- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الانسداد ليس هنا.. إنه في مكان آخر
بقلم: عبد المنعم الأعسم
اذا كان الامر يتعلق بمشكلات تشكيل الحكومة فانه ليس جديدا، ولا يصح ان يحاط بالهلع والتبشيع والتهويل، وهو -الى ذلك- ليس جديدا في تجارب تشكيل الحكومات السابقة، ولا نعرف سببا واحدا لما نسمعه من طبول الحرب في حال لم تشكل الحكومة على مقاس هذا التكتل أو ذاك، فيما الحلول الدستورية كثيرة ومن بينها إعادة الانتخابات، او تمرير اختيار رئيس الجمهورية من فوق شرط نصاب الثلثين، ومنها ايضا اتفاق جنتلمان على اساس لا كاسب ولا خسران، بتصفير نتائج الانتخابات، ومنها اخيرا لعبة الموالاة والمعارضة، حيث يجري نقل الصفقات المريبة الى ما تحت طاولات البرلمان، ونعود الى «اسكت عليّ واسكت عليك» سيئة الصيت.
طبعا لا نتحدث عن توفر حسن النية (أو سوئها) بين اللاعبين، المعنيين، فهذا يحتاج الى معايير تدخل فيها مظنات كثيرة لوسط عُرف بما يسمى بـ”وجه البوكر” الذي لا تفصح ملامح صاحبه عادة عما يضمره من مكائد واسرار، كما لا نتحدث كثيرا عن صحة (وعدم صحة) الانسداد (Asphyxia) من حيث بعده الطبي الذي يعني حالة نقص حاد في امدادات الاوكسجين الى الجسم والذي ينشأ عن اضطراب التنفس، او ارتفاع نسبة ثاني اوكسيد الكاربون في الدم لدرجة يمنع الخلايا من القيام بوظائفها، وكل ذلك ما لا يصلح ان يكون معادلا لحالة الجدل في الساحة السياسية لجهة تشكيل الحكومة، بل انه اخطر واكثر مدعاة للتأمل والقلق، فالانسداد الحقيقي في مكان آخر ليس في “الهات وخذ” الجارية بصدد المناصب والمواقع والامتيازات والضمانات، بل ان الانسداد الحقيقي هو بين كل منظومة الحكم والشارع الممثل بالملايين التي نزلت الى الشوارع واسقطت الحكومة واصحابها، ثم قاطعت الانتخابات (19 مليون ممن يحق له التصويت) ما يمكن القول انه سيتفاقم، انسدادا وخطورة وانفجارا، في حال تشكيل حكومة على مقاس الحكومات السابقة ووفق منهج الجميع في الحكومة ولا معارضة وترويض الشارع باشغاله بالوعود الوردية وتهديده بالعقاب الجماعي وتخويفه من اخطار ملفقة محدقة، ثم تجويعه وإذلاله والمضي في نهب ثرواته.
اقول، ان الانسداد الحقيقي ليس في اقنية تشكيل الحكومة الذي يخضع الى تسويات وصفقات اجاد لاعبو المرحلة صناعتها، والتوصل لها في ربع الساعة الاخير من عض الاصابع، بل هو في قناة الاتصال بالمستقبل.. مستقبل هذه البلاد الذي يبدو محمولا على برميل من الغضب والسخط وعدم الرضا والاسئلة والرفض، المغلق من نقطة تماسه بمنظومة الفساد والنهب والسلاح المنفلت، وينتظر العاقبة..
وما أدراك ما العاقبة.
استدراك:
"ستتعلم الكثير من دروس الحياة إذا لاحظتَ ان رجال اطفاء الحرائق لايكافحون النار بالنار".
شكسبير
أقرأ ايضاً
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
- الأولويّةُ للمواطنِ وليسَت للحاكم
- التاريخ ليس شريفاً للغاية ..