لانهم من الكاظمية المقدسة فقد شربوا حب محمـد وآل محمـد مع حليب امهاتهم، دأبوا على احياء الشعائر وأمر اهل البيت، وتصدوا للخدمة في مواكبهم على مدى عقود من الزمن، ساروا الى الحسين في اشد اوقات البطش الصدامي، وتوزعت خدمتهم في الكاظمية وكربلاء وسامراء المقدسة ومدن اخرى، اما في ذكرى استشهاد موسى بن جعفر، فيقدموا حوالي (35) الف وجبة.
استذكار (45) عاما
وقف "ابو كاظم الكظماوي" مسؤول موكب "مضيف الجوادين" يعطي تعليماته الى مجموعة من الشباب لنصب الموكب استعدادا لتقديم الخدمة للزائرين وشرح لوكالة نون الخبرية تاريخ خدمتهم بالقول " عرفت قضية الحسين منذ كان عمري (11) عاما اي قبل (45) عاما، وما جعلني انشد اليها هي مجالس العزاء النسائية التي تقام في شهري محرم وصفر وكانت تستضيفها والدتي في بيتنا لمدة (10) ايام، كما اثر بي "الحاج سفاح" الرادود الذي يقرأ قصائده في مرقد الشريف الرضي، ثم ضيقت الاجهزة الامنية في ثمانينيات القرن الماضي على مقيمي الشعائر الحسينية وجعلتها داخل الصحن الكاظمي فقط، وكنا نحرص على الحضور والمشاركة في العزاء، ويقسم الصحن حينها الى قواطع لحوالي (18) مواكب وحتى الشاي والماء يقدم داخل الصحن الكاظمي، ثم اقدمت السلطات البعثية على منع الشعائر نهائيا، فاصبح اصحاب المواكب يطبخون الطعام في بيوتهم ويوزعونها على الناس، ثم منع التوزيع العلني للطعام، الا بعض من لديهم موافقات او تنسيق عبر علاقاته الخاصة مع الجهات الامنية، وتحول التوزيع من البيوت خفية بالاتصالات والتبليغ، او ارسال الطعام عبر النساء او الصبيان، ولم تنقطع الخدمة الحسينية او احياء الشعائر بأي طريقة كانت طوال سنوات المنع والتضييق".
المشي وقت البطش
يعرج "الكظماوي" على جنبة مهمة في زمن الملاحقة والسجون والمطاردة من قبل زبانية النظام الدموي والاصرار والتحدي من قبل محبي آل البيت ويقول " في العام (1994) قررنا انا وصديقين مقربين لي السير الى كربلاء رغم كل المخاطر والانتشار الامني المشدد من قبل اجهزة النظام المباد القمعية ودون ان نخبر اهلنا"، مشيرا الى ان" اخلاص النية ينجي المؤمنين ويرزقهم زيارة ابي عبد الحسين سيرا على الاقدام في الاربعينية، وكان الاتفاق مع احد اصدقائي الذي يملك معملا لصنع الاحذية في منطقة عويريج الصناعية قرب سيطرة الدورة القديمة، وتقمصنا دور العاملين في المعمل الذين تسوقوا من علوة الدورة وعائدين الى المعمل ليلا، ولكن صاحب المعمل الذي يسير معنا تعرض الى اصابة بتقرحات في رجله منعته من السير، واصبحنا في حيرة من امرنا، وعلى الفور كأن الامور تيسرت لنا حيث حصلت مشكلة بين زبانية النظام في السيطرة وسائق سيارة "كراون سوبر" فمررنا من السيطرة دون ان يلتفت لنا احد، وعبرنا المحمودية واليوسفية والحصوة ووصلنا الى الاسكندرية وكانت بعض العائلات تضع لنا طعام او فاكهة او رقي وتمر وخبز على الشارع لنتناوله ونكمل سيرنا، وفي الاسكندرية كانت سيطرات كثيرة وكنا نسلك الطريق العام، بينما كان هناك شيخ كبير بالعمر يسير في البساتين ودائما ما نجده قبلنا في اي مكان وهو ما اثار تعجبنا، وتمزق حذاء صديقي فوجدنا "اسكافي" يخيط الاحذية واصلحناه عنده، وكان بجانبه يجلس شاب ثلاثيني، فسأل صاحبي "انت منين" فأجابه صاحبي "من بغداد" فرد عليه بسؤال " اشعدكم جايين هنا" فأجاب صاحبي "جايين مشاية"، فاخبرنا انه يستطيع ان يعبرنا من السيطرة فتجمعنا (12) زائر في حسينية ونمنا في النهار واتفق معنا ان يعبرنا في الليل، وفي الساعة الخامسة مساء وقف عند ساحة الدلة في الاسكندرية وطلب منا ان نسير كل شخصين سوية وبين كل منا حوالي (200) متر، فامتثلنا لأمره رغم اننا لا نعرفه، فاستطاع ان يعبرنا من خلف شقق مجمع الاسكندرية واوصلنا الى سكة الحديد وارشدنا الى الطريق الذي يجب ان نسلكه، وعندما شكرناه قال " لا تشكروني انه مو خوش آدمي، اني ضابط اشتغل بالسيطرة بس ما اعرف ليش ساعدتكم"، فتملكنا الخوف والقلق وسرنا بشكل مضطرب، وكانت باصات "كوسترات" توزع الطعام على الزائرين وهي تسير بشكل بطيء، واستقرينا في مرقد اولاد مسلم، ثم وصلنا الى كربلاء المقدسة".
انفراج وخدمات
بعد ان انجلت الغمة وانفرجت الامور سارع "الكظماوي" الى تقديم خدمات كبيرة بعد ان جمع الخدام معه من الجيران والاقارب والاصدقاء ويشرح ذلك قائلا" بدأنا بتقديم الخدمة اينما يسير الزائرون وخاصة في محلنا قرب خزان الماء في الكاظمية، وبدأت النفقات تزداد حتى وصلت الى حوالي (12) مليون دينار يتم جمعها تكافليا بيننا ويساهم من يستطيع تحمل اكثر المبالغ او من لديهم امكانية مادية، ووصلت نفقات الموكب في العام الماضي الى (28) مليون دينار، وتحملها اعضاء الموكب حسب امكانياتهم، وفي السنوات السابقة كانت بيوت الناس لا تخلو من القدور النحاسية "الصفر" ، فضلا عن "المواكب وطريقة استعارة قدر "الصفر" تتضمن ابقاء حلي ذهبية "تأمينات" مقابله لانه غالي الثمن، واتذكر والدتي كانت تعطي حليها الذهبية الى خالي ليقترض قدور "الصفر" من شخص في الزقاق الذي يقع خلفهم، ثم مضت السنوات فاصبحت تلك القدور عندي واذا اقرضتهن لشخص لا اعرفه اخذ منه تأمينات "حلي ذهبية"، واول يوم من استشهاد الامام موسى الكاظم (عليه السلام) باشرنا الخدمة بعد زوال النظام المقبور بطبخ (12) قدر من الرز و(4) قدور من القيمة، وكنا نقيم مواكب الخدمة في جميع مناسبات اهل البيت في الكاظمية حصرا، ولضرف معين ذهبنا الى كربلاء المقدسة وقدمنا الخدمة في شارع السدرة بالتعاون مع اهالي كربلاء المقدسة الذين لا يعطون فرصة لاحد ان يخدم الزوار يوم التاسع من المحرم، وبالتفاهم معهم طبخنا طن كامل من الرز ومعه القيمة يوم التاسع من المحرم وفي العام الذي تلاه اخذنا الطبخ في يوم الثامن من المحرم".
سامراء المحطة الجديدة
ثم دعينا الى الخدمة في سامراء المقدسة عام (2014)، هكذا يبين "الكظماوي" خدمة موكبهم ويضيف" وبدأنا بطبخ (8) قدور هريسة ثم ازدادت الاعداد، وفي احدى السنوات قسمنا الى (3) مطابخ لاطعام (11) الف زائر وصلوا ليلا ويحتاجون الى طعام العشاء، ثم انتقلنا الى مرقدي الحمزة والقاسم، وفي الكاظمية استأجرت محلا تجاريا في شارع النواب على طريق سير الزائرين لاربعة ايام بزخم بشري، وطبخنا (16) قدر من الرز و(3) قدور من القيمة، مع وجبات الفطور الهريسة والبيض واللحم، وتعمدنا جعل شكل الموكب ينصب بطرقة فنية باستخدام الخشب وهي عملية نصب ورفع سريعة، وعزلنا فيه عمل خدام الموكب عن اعين الزائرين ويفتح فقط في وقت التوزيع، ونستطيع القول ان الموكب يقدم خلال زيارة استشهاد الامام الكاظم (عليه السلام) على مدى اربعة ايام حوالي (35) الف وجبة طعام".
قاسم الحلفي ــ الكاظمية المقدسة
أقرأ ايضاً
- ساروا الى كربلاء في زمن البطش... "مضيف الجوادين" موكب يقدم (35) الف وجبة في استشهاد الامام الكاظم
- خيروه بين استئصال الكبد او الموت... ماهي كرامة "موسى الكاظم" التي شافت خادما شابا واعادته الى موكبه؟
- شارك خدامه في المعارك ضد "داعش".. موكب من الديوانية يقدم خدماته لزوار الكاظمين ولزائري المراقد المقدسة منذ (90) عاما