- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
من الذاكرة الرمضانية الكربلائية ....الجزء الخامس
حسن كاظم الفتال
نمطية تفاوت درجات الحرارة
يبدو أن درجات الحرارة في السابق لعلها لم تكن كما هي اليوم خصوصا وإن مدينتنا المقدسة كانت تتسم معماريا بانتشار الشناشيلفي معظم الدور والمساكن والبنايات وما تسمى بـ (الأرسي ) أو (البالكونات) أو ( الطلّاع) أي الشرفات المطلة على الطرقاتوالمصنوعة معظمها من أجود أنواع الخشب وبأشكال وألوان وأنماط جميلة وكانت هذه الشرفات تمد ظلالهاعلى الكثير من الأرصفة وتظللها فيستظل بها المارة وتحتمي بها من لسعة أشعة الشمس المحرقة.
فضلا عن أن المدينة المقدسة كانت مسورة بالبساتين العامرة فهي كانت فعلا تتوسط حزام أخضر هذا الحزام كان يؤدي دورا مهما في تغيير حالة الطقس وتحسين المناخ ويكَوِّن بيئة نقية صحية. وكانت البساتين تفيض بالخيرات على أصحابها وبالمقابل هي أي البساتين أقرب إلى نفوس أصحابها من كل عزيز ويعد صاحب البستان النخلَ والشجرَ بمنزلة أبنائه وكلها أقرب إلى نفسه من كل عزيز ولعله يفرط بأشياء كثيرة إلا بالنخيل والشجر وهنالك قصص تصلح أن تكون شواهدا تسند هذا الحديث .
ليس كما يحدث هذه الأيام إذ أن كل صاحب بستان فرط ببستانه من اجل المال وبدأ بتقسيمها إلى قطع أراضي ذات خمسين متر أو أكثر وكل يشيد بناءه على مزاجه وتتكون الكثير من المدن العشوائية والفوضوية الهندسة إن صح التعبير .
إذ بسبب حرارة الجو كثيرا ما كنا نلاحظ نشاهد البعض يسير وهو يضع على رأسه منديلا مبللا بالماء أو يركب دراجة هوائية بهذه الهيئة .
وبما أنني مررت بهذه النقطة أود أن أتوقف عندها . ففي كثير من الأحيان هنالك افرادتجدهم يمنون بصومهم على الناس خصوصا في فصل الصيف فترى الصائم مر المزاج وصعب المراس وكما يقال برتقالي المزاج . وحين يسئل عن ذلك يجيب : ( والله أنا من أصوم ما أتحمل وأبويه ما أعرفه ).
وثمة مسالة أخرى يسأل البعض عن امتناعه عن الصوم يعتذر لأنه لا يستطيع أن يترك التدخين وحين يسال هو الآخر يجيب : ( والله ما أگدر أصوم لأن أدوخ إذا ما اشرب جيگارة) وكأن المسالة كيفية مزاجية
التعاطي مع المتغيرات المناخية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذن يختلف التعامل مع معطيات الشهر باختلاف المناخ ،وكذلك نجد أن الأكلات هي الأخرى تختلف بين فصل وآخر وسوف أتحدث عنها هي الأخرى أيضا .
ففي فصل الصيف أول ما يُحضَّر الثلج وغالبا ما يشترى عصرا قبل موعد الإفطار بوقت قصير. والثلج الذي كان يباع لا يشبه كثيرا الثلج الذي يباع اليوم فكان معظمه جامد بشكل جيدة وكما يسميه البعض ( دگمة ) ونظيف ويضرب عليه المثل ( ابيض مثل الثلج ) وليس كما أصبح فيما بعد بالــ ( گشر ) وما يصل حامله إلى البيت إلا وقد ذاب نصفه خلال الطريق أو أكثر وتلاحظ الطين يترسب ويستقر في قعر كل إناء .
يستخدم هذا الثلج لتبريد الماء أو لتبريد اللبن الذي يندر أن تخلو منه سفرة أيام الصيف وتُبَرَّد به أشياء أخرى مثل الفواكه وغيرها إذ يلف الثلج بـ(گونية) أي كيس منسوج من خيوط الستلي ويوضع عليه الرقي أو أي نوع آخر من الفواكه .
وأشهر انواع ( الگواني ) كانت تسمى (أم القلم الأحمر) إذا أنها كبيرة الحجم ونسيجها منقوش بشريط أحمر وسط ( الكونية ) من الطول إلى الطول .
ومن لم يستطع الحصول على الثلج يكتفي بماء التُنْگَة أو الشَرْبَة والتي يسميها العامة ( الكوز ) وهي مصنوعة من الطين المفخور إذ تملأ بالماء وتوضع على ( الرازونة) خلف الشباك المطل على الشارع أو أمام العمارية التي تحدثنا عنها أو على أسيجة السطوح ويغطيها ( الكبوس) أو (الكلاو ) المصنوع من خوص سعف النخيل وهو يشبه الطربوش أحيانا . فيبردها هبوب الرياح ويسمى هذا الماء (جلاب) والشاعر يقول : (درب الهوه جلاب والله أرد أگحمه)
أو يتم التبريد باستخدام (الحِب ) بكسر الحاء وما يسمى بـ ( الكوز ) حيث يملأ الحِب بالماء وإذا وجد في البيت سرداب فيوضع الحب في السرداب ويوضع تحته الرقي أو البطيخ ليبرد هو الآخر وفي معظم السراديب كان يوجد ( بادگير) أي هوائي يمتد هذا الهوائي من السرداب حتى سطح البيت فيدخل الهواء وينزل إلى السرداب وكان يعوض عن مبردة هذه الأيام ويؤدي دور مهم في التبريد فيوضع الحب تحت هذا البادگير . وبما أن معظم البيوت شرقية التصميم أي مكشوفة لذا يوضع الحب وسط باحة البيت . أو أمام باب الدار في الشارع أحيانا وهو الآخر يبرده هبوب الرياح وكان ذلك يعوض عن الثلاجة في الوقت الحاضر ويسمى ماؤه ( بيوتي ) أي بات في الحب إلى اليوم الثاني من مساء يوم أمس وبسبب هبوب النسيم البارد ليلا أصبح ماءً باردا مثلجا أحيانا وكذلك يسمى جلاب.
وكان بعض الأشخاص يضع ( الحِب ) أمام الدار على قارعة الطريق على الرصيف ليشرب منه المارة ويسمى ( سبيل )
ولا يفوتني أن أذكر أن بين الشربة أو التنگة والحب تكون ( الجرة ) وهي عبارة عن شربة كبيرة وعنقها يكون أقل قطرا من عنق الشربة أو التنگة وأطول أيضا ويسميها البعض ( طربالة ) لذا كان يشجع حامل الطربالة بالقول علي وياك يالشايل الطربالة
وهذا النوع من الجرار يكثر استخدامه لدى السقاية أو أهل السبيل . ونقصد بأهل السبيل أن السبيل مهنة معينة أي بيع جرة ماء بمبلغ غير محدد مقابل توزيع الماء للثواب على روح شخص معين متوفى . يحمل صاحب السبيل الجرة مملوءة بالماء وينادي بأعلى صوته سبيل .. منو يسبل بثواب موتاه . فيتبرع أي شخص ليسبل هذه الجرة مقابل مبلغ معين وقد كان يتراوح المبلغ ما بين خمسة فلوس إلى خمسة وعشرين فلسا . ويكثر تسبيل الماء ويكون صاحب السبيل أكثر استفادة في ليالي الجمع أو بعض المناسبات وكنا نرى هؤلاء يكثر تجمعهم أمام باب الصحن الحسيني الشريف خصوصا باب الشهداء وباب قاضي الحاجات
إلى اللقاء مع الجزء السادس حسن كاظم الفتال
أقرأ ايضاً
- عودة في الذاكرة.. ماذا فعلنا بعد الديكتاتورية؟
- عْاشُورْاءُ - الجزء الخامس
- شرح دعاء اليوم الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك