
تحقيق/منار قاسم
"في مدينة الحسين (ع)، حيث تُولد القلوبُ مُشبعةً بحُبِّ التضحية، وُلد حسام الزوبعي..
لم يكُن مجرد جنديٍّ، بل كان قنديلًا من أخلاق كربلاءَ، حمل سلاحَ الشرفِ ليُدافع عن ترابٍ اختلط عطره بدماء الشهداء. سيرةُ رجلٍ اختصرت حياتَهُ في 23 عامًا، لكنها سطعت كشمسٍ لا تغيب، لأن الشهادةَ ليست نهايةً، بل بدايةُ خلودٍ تُنقشُ في سجلِّ الأبطال."
حياة الشهيد :
وُلِدَ حسام الزوبعي عامَ ١٩٨٦ في قضاء الحسينية بمحافظة كربلاء المقدسة، وترعرع بين أُسرةٍ كريمةٍ عُرفت بحُبِّ الخيرِ والتواضع، فكانَ نبراسًا لأخلاقِهِ الرفيعةِ، يُحِبُّ الجميعَ ويُبادلونه التقديرَ.
مَسيرتُهُ العِلميَّةُ والوَطنيَّةُ:
- دخل المدرسة الابتدائية عام ١٩٩٣، ثم أكملَ المرحلة المتوسطة بنجاحٍ.
- انضمَّ إلى صُفوف الجيش العراقي الباسل عام ٢٠٠٨، مُتخصِّصًا في قاطع أبي غريب غرب بغداد.
- تزوَّجَ في آذار ٢٠٠٩، لكنَّ القدرَ لم يُمهلهُ لإكمالِ حلمِ الأُبوةِ.
اسْتشهادُهُ.. وَقْفَةٌ تُخلَّدُ:
في ٢٣ أيلول ٢٠٠٩ (اليوم الثالث من عيد الفطر)، بينما كانَ الشهيدُ يؤدّي وَاجبَهُ في منطقة أبي مَنِيصير، انفجرت بهِ عبوةٌ ناسفةٌ نُصبت من قِبَلِ تنظيم القاعدة، مُستخدمين أسطوانة أكسجين مُفخخة، لِتُزهقَ روحُه الطاهرةُ في ذروةِ شبابِهِ (٢٣ عامًا).
رِوايةُ الوالد.. دَمْعَةٌ لَا تَجِفُّ:
"قبل استشهاده بأيام، خَطَرَ لي هاجسٌ غامضٌ.. كأنَّما الْقَدَرُ يُناديني!
في ليلةِ العيدِ، أوصى ابنَ عمهِ الصغيرَ قائلاً: «تَعلَّمِ السياقةَ، واهتمَّ بوالدينا» كأنَّهُ يُودِّعُ الدنيا.
وفي صَباحِ اليومِ الثالثِ، بينما كنتُ جالسًا على عتبةِ البابِ، اتصل بي أخي الحاج حسن يهمسُ: «حسام مُصابٌ»، فصرختُ: «لا.. لقد استُشهِد!».
حملوني إلى بغداد.. رأيتُ نعشَهُ محمولًا على أكتافِ رفاقِ السلاحِ، والرصاصُ يُطلَقُ إكرامًا لِشَهدِهِ، حتى سقطتُ مغشيًا عليَّ مِن هولِ الصدمةِ.
اليومَ.. أمراضُ القلبِ والسكريِّ رفاقي، وأُمُّهُ لم تتحمَّلِ الفِراقَ وأصيبت بالسكري ، لكنَّ اسمَهُ مَنحوتٌ على إحدى السيطراتِ العسكريةِ.. فالشهداءُ لا يموتون!"
جنازة مُهيبة:
نُقل جثمان الشهيد إلى مسقط رأسه في قضاء الحسينية، حيث شيّعه المئات وسط هتافات "الله أكبر"، بينما أُقيمت مراسم عزاء في مقر وحدته العسكرية
(صاعقة الأمل):
"رحلَ حسام.. لكن دماءه لم تُدفن تحت تراب أبي منيصير، بل نبتت زهرةً في جَنينِ العراقِ، تُذكِّرُ كلَّ فاسدٍ أن الأرضَ تلفظُ الخائنين، وتُنبِت أبطالًا من رحم الألم.
يا حسام.. لستَ شهيدًا عابرًا، أنت درسٌ لمن نسوا أن الوطن يُبنى بالإخلاص لا بالسرقة، وبالدماء لا بالوعود الكاذبة.
(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
اللهمَّ اجعلْ شهادتَهُ نورًا يُضيءُ دربَ العراقِ إلى برِّ الأمان.. واجعلْ أجرنا في مصابنا الصبرَ، والثأرَ تحريرَ الأرضِ من كلِّ دنسٍ."