- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
دلالات نبذ الصراع في فكر الامام علي (ع) - الجزء الثاني
بقلم: عباس المرياني
أصناف الناس
وفي كلام له (ع) يصنف فيه الناس الى أربعة أصناف التي ربما هي اقرب الى واقعنا الحالي الذي اصبح يتشكل من عدة طبقات مختلفة سواء طبقات اجتماعية او سياسية او عقائدية فيقول (ع): "أيها الناس إنا قد أصبحنا في دهرٍ عنودٍ، وزمن كنودٍ، يُعد فيه المحسن مسيئاً، ويزداد الظالم فيه عتواً، لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عما جهلنا، ولا نتخوف قارعةً حتى تحلّ بنا، فالناس أربعة أصنافٍ".
الصنف الأول: من لا يمنعه الفساد إلا مهانة نفسه وكلالة حده ونضيض وفره.. تعليق (وما اكثر الفساد والفاسدين والمفسدين الان).
الصنف الثاني: ومنهم المصلت لسيفه، والمعلن بشره، والجالب بخيله ورجله، قد أشرط نفسه وأوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنبٍ يقوده أو منبرٍ يفرعه، ولبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمناً وما لك عند الله عوضاً.. تعليق (وهؤلاء كُثر حالياً، الذين يعادون الناس ويهددون ويقتلون دون خوف او رادع).
الصنف الثالث: ومنهم من أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه، وانقطاع سببه، فقصرته الحال على حاله، فتحلى باسم القناعة، وتزين بلباس أهل الزهادة، وليس من ذلك في مراح ولا مغدي.. تعليق (وهنا يشير الامام الى الذين يدعون الدين والزهد وهم في الاغلب بعيدين عن ذلك وبعيدين عن أمور الناس).
الصنف الرابع: ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب الاخرة بعمل الدنيا قد طامن من شخصه، وقارب من خطوته، وشمّر من ثوبه، وزخرف من نفسه للأمانة.. تعليق (وهؤلاء الذين باعوا دينهم بدنياهم وساءت أعمالهم حتى شملت غيرهم ممن هم على شاكلتهم).
ويكمل (ع): "اتّخذوا الشيطان لأمرهم مِلاكاً، واتّخذهم له أشراكاً، فباض وفرّخ في صدورهم، ودبّ ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم ونطق بألسنتهم، فركب بِهم الزَّلل وزيّن لهم الخَطَل فِعْلَ من قد شَرِكَهُ الشيطان في سلطانه ونطق بالباطل على لسانه".
بذلك حدد الامام (ع) أصناف الناس وتأثيرهم على المجتمع، وهو هنا يُشخص الداء الذي يتحتم معالجته، كما واعطى العلاج لهذا الداء في خطبه وكلماته السابقة التي تناولناها او لم نتناولها.
4. التعامل مع الاخر وحرية التعبير
يقول (ع) في وصيته لولده الإمام الحسن في التأكيد على حرية الفرد وسبل التعامل مع الاخر: "يا بني اجعل نفسك ميزانا في ما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم، واحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك".
وقوله (ع): "عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه".
وذكر عنه (ع) انه ذات يوم كان على المنبر يخطب بالناس في المسجد، وكان ضمن الجالسين شخص يكره الامام u ويبغضه بغضاً شديدا، فلما سمع هذا الشخص خطبته وما فيها من فقه وبلاغة، قال عن الامام: كافرٌ ما افقهه وابلغه!! فلما سمع الجالسون ذلك ارادوا ضربه، فقال لهم الامام اتركوه! باستطاعتي ان اسبه مثل ما سبني، او اعفو عنه...
وها انا قد عفوت عنك.
في هذه الحادثة نلاحظ ان الامام (ع) يؤكد على حرية الرأي ويعطي درساً في الاخلاق والايثار، فلم ينتصر منه لنفسه وانما منحه درساً في التسامح ومنح الجالسين، ومنحنا نحنُ ايضاً هذا الدرس الذي نتناوله اليوم.
ونجد ايضاً ان هذا الشخص كان مغرر به فلم يعرف الامام حق معرفته بسبب ما مارسه معاوية من جانب، والخوارج من جانب اخر من اعلام مضاد تجاه الامام (ع)، وفي واقعنا الان نرى ونسمع الكثير مثل هذا الشخص الذي يُلقي التهم جزافاً دون معرفة الحقائق والتأكد مما يتناوله والامثلة على ذلك كثيرة.
وعند الاطلاع على لوائح حقوق الإنسان التي تنادي بها الأمم والمنظمات الدولية الخاصة بذلك نلتمس الكثير من حكم الامام وسلوكياته قد دونت او اقتبست في هذه اللوائح.
فعلى الرغم من ان الامام (ع) قد استشهد نتيجة هذه الصراعات التي ابتلي بها، وحاول بكل قوة ان يجنب الامة الإسلامية والمسلمين الخوض بها؛ لكن رغبات الاخر الشيطانية –سواء متمثلة بمعاوية وحزبه، او الخوارج، وحتى الذين نالوا السلطة بعد ذلك - كانت اقوى وادهى دفعت بهم ومن جاء بعدهم الى محاربة هذ النهج الحكيم الذي ابتدأه الرسول الكريم محمد (ص) واكمله امير المؤمنين وال بيته (ع) من بعده.
واني لأجد في فكر ونهج الامام علي (ع) اقرب ما يكون من فكر العبد الصالح الخضر (ع)، بالرغم من ان النبي موسى (ع) كان نبي مرسل وكليم الله وصاحب كتاب منزل؛ الا انه لم يستطع مع الخضر (ع) صبرا، ولم يدرك ولم يفهم مضمون هذه الشخصية لان مدخلاتها ربانية وليس دنيوية، لذلك لم يكمل مسيرته معه، كذا الامام علي (ع) لم نستطع نحنُ وممن كانوا في زمنه معه صبرا، لأننا لم ندرك ولم نفهم مداركهُ وما يريده (ع) .
مما سبق ان الصراع في فكر الامام (ع) موضوع لا يمكن احتوائه بهذه المحاضرات او الندوات، لذلك حريٌ بنا وبكل انسان واعً ومدرك لحقائق الأمور ان يطلع على هذا النهج النير الذي رسمه الامام (ع)، وهذا الاطلاع يجب ان يكون بشكل دقيق وبتمحيص ليدرك ما خُفي، ففي هذا النهج هديٌ للروح البشرية وتهذيب لها من اجل الابتعاد عن كل ما هو سيء، سواء الصراعات التي تناولناها وكيفية تجنبها والتي لا يكسب منها المرء الا الخسران في الدنيا والاخرة، او المفاهيم الأخرى التي تناولها الامام (ع) التي يقصد من وراءها بناء الانسان بشكل صحيح وتقويمه، فأذا بُني الانسان صحيحاً عرف الله وعبده من حيث يُعبد، واستقامت المجتمعات وتطورت الأمم، وهذا ما كان يصبو له الامام (ع).
بعض الاقتباسات من//
- كتاب نهج البلاغة
- موقع نهج البلاغة على شبكة الانترنت