجعية العليا, ويكون موقفها وخطابها عرضة للتسويف والمماطلة والتحريف كما في كل مرة ؟!.
سوف لم أذكر هنا وأدرج ما بات من المسلمات وشاع وعُرف عند القاصي والداني, بأن المرجعية الدينية العليا وجراء ذلك قد غلقت بابها بوجه جميع الفرقاء السياسيين منذ أكثر من عقد من الزمان, ولم أذكر أو أدرج عبارة (لقد بُحت أصواتنا) وأكتبها بالخط الأحمر العريض وغيرها من ذلك الكثير الكثير.
ـ ولكني.. سأذكر هنا وأدرج ما ذكرته وأدرجته المرجعية العليا من موقف مشرف وحل ناجع تضمنه بيانها الأول بعد الحراك (التشريني) في 4/10/2019م, ذلك الحراك الذي اعتراه صدامات دامية مع القوات الأمنية منذ اللحظة الأولى لإنطلاقها, مخلفة عشرات بل مئات الضحايا والجرحى والمصابين بين صفوف المتظاهرين والمحتجين والقوات الأمنية, وإلحقت الأضرار بالمؤسسات الحكومية والممتلكات الخاصة, بما لم يشهده تاريخ العراق الحديث في أغلب محافظات الوسط الجنوب. هذا الموقف الجاد من المرجعية العليا الذي كان بإمكانه أن يحل الأزمة, ويعبر بالبلاد والعباد الى بر الأمان, حيث قالت:
ـ(ونشير هنا الى أنّ مكتب المرجعية سبق ان اقترح في تواصله مع الجهات المسؤولة في السابع من آب من عام 2015 في عِزّ الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح (أن تُشكّل لجنة من عددٍ من الأسماء المعروفة في الإختصاصات ذات العلاقة من خارج قوى السلطة ممن يُحضون بالمصداقية ويُعرفون بالكفاءة العالية والنزاهة التامّة، وتُكلّف هذه اللجنة بتحديدِ الخطوات المطلوب اتخاذها في سبيل مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح المنشود على أن يُسمح لأعضائها بالإطلاع على مجريات الأوضاع بصورة دقيقة ويجتمع مع الفعاليات المؤثرة في البلد وفي مقدمتهم ممثلوا المتظاهرين في مختلف المحافظات للاستماع الى مطالبهم ووجهات نظرهم فإذا أكملت اللُجنةُ عملها وحدّدت الخطوات المطلوبة تشريعية كانت أو تنفيذية أو قضائية يتم العمل على تفعليها من خلال مجاريه القانوينة ولو بالاستعانة بالدعم المرجعي والشعبي)(1).
هذا المقترح كان يمكن ان يحل الأزمة عام 2015م والمقترح ذاته كان بإمكانه إيضا ً أن يحل أزمة حراك تشرين عام 2019م, ولكن المرجعية العليا لم تلقى آذاناً صاغية وقلوب واعية من جميع الفرقاء السياسيين لا في أزمة عام 2015م ولا في أزمة عام 2019م, حتى قالت بأسى وألم العبارة التالية:
ـ(ولكن لم يتم الأخذ بهذا المقترح في حينه، والأخذُ به في هذا الوقت ربّما يكون مدخلاً مناسباً لتجاوز المحنة الراهنة).
ولم يؤخذ به لاحقاً حتة أوصلوا البلاد الى هذا الحال المأساوي.
ـ فماذا تريدون من المرجعية الدينية العليا؟
ـ الى أين تريدون أن توصلوا اليلد اليه؟
أأمل ويأمل كل شريف ووطني غيور كما أملت وتأمل المرجعية العليا بـ(أن يغلب العقلُ والمنطقُ ومصلحة البلد عند من هم في مواقع المسؤولية وبيدهم القرار ليتداركوا الأمور قبل فوات الأوان).
لأننا حقا ً أمام طبقة سياسية لا عقل لها ولا منطق لديها, حتى تعي حجم التداعيات الخطيرة, وتستشعر المسؤولية الواقعة على عاتقها, فيتداركوا الأمور قبل فوات الأوان.
ــــــــــــــــــ
ـ(1) خطبة جمعة كربلاء الثانية في ( 5صفر1441هـ) الموافق لـ(4تشرين الأول2019م):
https://www.alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=461
أقرأ ايضاً
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- أسطورة الشعب المختار والوطن الموعود