تعتبر اول التحضيرات لاستقبال شهر الحزن والعزاء عاشوراء الحسين، انها التكيات الحسينية التي انفردت بها مدينة كربلاء المقدسة من دون باقي المدن العراقية منذ عقود طويلة وتوارثها الابناء عن اجداد الاجداد، وفيها يعلن الفرح والحزن الفرح لقدوم الإمام الحسين (عليه السلام) الى المدينة والحزن لمصيبة الحزينة، ومازالت الى الان محافظة على تقاليدها وفعاليتها حتى بعد ان دخلت التقنيات والتكنولوجيا، اما شبابها فاصبحوا اكثر عددا وهمة وبذل وعطاء في خدمة القضية الحسينية.
وقال مسؤول موكب وتكية عزاء باب بغداد الحاج مهدي المصور لوكالة نون الخبرية ان "التكية الحسينية وتعني (المتكئة) موروث كربلائي امتد عمرها لمئات السنين وانفردت بها مدينة كربلاء فقط وتبدء فعالياتها في ايقاد (اللالات) النفطية ونشر الانوار اعتبارا من الاول من شهر محرم الحرام وهو يوم وصول ركب الإمام الحسين (عليه السلام) وتطفأ في ليلة العاشر من المحرم والايقاد يتم فرحا بقدومه وبسبب ممارسة تلك الفعاليات ليلا وحاجة المعزين لوجود الانارة لان مدينة كربلاء قديما كانت تفتقد للكهرباء وتعتمد على ايقاد اللمبات النفطية في الازقة والدرابين وليس كما هو الوضع اليوم، واشهر التكيات هي تكية الدراويش في صحن الإمام الحسين (عليه السلام) وتكية الحيدرية والفاطمية والمنتظر والفاضلية داخل صحن ابي الفضل العباس (عليه السلام) التي كانت تنصب خيام لها، فضلا عن تكيات الاطراف مثل طرف باب الطاق والمخيم وباب النجف وبغداد وطويريج وغيرها".
عام (1886)
واضاف ان " تكية طرف باب بغداد التي اسست مع موكب عزاء طرف بغداد عام (1886) بعد هجمات عصابات الوهابية على كربلاء واحاطتها بسور دائري وموقعنا على باب بغداد وكانت التكية تنصب من الخشب والمرايا فقط ويجلبون اللالات النفطية من روسيا والهند كونها من نوعيات اصلية وتعطي انارة كبيرة وكان تمويل التكية تضامني بين ابناء الطرف، ولا استطيع تحديد المؤسسين الاوائل كون عمر التكية يمتد الى ( 136) عاما، لكن اتذكر من القدماء حجي اسماعيل كمايجي والشيخ عبد الرضا وما زلنا الى الآن نحتفظ بالاكسسوارات القديمة للتكية لانها تخص عزاء الحسين (عليه السلام) بل ان بعضها وضعت في امكنة وبنيت عليها جدران للمحافظة عليها، ويتم تهيئة التكية من بداية شهر ذي الحجة حيث تتم عمليات التنظيف والادامة وتحضير كل مستلزمات التكية لغاية يوم المباهلة ثم يبدء النصب لغاية مطلع شهر محرم ويتواجد ابناء الطرف كلهم في التكية كونهم يخرجون في مواكب عزاء يومية في مدينة كربلاء القديمة والحرمين المقدسين، ولدينا مجالس عزاء تقام امام التكية حيث يصعد المنبر خطيب حسيني في اليوم الرابع من المحرم وبعدها ينزل موكب العزاء الذي يسير على شكل كراديس ويرددون الردات الحسينية اعتبارا من الثاني من المحرم ولدينا شعراء ورواديد خاصين وابرزهم الشيخ عبد الكريم ابو محفوظ والشيخ محسن ابو الحب صاحب القصيدة المشهورة (إن كان دين محمد لم يستقم فيا سيوف خذيني) وجاء بعد وفاتهم الرواديد بالتوالي مثل ابن الشيخ عبد الكريم والشهيد حسين التريري وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي حيث منع الطاغية المقبور اقامت الشعائر الحسينية ثم عادت بعد سقوط نظامه المباد".
مخاطر ومجالس
بعد المنع استمرت المجالس سرا في البيوت هكذا يصف المصور الامر ويضيف ان " المجالس كانت تتم بدعوات سرية لعدد محدود جدا لا يتعدى عشرة او عشرين شخصا وتقام فيه المحاضرات الدينية واللطميات، وكذلك طبخ الطعام وتوزيعه سرا على البيوت او المحال بعيدا عن اعين السلطة الغاشمة، اما بعد السقوط فاستخدمت التقنيات الحديثة فدخلت المصابيح والانارة بدل اللالات النفطية والحديد والخشب البلوك في انشاء التكيات وبالرغم من كل الادوات الترفيهية التي دخلت الى البلاد مثل الستلايت والانترنت والهواتف النقالة الا ان تواجد لشباب في الخدمة بالتكيات والمواكب اصبح اكثر من السابق في زماننا والتعلق بقضية الإمام الحسين (عليه السلام) متوارثة من الاجداد الى الآباء ومنهم الى الابناء وهم من يتصدى لكل الاعمال فيها، وادخلوا امور كثيرة مثل المجسمات الموجودة في التكية كالتاج الذي يرمز الى تاج الولاية واسم الله الاعلى واسماء المعصومين الاربعة عشر وهم سادة الناس وملوكهم والفرس يرمز الى فرس الإمام الحسين (عليه السلام) المسمى بـ (الميمون) التي تنص الروايات انه بعد استشهاده رجع الى المخيم وصهيله يشق عنان السماء وانه غاب ويظهر مع صاحب الزمان، وتجسيد لقربة العباس (عليه السلام) لانه رفض شرب الماء وهذه القربة تتحول الى اللون الاحمر بعد ايام، اما تجسيد الطفل الرضيع فهو انعكاس للنداء دعه يا حسين فإن له مرضعة في الجنة ولوحة الرأس الشريف الذي ينظر بكل الاتجاهات وقطب القضية هي الزهراء عليها السلام وقد كتب اسمها بالانارة ويسأل عن هذه المجسمات الكثير من الزوار من مختلف الثقافات فنشرحها لهم".
اقدم تكية
ان " تكية طرف المخيم تعد من اقدم واكبر تكيات مدينة كربلاء وعمرها (160) سنة حيث تأسست عام (1860) "، هذا ما قاله الحاج محمد الساعدي مسؤول موكب وتكية طرف المخيم لوكالة نون الخبرية واضاف " كان موقعها القديم في مقدمة سوق الجمالي مقابل باب القبلة وبعدها اصبحت الى جوار باب القبلة، ولحين منع الشعائر توقفت التكية وتصنع حينها بطراز قديم واسع من الخشب وفيها ركائز قديمة تراثية مصنوعة من الخشب الجبر قياس (12) انج فقط ولا يدخل الحديد بصناعتها وفيها حوض ونافورة وتزينها صورة كبيرة لابي الفضل العباس في المشرعة رسمها الرسام المرحوم سيد علي ابو شوارب بتخطيط يدوي والاكسسوارات القديمة عبارة عن مرايا ولالات نفطية، اما اللآن فدخلت الديكورات فتغيرت التصاميم فيما يخص المنبر الجديد والواجهة، وكانت عملية اشعال اللالات النفطية متعبة حيث يتم يوميا مسح مئات اللالات وتنظيفها وتعبئتها بالنفط وايقادها، ومن مؤسسي التكية القدماء الذين اتذكرهم هم حجي عباس حلاق وحجي حسن عروس ووالدي جبار الساعدي وحجي عباس تربجي وحجي اموري بربر وغيرهم، اما القائمين على عزاء طرف المخيم فهم بيت السلمان ومنهم حمودي ونعمة السلمان وعبد الحسين كمونة ورضا فحام مسؤول الهوادج النفطية التي تستخدم في العزاء، وكذلك لدينا مشاعل مكونة من ثلاث (لوكسات) تنصب على عمود واحد توضع على قنينة ويحملها شخص واحد وتربط على جسده بحزام خاص وهي تنير الطريق للكراديس التي تصدح حناجرها بالردات الحسينية والتي تتجول في الازقة الضيقة والمظلمة مثل سوق الصياغ وسوق التجار وسوق الحسين، وما زلنا نحتفظ بالهودج النفطي مع كمالياته مثل الدرر والاويزات وزجاجاته ومكائنه الانكليزية، وتقدم التكية مجلس عزاء وموكب لطم بكراديس وتوزيع طعام وشراب على الزوار والمعزين، وينفرد طرف المخيم بتقديم فعاليات خاصة مثل شعيرة حرق الخيام في ظهيرة العاشر من المحرم حيث نقوم بتوفير الخيام ونصبها وسكب النفط عليها وتهيئتها للحرق، ونتحمل تكاليف الخيم حيث توضع الخيمة الكبيرة ومعها خيام صغيرة كثيرة تبرع ببعضها اشخاص طلبا للاجر والثواب قد تصل الى عشرة خيام صغيرة، كما يستقبل موكب المخيم الحسيني مواكب التطبير وتنسيق دخولهم وترتيب انسابية المسير باتجاه الحرمين المقدسين ونهيئ مواد التضميد، ونقيم في ركضة طويريج تسيير فرس الميمون باكساء فرس خاص بالسرج وملابس الحرب والسهام التي اصيب بها والدماء ويدور بين الخيام قبل الحرق وهذه الفعالية اختص بها (بيت كردلة)، وكذلك نقيم عزاء السبع بعد الظهيرة التي وردت حكايته في قصة معركة الطف الذي بقي مرابطا عند جثث الحسين واصحابه ليحميها من الضواري والضباع، ونقيم ايضا عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) بكل تفاصيله ونرفع العزاء باسم اهالي كربلاء المقدسة ".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- توجيه للسوداني قد يجد لها حلا :مناطق البستنة في كربلاء يعجز الجميع عن بناء مدارس لابنائها الطلبة فيها
- الفساد يقضي على هور الصليبيات جنوبي العراق
- جاء من ديترويت الى كربلاء المقدسة.. طبيب اميركي تطوع لعلاج زوار الامام الحسين في الاربعينية