- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
قراءة في مشروع قانون استرداد عائدات الفساد
بقلم: القاضي إياد محسن ضمد
يجري النقاش منذ ايام حول مشروع قانون استرداد عائدات الفساد وهو احد مشاريع القوانين التي تحاول ان توجد سندا قانونيا لمكافحة ظاهرة جريمة الفساد في العراق واستعادة الأموال المتحصلة منها والتي أصابت المال العام العراقي بضرر كبير خلال السنوات الماضية، وقد جاء مشروع القانون بستة فصول وتضمن (45) مادة قانونية ومن تلك الفصول ما تناول استرداد عائدات الفساد داخل العراق ومنها ما تناول استرداد الاموال خارج العراق ونحن إذ نشد على أيدي السلطتين التشريعية والتنفيذية لمساندة السلطة القضائية في مكافحة جريمة الفساد واسترداد الأموال التي تمثل عائدات لجرائمه، فان لدينا بعض الملاحظات نوجزها بالآتي:
اولا : الترهل التشريعي
ابرز ما يمكن ان يرد على مشروع القانون من ملاحظات هو في ان الكثير من مواده صورة مكررة لمواد في قوانين مقرة سابقا حيث لا تتم مكافحة الفساد واسترداد امواله من خلال تشريع مجموعة من القوانين المكررة التي تحمل الاحكام ذاتها وتعالج الظواهر الاجرامية ذاتها، وانما تتم مكافحة الفساد من خلال التركيز على تفعيل وتنفيذ النصوص القانونية المشرعة والموجودة اصلا وتطويع المؤسسات التنفيذية لهذا الغرض لان تشريع القوانين المتشابهة ليس إلا تكرارا عديم الجدوى يصيب المنظومة التشريعية بالترهل ويشعر الرأي العام بعدم الجدوى من تشريع قوانين سبق وان تم تشريع مثيلاتها دون تحقيق الجدوى المطلوبة.
ومن امثلة التكرار الذي اتت به مواد مشروع القانون ما جاء في مواد الفصل الثاني والتي تحدثت عن استرداد اموال جريمة الفساد داخل العراق من قبل القضاء وهيئة النزاهة وجهاز الادعاء العام ايا كانت هذه الاموال وحتى وان اختلطت بأموال اخرى والمنافع والايرادات المتأتية منها كذلك حجز الأموال وتجميدها مع وجوب ان يصدر مجلس الوزراء نظاما لبيان كيفية ادارة الاموال المحجوزة والمجمدة وقد ألزمت المادة 7 من القانون المؤسسات المالية ان تتخذ خطوات معقولة لتحديد هوية المالكين والمنتفعين وهذه المواد جميعها قد جاءت مكررة للأحكام التي تناولها قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب رقم 39 لسنة 2015 حيث تناولت أحكامه وجوب تعقب واسترداد متحصلات كافة الجرائم من الجنايات والجنح وبالتأكيد فان جرائم الفساد المالي والإداري من ضمن تلك الجرائم التي تناولها قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب حيث عرفت المادة (1/ سادسا) متحصلات الجريمة بأنها: الاموال الناتجة او المتحصلة بصورة مباشرة او غير مباشرة كليا او جزئيا من ارتكاب احدى الجرائم الأصلية, والفقرة (سابعا) من المادة ذاتها عرفت الجرائم الاصلية بأنها: كل جريمة في القانون العراقي من جرائم الجنايات او الجنح, وبالتأكيد فان جرائم الفساد المالي والإداري سواء اكانت جنايات او جنح تندرج ضمن احكام فقرات المادة اعلاه من قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب والفقرات (خامس عشر وسادس عشر) من المادة ذاتها عرفتا الحجز والتجميد والذي يراد منه وقف حركة وانتقال متحصلات الجرائم ليتسنى لسلطات التحقيق ضبطها ومن ثم مصادرتها فيما بعد واعطت مواد ذات القانون لقاضي التحقيق وضع الحجز على متحصلات الجرائم والى لجنة تجميد اموال الإرهابيين في الامانة العامة لمجلس الوزراء حق تجميد الأموال وبين القانون في المادة (23) اختصاص قاضي التحقيق في وضع الحجز على الاموال المتحصلة من الجرائم وبينت المادة ( 25 ) احكام الحجز وانه يعد حجزا احتياطيا تسري عليه كافة الاحكام المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية, اذا فما الداعي للنص على كل تلك الاحكام في مشروع القانون الجديد رغم سبق النص عليها وبالتفصيل في قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب رقم 39 لسنة 2015 وما الداعي لاعطاء مجلس الوزراء احقية اصدار نظام يبين احكام ادارة الاموال المحجوزة رغم ان قانون مكافحة غسل الاموال نص على ان الحجز يعد احتياطيا وتسري عليه احكام قانون المرافعات المدنية والكلام ذاته ينطبق على ما ورد في المادة (7) من مشروع القانون والتي تحدثت عن التزام المؤسسات المالية في بذل العناية حيث ان احكام العناية الواجب اتخاذها من قبل المؤسسات المالية كالمصارف منصوص عليها بالتفصيل في الفصل الخامس من قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب حيث يجب على كافة المؤسسات المالية فرض الرقابة على كافة تصرفات الزبائن من ذوي المخاطر العالية كالسياسيين والمدراء العامين والقضاة واشعار مكتب الابلاغ عن غسل الاموال باي معاملة مالية مشبوهة للشروع باتخاذ الاجراءات القانونية .
اما الاحكام التي اتت بها مواد الفصل الرابع من مشروع القانون فهي على الاغلب احكام إجرائية اصولية بعضها لا يحتاج الى نص وبعضها توفر سنداته القانونية احكام قانون اصول المحاكمات الجزائية وقانون هيئة النزاهة حيث ان الفصل الرابع تناول احكام استرداد عائدات جرائم الفساد في الخارج من خلال مجموعة اجراءات اصولية تتعاون فيها هيئة النزاهة مع جهاز المخابرات الوطني ووزارة الخارجية واعتقد ان هيئة النزاهة ليست بجديدة على موضوع استرداد الاموال العراقية المهربة سواء أكانت متحصلة من جرائم فساد مالي واداري ام من جرائم اخرى حيث تبذل دائرة الاسترداد فيها وبالتعاون مع القضاء وجهاز الادعاء العام ووزارة الخارجية جهودا كبيرا في هذا الاطار الا ان تلك الجهود غالبا ما تتعثر بسبب عدم وجود التعاون الدولي لإرجاع الاموال العراقية اضافة الى ان اغلب الدول التي هربت اليها الاموال العراقية هي من دول الملاذات الضريبية والتي تمثل بيئة مثالية لغاسلي الاموال وهي دول يعتمد جزء من اقتصادها المحلي على اموال مهربة من العراق وبالتالي من الطبيعي ان لا تتعاون مع جهود استرداد الاموال العراقية.
ثانيا : المبادئ القانونية الايجابية لمشروع القانون
بالرغم من الملاحظات التي تم تشخيصها والتي تضمنها مشروع القانون فانه قد جاء بمبدأ او مفهوم قانوني لم يرد في القوانين العراقية سابقا ألا وهو مبدأ التصالح على المال العام او مبدأ عقد الاتفاق او الصفقة مع مرتكب جريمة الفساد والذي جاءت بأحكامه مواد الفصل الثالث من مشروع القانون والتي أعطت لقاضي التحقيق صلاحية تخفيف العقوبة الى ما لا يقل عن نصف حدها الأدنى للمتهم الذي يقدم معلومات كافية عن جريمة الفساد ويدلي بالمعلومات عن شركائه في ارتكاب الجريمة ويشهد بحقهم ويساهم في حرمانهم من عائدات الجريمة او في كشفها ومن ثم استعادتها وأوجبت مواد الفصل الثالث من مشروع القانون على محاكم الموضوع سواء كانت جنحا ام جنايات ان تلتزم بقرار قاضي التحقيق في تخفيف عقوبة المتهم الذي تم عقد الاتفاق معه وقد اشارت المادة (19| اولا) من مشروع القانون على ان مرتكب جريمة الفساد اذا ابلغ السلطات المختصة عن الجريمة وشهد ضد بقية المساهمين وقدم اعترافا كافيا عن الجريمة وعن عائدات الفساد فانه يعفى من العقاب اذا كان الاخبار قبل ورود العلم للجهات التحقيقية بارتكاب الجريمة اما الفقر (ثانيا) من ذات المادة فأنها اشارت الى ان الاخبار اذا وقع بعد علم السلطات المختصة فانه يكون عذرا مخففا بشرط ان يساهم في كشف بعض المعلومات عن عائدات الجريمة.
والتصالح على المال العام او عقد الصفقة مع مرتكبي جرائم الفساد المالي والاداري هو منهج اصولي نصت عليه بعض القوانين الاصولية لبعض الدول ومنها قانون الاجراءات الجنائية المصري والذي صدر قانونا بتعديله في العام 2015 وتم تعديل المادة 18 من القانون المذكور حيث اتى التعديل بمنهجية تسمح بالتصالح في قضايا المال العام بعد عقد صفقة مع مرتكبي الجرائم لاستعادة الاموال العامة مقابل وقف تنفيذ العقوبات ولا اجد مانعا من ان يلجأ المشرع العراقي الى هذه المنهجية علها تساهم في استرداد الاموال التي عجزت الإجراءات الأصولية والعقوبات القانونية عن استردادها رغم ما يؤخذ على هذه المنهجية من انها تتيح للمتلاعبين بالمال العام ومختلسيه بالتصالح وقت ما شاءوا وإعفاءهم من العقوبات لقاء اعادة الاموال التي اختلسوها.
وازاء من تم ذكره من ملاحظات تمثل نقدا لمشروع القانون واخرى تمثل ملاحظات ايجابية فاجد انه لا حاجة من تشريع قانون جديد باسم استرداد عائدات جرائم الفساد بل اجد من المناسب ان يتم اجراء تعديل على قانون النزاهة والكسب غير المشروع رقم 30 لسنة 2019 وان تضاف اليه المواد التي تضمنها مشروع القانون التي تخص رفع السرية عن الحسابات المصرفية للمسؤولين والتعهدات الموقعة من قبلهم وكذلك المواد التي تجيز منح مكافئات للمخبرين عن جرائم الفساد والمواد التي تجيز عقد الاتفاق مع مرتكب جرائم الفساد لإعادة الاموال وكشف بقية المساهمين لقاء تخفيف العقوبة حيث ان قانون الكسب غير المشروع يعالج موضوع تضخم ثروة الموظف ومعاقبته ويوجب استرداد امواله دون الحاجة الى اثبات ارتكابه للجريمة وهو القانون الانسب كي يتضمن بعض الاحكام الجيدة التي اتى بها مشروع استرداد عائدات جرائم الفساد ولا موجب من تشريع قانون جديد في ظل وجود قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب والذي يوجب حجز ومصادرة عائدات الجرائم ومنها جرائم الفساد وقانون النزاهة والكسب غير المشروع الذي يوجب معاقبة الموظف الذي تظهر زيادة وتضخم في امواله تزيد عن 20% سنويا ومن ثم مصادرة قيمة الزيادة وسوف يصبح قانون النزاهة والكسب غير المشروع مثاليا باضافة المواد التي ذكرتها سابقا والتي نص عليها مشروع قانون استرداد عائدات جرائم الفساد سيما ما يخص منح مكافئات للمخبرين وعقد صفقة لكشف الجريمة واستعادة الاموال والزام وزارة الخارجية بعقد اتفاقيات ثنائية تسهل عملية استرداد الاموال المهربة خارج العراق.
أقرأ ايضاً
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟
- الجواز القانوني للتدريس الخصوصي