- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أهمية عودة خطب الجمعة وتأثيرها الكبير على الشارع العراقي
بقلم:نجاح بيعي
أكيد السؤال يشير الى خطبة جمعة كربلاء تحديدا، وهنا ربما أكون مُغاليا لو أجبت عن كلا السؤالين معا بالعبارة التالية: جل ما أخشاه من أن يصبح أحدنا (كعراقيين) من غير خطب جمعة كربلاء المقدسة, (مع الإطالة) كالذي يدع (النهر العظيم) ويجهد بمص (الثماد)!(1). وبالتالي يقع الجميع في المحذور (إلا ما رحم ربي). مع أني لا زلت أسمع خرير ذلك النهر العظيم وهو يموج بين ثنايا خطب جمع كربلاء الى حين المنع.
وما ذلك.. إلا للأهمية العظمى والتأثير القوي والفعال لخطب جمعة كربلاء, ليس فقط على الشارع العراقي (الأمة), بل ويتعداه الى الصعيدين الإقليمي والدولي أيضا ً مما لا يخفى، لاشتمالها على رؤى ونهج ومواقف المرجع الأعلى السيد (السيستاني) دام ظله في النجف الأشرف.
وقبل أن نتوقف قليلاً ونسبر غور السؤال الثاني بالإجابة عليه, وبيان تأثير خطب جمعة كربلاء الكبير على (الشارع) العراقي, ربما يدفعنا التساؤل الأول الى إعادة قراءة البيان المقتضب، لإدارة العتبة الحسينية المقدسة في جمعة 6/3/2020م ثانية, لنكتشف أن قرار عدم إقامة صلاة الجمعة (وقطعا ً إنما جاء ذلك بتوجيه من المرجعية الدينية العليا) كان لـ(سببين) موضوعيين مهمين هما:
1ـ الظرف الصحي الراهن ـ المتعلق بجائحة كورونا
2ـ ورعاية الى ما دعت اليه دائرة صحة كربلاء المقدسة من الإمتناع عن عقد التجمعات الكبيرة في هذه الأيام.
وبالتالي فإن (الرفع) يبقى مرتهن بذينك السببين.
وأن تحسن الظرف الصحي المتعلق بالجائحة, مع تقدير دائرة صحة كربلاء المقدسة (المرتبطة بخلية الأزمة ـ للحكومية الإتحادية) للحالة, كفيل بإعادة إقامة صلاة الجمعة وخطبتيها الأولى والثانية من الصحن الحسيني الشريف.
ـ أن علة ثراء خطب جمعة كربلاء المقدسة, تكمن كونها تشتمل على رؤى المرجعية العليا في تشخيص ومعالجة قضايا الأمّة المصيرية المتنوعة والحساسة معاً. وبرزت أهمية ذلك في الحقبة التي تلت تغيير النظام الديكتاتوري عام 2003م وللآن. ولا يُمكننا هنا مقارنة (خطاب) المرجعية العليا المبثوث عبر خطب جمعة كربلاء, مع خطابات لجهات أخرى مُغايرة, كأن تكون سياسية أو حزبية أو حكومية أو أكاديمية أو اجتماعية وهلمجرا. لاشتمال (الخطاب) على (الجذبة) الإلهية، كونها أحد فيوضات مدرسة أئمّة اهل البيت (عليهم السلام), مع لحاظ مقام المرجعية الدينية العليا كنائب عن الإمام المعصوم (عج) في زمن الغيبة الكبرى ـ هذا أولا ً. ولنفوذ بصيرة المرجعية العليا في تناولها للقضايا المصيرية للأمّة تشخيصا ً ومُعالجة, لذلك لا يمكن وصف خطابها بـ(المرحلي ـ البراغماتي) خصوصا ً حين تتناول الشأن السياسي العراقي, وقضايا الوطن والتعايش السلمي والسيادة والإستقلال وغير ذلك, لأنه يتمتع بعنصر الثبات الذي لا يتغير قط ثانيا ً.
وبالسياق.. يجدر بنا هنا أن نبين الأمر المهم التالي والمتعلق بـ(كلام) خطب الجمعة, وتسليط الضوء على الإشكالية ـ هل كلام خطب منبر الجمعة هو كلام السيد المرجع الأعلى أم كلام الخطيب واجتهاده؟.
الجواب: أن الكلام الوارد في خطب الجمعة هو للسيد المرجع الأعلى (دام ظله) ويقع على نحوين أو (نمطين) من الكلام هما :
1- كلام صادر من المرجع الأعلى السيد (السيستاني) لفظاً ومعنى كـ(خطبة فتوى الدفاع المُقدسة) في 13/6/2014م. ويقرأ عادة بورقة صادرة من مكتب سماحته.
2- كلام صادر من المرجع الأعلى السيد (السيستاني) معنىً فقط، مع ترك البيان والتعبير اللفظي لخطيب الجمعة واجتهاده.(2).
ـ وبالعودة الى السؤال: هل لعودة خطب جمعة كربلاء تأثير على الشارع؟
لعل الإنصاف يدفعنا قدما ً لأن نثبت حقيقة أن (منبر) جمعة كربلاء المقدسة, وعبر مسيرة محفوفة بالمخاطر, في أقسى مفصل تأريخي مرّ ويمر به العراق وشعبه في التاريخ الحديث, بدأً ً بسقوط النظام الديكتاتوري بطريقة الغزو الأجنبي, وانهيار مقومات الدولة العراقية، والاضطراب الأمني الدموي واستشراء الفساد المدمر ووو ـ قد نجح نجاحا ً باهرا ً في إرساء عدة أمور في ضمير(الشارع العراقي) خصوصا ً وفي ذهن (الأمة) عموما ً منها:
1ـ أن خطاب منبر جمعة كربلاء قد نجح في ربط الشارع العراقي (الأمة) بمرجعيتها الدينية وقيادتها الحقيقية في النجف الأشرف.
2ـ خطاب منبر جمعة كربلاء نجح الى حد بعيد, بمساهمته الفعالة في تشكل (الوعي) لدى الفرد خاصة والمجتمع عامة, والدفع نحو إدراك المخاطر الجسيمة التي تحيط بهم, مع خلق الإستعداد والوعي لديهم لإدراك الحلول الناجعة التي تفيضها المرجعية العليا, لحفظ كيانهم المجتمعي ولحفظ المصالح العليا للبلد.
3ـ منبر جمعة كربلاء نجح أيضا ً في نفض غبار سنيّ الحقبة الإستبدادية, عن دور النجف الأشرف التأريخي – الريادي في حركة (الأمة) والشعب العراقي، التي طالته أكثر من أربعة عقود مظلمة, وخلق الحافز لديهم نحو الخلاص الديني والدنيوي.
4ـ خطاب منبر جمعة كربلاء أقرع قلوب المجتمع العراقي و(الأمّة) حتى وعت وأدركت مقام المرجعية العليا المُقدس، باعتبارها تشغل مقام النيابة العامة عن الإمام المعصوم (ع) في فترة الغيبة الكبرى المقدسة. وأنها تمثل صوت الشعب المظلوم وضمير الأمة.
5ـ خطاب منبر جمعة كربلاء أبرز الدور الكبير للمرجعية الدينية العليا الوطني المشرف, من خلال إرسائها أسس بناء الدولة العراقية الحديثة, عبر اعتماد نظام سياسي (ديمقراطي) يضمن التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع, منعاً لعودة النظام الشمولي البغيض.
6ـ منبر جمعة كربلاء برع في إظهار التميّز والتفرد في طرح (الخطاب) كمسيرة توعوية ـ تربوية ـ أخلاقية ـ تكاملية. فالخطبة الأولى والثانية في صلاة جمعة كربلاء, عبارة عن حلقات تكاملية تصاعدية, مترابطة بعضها مع البعض الآخر بروابط عضوية لا تنفك أحيانا ً بأي حال من الأحوال, حينما يتناول المنبر موضوع ما من المواضيع الدينية والأخلاقية التي تتميز بها الخطبة الأولى, أو من المواضيع التي تخص الشأن العام العراقي ذات الصبغة السياسية والتي تختص بها الخطبة الثانية, وغالباً ما تجد خطبة ما هي (حلقة) تكمل السابقة، وبنفس الوقت تمهد للاحقة, أو تجد خطبة ما هي (حلقة) تؤسس لطرح جديد، وتكتمل حلقاتها في خطب لاحقة وهكذا على نحو التكامل المثمر.
7- خطاب منبر جمعة كربلاء حافظ على النهج القويم للمرجعية الدينية العليا, والمتمثل بـ(النصح) و(الإرشاد) لـ(الشارع العراقي) وللأمّة. وبنفس الوقت يُحذر (المنبر) من أن عدم الإلتزام بتلك النصائح والإرشادات من قبل الشارع العراقي والأمة معا ً, قد تؤدي الى سوء العاقبة والى الخاتمة السيئة. ففي الأولى: الحرص على عدم سلب إرادة الأمة (فالمرجعية تنصح وترشد), وفي الثانية: الحرص على أن تُؤخذ تلك الوصايا والنصائح على نحو (الإلزام) لئلا تقع الأمّة – والحكم هنا عقلائي – بسوء العاقبة جراء عدم الأخذ بتلك النصائح والإرشادات.
ـ وإذا ما ارتفعت الأسباب الموجبة لعدم إقامة صلاة الجمعة (والتقدير الأول والأخير هنا راجع للمرجعية الدينية العليا) فقطعاً أنا مع عودة خطب منبر جمعة كربلاء المقدسة.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري